«الوظائف وتكاليف المعيشة».. الأكثر تأثيراً في أصوات الناخبين الأميركيين.. جدل حول من سينهض باقتصاد أميركا؟
تشرين – يسرى المصري:
الاقتصاد دائماً على رأس قائمة أولويات الناخبين.. ومع احتدام السباق الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية يبرز الاقتصاد كعامل رئيسي في جذب أصوات الناخبين.. وخلال الأيام القليلة القادمة تسارع مراكز الاستطلاع إلى فرز الأصوات حسب المواقف الاقتصادية للحزبين الديمقراطي والجمهوري.. وفي هذا السياق رصدت صحيفة تشرين مجموعة من التقارير واستطلاعات الرأي التي تبين التفاوت مابين مواقف الحزبين من القضايا الاقتصادية.
تباين المواقف
يقول الخبير الاقتصادي أنس نغنغ : تباينت مواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأميركيين إزاء السياسات الاقتصادية بين ترامب وهاريس.. حول من سينهض باقتصاد أميركا؟
حيث يميل الجمهوريون إلى دعم السياسات الاقتصادية المحافظة ويفضلون خفض الضرائب والحد من الإنفاق الحكومي لتعزيز السوق الحرة، إذ يعتقدون أن هذه السياسات تساعد على خلق الوظائف والقضاء على البطالة وتعزيز النمو الاقتصادي، وذلك بتحفيز الاستثمارات الأجنبية والخاصة، وهو ما دفع ترامب في عام 2018 إلى خفض الضرائب بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي.
بينما يتبنى الديمقراطيون نهجاً أكثر تركيزاً على العدالة الاجتماعية ويدعمون فرض الضرائب على الأثرياء، لتحقيق توزيع عادل للثروة بهدف تمويل البرامج الاجتماعية الموجهة لجميع فئات الشعب. كما إنهم يؤكدون ضرورة التدخل الحكومي في الاقتصاد انطلاقاً من إيمانهم بدورها في تنظيم الأسواق لحماية المستهلكين والبيئة، أما في التجارة فيؤيدون اتفاقيات التجارة الحرة وسيلة لتعزيز الاقتصاد.
هاريس وترامب
ويضيف نغنغ : أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن دونالد ترامب تفوق على كامالا هاريس باعتباره المرشح الذي يحظى بثقة الأميركيين فيما يتعلق بالاقتصاد، وهو ما يسلط الضوء على كفاح الحزب الديمقراطي لإقناع الناخبين بأنهم في حال أفضل الآن مما كانوا عليه قبل أربع سنوات.
أظهر الاستطلاع الشهري النهائي الذي أجرته الصحيفة بالتعاون مع كلية روس لإدارة الأعمال بجامعة ميشيغان أن 44 بالمئة من الناخبين المسجلين قالوا إنهم يثقون في قدرة ترامب على التعامل مع الاقتصاد أكثر مقابل 43 بالمئة لهاريس.
حسب تقرير للصحيفة، تمثل هذه النتائج، التي تأتي قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات، المرة الأولى التي يتفوق فيها ترامب على هاريس بشأن هذه القضية في استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة فاينانشال تايمز ومؤسسة ميشيغان روس.
كما أظهر الاستطلاع أن ترامب يتمتع بفارق أكبر بين الناخبين بشأن السؤال حول أي مرشح من شأنه أن يجعلهم في وضع أفضل مالياً. فقد اختار 45 بالمئة الرئيس الجمهوري السابق – وهو تحسن بمقدار خمس نقاط عن الشهر السابق – مقارنة بـ 37 بالمئة لهاريس، نائبة الرئيس الديمقراطية.
تشير النتائج إلى أن خطاب هاريس الاقتصادي قد نفد زخمه في المرحلة الأخيرة من السباق المتقارب بشكل متزايد مع ترامب. ويظهر متتبع استطلاعات الرأي لصحيفة فاينانشال تايمز الآن أن المرشحين في حالة تعادل شبه تام في الولايات المتأرجحة التي ستقرر نتيجة الانتخابات.
وقال الأستاذ في كلية روس لإدارة الأعمال، إريك جوردون:
إن مقترحات هاريس للسياسة الاقتصادية “أثارت قدراً كبيراً من خيبة الأمل والحماس”.
“إذا كانت ستفوز في الانتخابات، فسوف يتعين عليها أن تفوز بها على أساس قضايا أخرى”.
وفق الصحيفة، فقد كان رفض الناخبين منح هاريس ورئيسها الرئيس جو بايدن الفضل في النمو الاقتصادي القوي وانخفاض معدلات البطالة سمة مستمرة في استطلاع FT-Michigan Ross منذ الاستطلاع الأول قي تشرين الأول 2023.
تفوقت هاريس على ترامب لفترة وجيزة في ما يتصل بالاقتصاد بعد أن حلت محل بايدن في بطاقة الحزب الديمقراطي هذا الصيف، لكن هذه الميزة تم محوها.
