دروس صباحية

ضمن صبحية للجارات، وإلى جانب ارتشافات القهوة وقرقعة المتة و”شفط” الدخان بأنواعه كافة، من الأركيلة إلى الدخان العادي والبلدي وصولاً إلى السجائر الإلكترونية المُنكَّهة، وبين المجّة والمجّة، والرغبة بالتنفيخ عليها علَّها تنجلي، قالت إحداهن: انعلَّ قلبي وأنا أدرِّس ابنتي الرياضيات، فجدول الضرب من يوم يومه يضرب على رأسي، وكون هذه العملية تبديلية فهذا شيء بسيط و”ماله فكاهة ولا مازية”، أما من جهة كونها توزيعية، فإنها أشبه بتوزيع الفهم على ناس وناس، ويبدو أن نصيبي منه كان صفراً ماصّاً يمصّ روحي ويجعلها عَدَماً. ثم ضحكت ملء فيهها وهي تنفث دخان أركيلتها كأشطمان سيارة ديزيل مضروب فيها “جوان الكولاس”.
تنطّعت جارة أخرى للحديث عن تدريس ابنها مادة العلوم، وما تعانيه من صعوبات تبدأ بطرائق تلقيح الزهور ولا تنتهي بالدورة الدموية الصغرى والكبرى، بحيث أنها عبَّرت عن ذلك بقولها: في كل مرة أقول إن ذهني تفتَّح لاستقبال هذه المعلومات، وملء أفكاري بألوان الطيف وطرائق عمل العدسات وغير ذلك من علوم تجمع بين الفيزياء والكيمياء وآليات عمل أعضاء الجسد البشري، أرى أنني كالشريان الرئوي مليء بغاز ثاني أكسيد الكربون، ولم يتبقَ في روحي أي ذرة أوكسجين واحدة تواسيني، لذلك ما عاد لدي سوى سيجارتي الإلكترونية تؤنسني في عذاباتي المديدة، وبلا علوم وبلا بطيخ. تضحك هي الأخرى حتى بانت أضراس العقل المهترئة في عمق فمها، وتنفخ نفخةً ملأت الغرفة بنكهة البطيخ الطازج.
وعندما استلمت الجارة الثالثة زمام المبادرة انتقل الحديث إلى أنها حتى الآن وهي تدرس اللغة العربية لأولادها، تنزعج من كون تاء التأنيث ساكنة، لا حول لها ولا قوة، بينما تاء الفاعل متحركة وتفعل فعلها في الفعل ذاته، وأعربت عن فرحها بأنها تمكَّنت مؤخراً من إحراز تقدُّم كبير، إذ باتت، بقدرة قادر، قادرة على التمييز بين لا النافية ولا الناهية الجازمة، وأيضاً رسَّخت في ذهنها بأن اسم إنَّ منصوب  في حين أن اسم كان مرفوع، وليس العكس، ورفعت كأس مَتَّتِها عالياً، معلنةً نصرها المؤزر.
أما المضيفة، بعد أن وضعت سيجارتها اللَّف في مَبسَم خشب المكْنُسْ، أشعلتها بحكمة وهدوء، ومَجَّت منها مجّة طويلة حتى امتلأت رئتاها، وما إن نفثت دخّانها، حتى قالت: معضلتي الكبرى مع أولادي هي التمايزات في اللغة الإنكليزية بين “السيمبل بريزنت” و”البريزنت بيرفيكتب” وذاك المقوَّس “الكونتينيوس”، حتى بتُّ أشعر أن روحي تقوَّست وصرت كتلك الضائعة في الترجمة. 
هنا قهقه الجميع وانسالت الدموع من أعينهن وهم يستمعن إلى صباح فخري وهو يقول: “ويا قلب انعي، ويا عين اذرفي عَبْرة”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار