ليس من السهل أن يواجه اقتصادنا الوطني جملة المتناقضات المختلفة في “شكلها” والمتفقة في “المضمون” إلى حد بعيد في معظم الأحيان، لأنها وليدة ظروف واحدة، وبيئة وجدت فيها الحضن المغذي لها، والداعم لأسباب البقاء، إنها “الحرب” وأدواتها وأهلها وطبيعة أهدافها..!
فمنذ عقود مضت،” وليس سنوات الحرب فقط..!” وأسواقنا تعيش حالة من التجاذبات والقلق الاقتصادي، خاصة لجهة المكون البشري والمادي الحامل لها في كل الأوقات، وهذا ليست من باب الصدفة، وإنما بفعل فاعل ,وتدبير بشري يترجم تداعياتها على أرض الواقع، من خلال عملية إسقاط مباشرة، لأي مشكلة أو قضية مادية, تتعلق بالمجتمع وخاصة القضايا المعيشية، والتي غالباً ما تكثر فيها الإسقاطات السلبية واستغلالها للصالح الخاص, وما يحدث اليوم في الأسواق, من تذبذب في أسعار المواد، وخاصة المرتبطة بمعيشة المواطن, وافتعال أزماتها، حالة تحمل الكثير من السلبيات التي تحتاج لمعالجات فورية، وقرارات حاسمة ترقى إلى مستوى أهمية الموقف، والضرورة التي فرضتها طبيعة كل مشكلة وحلها المطلوب..!
وبالتالي هنا لا يمكن الحديث عن مشكلة الأسعار وإمكانية تخفيضها، قبل الحديث عن استقرارها ومعالجة الأسباب، ضمن آلية تسمح الانتقال إلى خطوات لاحقة، يمكن من خلالها ترجمة هذا الاستقرار على ارض الواقع، وإحداث خرق جديد، يمكن من خلاله تحسين إيجابية تدخل الحكومة والجهات التابعة، وأدواتها في الأسواق وانعكاسه بصورة مباشرة على تحسين مستويات المعيشة لدى فئات المجتمع، تحت سقف المعالجة الواحدة..
وما يدفعنا اليوم للحديث عن ذلك عوامل كثيرة “تنذر” بتحقيق بعض الاستقرار منها على سبيل المثال، “سعر الصرف” والذي شهد استقراراً في حدود معقولة، قياساً بالظروف، إلى جانب بعض الإجراءات الحكومية على مستوى الإنتاج والسوق، وزيادة الإنتاجية في بعض المواقع، إلى جانب توجه “وزارة التجارة الداخلية” للتدخل بقوة لدى الحلقات المنتجة والوسيطة، وصولاً للبائع النهائي، لإحداث تغيير واضح في آلية التعاطي مع مشكلات السوق، وخاصة المرتبطة بالمواطن بالدرجة الأولى، وفرض آلية تسعير تستجيب لحالة الاستقرار التي قد يشهدها اقتصادنا الوطني، ويبدأ بها مشوار الاستقرار الاقتصادي الذي يسعى الجميع لتحقيقه وفق الإمكانات المتوافرة، والمترافقة بإجراءات ردعية مباشرة وغير مباشرة، من خلال دراسة تحليلية “منطقية وواقعية” تتناسب مع تكاليف “الإنتاج” لكثير من السلع الضرورية اللازمة لمعيشة المستهلك اليومية، بغية تحديد سعر عادل ومنصف للمنتج والمستهلك على السواء، دون تجاهل إجراءات الرقابة، وتطبيق فرضية الالتزام بالأسعار من “المنبع حتى المصب” وفق تراتبية حلقات الوساطة التجارية المضبوطة، والتي أعلنت عنها مؤخراً وزارة التجارة الداخلية، وفق سلسلة من التوجهات لتحسين العلاقة مع الفعاليات التجارية والصناعية والخدمية، والتفاهم حول كل المشكلات وضرورة حلها بما يضمن تطبيق معادلة تعاون تحت عناوين مختلفة، أهمها “لا غالب ولا مغلوب” بل منفعة للجميع، تسمح باستقرار يسعى لتحقيقه أهل القرار الحكومي، وفعاليات السوق، وصولاً إلى المستهلك والذي هو غاية وهدف كل إجراء..!
وعلى ضوء ذلك، وفيما سمعناه ولمسناه من توجه جديد لإحداث آلية تغيير جديدة، في طريقة التعاطي مع أطراف “السوق” تتناسب مع الظروف الحالية وتوجهات المرحلة، وما تقتضيه من ضرورات، فإن كل ذلك يؤكد جدية التوجه، و هنا يحق لنا أن نطرح سؤالاً في غاية الأهمية هل بدأ مشوار الاستقرار والتعافي الاقتصادي بثوابت جديدة، ونتائج تتناسب مع هوية التغيير المطلوب المتفق مع طبيعة المرحلة الحالية وما بعدها..؟!
الجميع بانتظار جواب قادمات الأيام، وهي ليست بالبعيدة بفعل قوة المطلوب..
Issa.samy68@gmail.com