ومع بقاء أقل من أسبوعين حتى يوم الانتخابات في الخامس من تشرين الثاني المقبل، يسلط الاستطلاع الضوء على العقبة الكبرى التي تواجه هاريس، فقد وجد الاستطلاع باستمرار أن الناخبين يصنفون “القضايا الاقتصادية، مثل الوظائف وتكاليف المعيشة” باعتبارها “القضية الأكثر أهمية” في تحديد أصواتهم للرئيس.
ورغم أن هاريس حققت نتائج أفضل في استطلاعات الرأي بشأن القضايا الاقتصادية مقارنة ببايدن عندما كان مرشحاً ديمقراطياً، فقد واجه الحزب صعوبة في إقناع الناخبين بأنهم قادرون على إدارة الاقتصاد.. وعندما سئلوا عما إذا كانوا أفضل حالاً مالياً في ظل رئاسة ترامب أو بايدن، قال 51 في المئة إنهم كانوا “أفضل كثيراً” أو “إلى حد ما” في ظل رئاسة الجمهوريين، وقال 28 في المئة فقط إنهم كانوا أفضل حالاً في ظل رئاسة بايدن.
وما زال الناخبون يتحسرون على ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب ارتفاع التضخم في عام 2022، الذي ترك الأسعار مرتفعة ويستمر في التأثير بشكل كبير في معنويات المستهلكين.
وأشار أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين إلى أن زيادات الأسعار تعد واحداً من أكبر مصادر الضغوط المالية التي يواجهونها، وهو رقم ظل ثابتاً على نطاق واسع خلال الاثني عشر شهراً منذ إطلاق الاستطلاع.
ويرى الخبير الاقتصادي نغنغ أن حرب الاتهامات بين هاريس وترامب تشتد مع اقتراب موعد التصويت.
ويلفت إلى أنه أصبحت جلية الآن الحالة الاستقطابية الشديدة التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية بين اليسار الديمقراطي واليمين الجمهوري، وبالتالي ظهور تناقضات وتفاوت في السياسات المقترحة من الطرفين.
ومن العوامل القوية في حملة ترامب هو التركيز على الجانب القومي الشعبوي والعزف على وتر “أميركا أولًا”، والاستفادة من تجربة الرئيس السابق ريغان في استنهاض الشعور القومي واعتباره المحدد الأول للفوز بالرئاسة.
مع أنه (ترامب) يعلم تماماً أن بعض هذه السياسات لا يمكن تنفيذها في الواقع. ومثال على ذلك السياسات الحمائية التي ينوي اتباعها في فرض الرسوم الجمركية على كل المنتجات المستوردة من الخارج، وخاصة من الصين، إذ ينوي فرض رسوم تصل إلى 60 بالمئة.
وهو يعلم أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع في المستوى العام للأسعار ويضعف القدرة الشرائية للأفراد، وكل ذلك تحت شعار عودة الإنتاج إلى الداخل وتأمين المرحلة القادمة للأميركيين، رغم علمه بأن إيجاد بديل للبضائع الأجنبية، وخاصة الصينية، ليس بالأمر السهل أو الفوري، وسيؤدي حتماً إلى ارتفاع آخر في أسعار المنتجات الأميركية نظراً لارتفاع أسعار المنتجات الخارجية.. هذا الفرق في السعر بين المنتجات الأجنبية والمحلية سيسمح للشركات الأميركية برفع أسعارها، وبالتالي لن يكون هناك مفر من ارتفاع معدلات التضخم.
وأوضح أن “الحاضنة الشعبية لترامب تحتوي على الكثير من كبار السن والمتقاعدين، إضافة إلى الأشخاص المتزمتين عنصرياً وذوي المستوى الثقافي المتدني، الذين ينجذبون بسهولة نحو الشعارات القومية، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من الأميركيين الذين يعتقدون أن سياسات ترامب العدائية تجاه المهاجرين هي سياسات صحيحة، لأنهم يرون أن منع المهاجرين وطردهم سيفتحان فرص عمل للأميركيين، متناسين أن العديد من الشركات الأميركية تعتمد على العمالة الأجنبية والمهاجرة في الإنتاج”.
وشدد على أن ترامب يتصف بمزيج فريد من الذكاء التجاري والعفوية والعشوائية، وفي بعض الأحيان العدائية والمواجهة، وهو يدرك تماماً كيف ومتى يغير سياسته ومواقفه حال شعوره بأنها مقبلة على الفشل.. وهذا ما فعله مع العملات الرقمية، حيث كان ضدها في البداية، لكنه الآن أصبح شريكاً فيها.
وحسب الشعار، يحاول ترامب في هذه الفترة تقليل ثقة الجمهور بقدرة الديمقراطيين على إدارة الاقتصاد، مستغلاً الارتفاع الكبير في معدلات التضخم في العامين الماضيين، إضافة إلى الوضع الجيوسياسي السيئ للغاية، بدءاً من الحرب في أوكرانيا وروسيا وصولاً إلى حرب إسرائيل على غزة. وكل ذلك حدث في فترة بايدن، لذا يقدم ترامب نفسه كرجل سلام قادر على تحقيق السلام عالمياً وبالتالي تجنيب الولايات المتحدة الانخراط في حروب وصراعات خارجيه والتركيز على الاستثمار في الداخل بدلاً من إرسال الدعم والتمويل الى الخارج، وهذا النوع من الخطاب يهدف إلى دغدغة مشاعر الأميركيين نحو القومية والوطنية المتزايدة، ويصور ترامب نفسه على أنه رائد هذا الشعور والشخص المخلص الذي سيعيد أميركا أقوى عالمياً.
ويصر ترامب على أنه سيعمل على خفض تكاليف المعيشة من خلال خفض أسعار الطاقة والضرائب مثل تلك المفروضة على الإكراميات والعمل الإضافي للعاملين بالساعة والمزايا للمواطنين كبار السن.
وقد اقترحت هاريس – التي غالباً ما تصف تجاربها في النشأة في أسرة من “الطبقة المتوسطة” أو الدخل المتوسط – “اقتصاد الفرص” الذي يركز على الأسر الأقل ثراءً والذي من شأنه أن يشمل حملة فيدرالية صارمة على رفع الأسعار وتقديم إعانات لمشتري المنازل لأول مرة والشركات الصغيرة.
وأشار الاستطلاع المشار إليه إلى أن بعض رسائل هاريس في هذا الصدد تلقى صدى، حيث قال 49 بالمئة من الناخبين إنها تمثل مصالح الطبقة المتوسطة بشكل أفضل، بينما قال 37 بالمئة إن ترامب يمثلهم بشكل أفضل. كما يعتقد الناخبون أن نائب الرئيس يمثل مصالح الشركات الصغيرة والعمال ذوي الياقات الزرقاء وأعضاء النقابات بشكل أفضل.
وقد اعتُبر ترامب – الذي تعهد بخفض معدل الضريبة على الشركات من 21 إلى 15 بالمئة – ممثلاً أفضل لمصالح الشركات الكبرى والأثرياء.
لكن الجمهوري جعل أيضاً من الحماية الجمركية محوراً أساسياً في خطابه الاقتصادي، حيث تعهد بفرض رسوم جمركية باهظة على كل شيء بدءاً من السيارات إلى المنتجات الاستهلاكية المصنعة في الخارج.
ويضيف: ترامب، كرجل أعمال محب للأسواق، يدعم بشكل عام قطاعات اقتصادية مختلفة مثل شركات النفط والبنوك، حتى مع فرض التعريفات الجمركية، نراه يدعم الشركات الأميركية، بما في ذلك قطاع الكهرباء، كما أن سياساته تؤكد على تخفيض الفوائد والإنفاق الحكومي الكبير، الذي يعزز الحركة الاقتصادية ويقوي الاقتصاد، رغم أنه قد يؤدي إلى زيادة التضخم، وهو ما يحاول الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مواجهته، ولا ننسى أن ترامب، من خلال سياساته الاقتصادية، يدعم الشركات بشكل مباشر عبر تخفيض الضرائب على الأرباح، حيث قام بتخفيضها بالفعل من 35 إلى 21 بالمئة، وهناك توجه لتخفيضها إلى 15 بالمئة.
تباين الاستطلاعات
ورغم نتائج استطلاع “فاينانشال تايمز” تشير استطلاعات رأي أخرى إلى أن دونالد ترامب فقد ميزته على كامالا هاريس فيما يتعلق بمن هو الأفضل تأهيلاً لإدارة الاقتصاد.. فمع إدلاء ملايين الناخبين بأصواتهم المبكرة في الانتخابات الرئاسية قبل يوم الانتخابات في 5 تشرين الثاني أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته وكالة (أسوشيتد برس) ومؤسسة نورك أن هاريس المرشحة الديمقراطية، حققت تقدمًاً طفيفًاً عندما يتعلق الأمر ببعض القضايا الاقتصادية الرئيسية التي تهم الناخبين من الطبقة المتوسطة.
وطرح الاستطلاع الأخير أسئلة أكثر تفصيلاً من الاستطلاع السابق، وخلص إلى أن 46 بالمئة يفضلون سياسات هاريس بشأن الضرائب على الطبقة المتوسطة، مقارنة بـ 35 بالمئة يفضلون ترامب. كما تتمتع نائبة الرئيس الأميركي بميزة طفيفة فيما يتعلق بتكلفة الإسكان، بينما ينقسم الناخبون بالتساوي حول أي منهما لديه سياسات أفضل بشأن أسعار البقالة والبنزين، وإيجاد فرص العمل أو معالجة البطالة.
وتأتي هذه الدفعة التي حصلت عليها هاريس حتى في الوقت الذي يعتقد فيه أغلبية الناخبين، 62 بالمئة، أن الاقتصاد في حالة سيئة، مقارنة بـ 38 بالمئة يقولون العكس. والتوقعات أكثر إيجابية مقارنة بتشرين الأول من العام الماضي، عندما قال ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة أشخاص إن الاقتصاد في حالة سيئة.