عشية أول مناظرة بينهما.. هاريس و«ضحكتها المُعدية» توسع دائرة الاطمئنان والأمان حولها.. وترامب يتحسس رأسه «لا أحد يريد عودته إلا الكيان الإسرائيلي»
تشرين- مها سلطان:
رغم مضي أسبوع عليها، لا تزال تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول دعم المرشحة الديقراطية كامالا هاريس، تلقي بظلالها علىالمشهد الانتخابي الأميركي.. وبينما صدّرتها وسائل الإعلام الروسية في قالب «تهكمي» إلا أن هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب وصلتهما المضامين المعنية من وراء التصريح، خصوصاً ترامب الذي طالما فاخر بعلاقته مع بوتين وأنه الأقدر على التعاطي مع روسيا وتسوية الحرب الأوكرانية «في 24 ساعة».
ربما كان تعليق ترامب أمس على تصريح بوتين يعطينا المعنى الدقيق لهذا التصريح والهدف من ورائه، حيث قال أمام تجمع حاشد لأنصاره في ويسكونسن: أعرف بوتين جيداً.. لقد أيد هاريس.. وأنا شعرت بالإهانة الشديدة من ذلك.. أعتقد أنه تم فعل ذلك ربما بابتسامة «في إشارة إلى إطار التهكم آنف الذكر».
تصريحات بوتين حول «دعم هاريس» ما زالت تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي الأميركي.. وترامب خائب جداً إلى «درجة الإهانة»
وأضاف بايدن: لا أعرف سبب دعم رئيس الدولة الروسية لهاريس، مستطرداً: بوتين لاعب شطرنج، ولأنه «لاعب شطرنج» في إشارة إلى مهارته وحسن تقديره وقراءته للمشهد الانتخابي الأميركي، فإن ترامب يؤكد من خلال هاتين الكلمتين أن بوتين أكثر من يجيد لعب أحجاره على الساحة الدولية، خصوصاً الأميركية، ولأن ترامب اعتقد أن «رصيده الجيد» مع بوتين سيكون ورقة انتخابية جيدة لديه على صعيد السياسات الخارجية، فإن ترامب بدا خائباً جداً لدرجة الشعور بالإهانة، فهو لا يستطيع التفاخر مرة أخرى بهذه العلاقة ولا بقدرته على «احتواء» روسيا لمصلحة التركيز على الصين.
وكان بوتين قال خلال كلمة ألقاها في الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك الروسية، الأسبوع الماضي: «روسيا ستدعم هاريس، كما أوصى الرئيس جو بايدن لناخبيه» وأشار إلى أن «هاريس لديها ضحكة معدية للغاية لافتة للنظر، ما يعني أنها في حالة جيدة».
- ترامب ليس بوضع جيد
الأسوأ بالنسبة لترامب أن التصريحات جاءت في توقيت حساس للغاية مع استعداده للمناظرة الرئاسية الأولى مع منافسته هاريس المقررة بعد غد الثلاثاء (وهي في الوقت نفسه الثانية بعد مناظرته مع الرئيس جو بايدن في حزيران الماضي، الذي أعلن انسحابه من السباق الرئاسي في تموز الماضي لمصلحة نائبته هاريس).
ورغم أن هاريس لم تعلق على تصريحات الرئيس بوتين، لكنها بلا شك ستعطيها زخماً أكبر بمواجهة ترامب الذي يبدو أن لا أحد بانتظار عودته سوى الكيان الإسرائيلي الذي دخلت حربه على غزة شهرها الـ12 اليوم، بحصيلة ضحايا مفتوحة من الشهداء والجرحى، بلغت حتى الآن حوالى 41 ألف شهيد، و100 ألف جريح، إلى جانب المعاناة الإنسانية الهائلة وعلى كل المستويات لأهل غزة.
لكن ما يخدم ترامب، ربما، أن وسائل الإعلام الأميركية تبدو منقسمة بصورة كبيرة بينه وبين منافسته هاريس، حتى إن عدداً من وسائل الإعلام الأميركية الأشهر لا تكاد تستقر على رأي واحد، فقد نجدها في أحد المقالات تهاجم هاريس، وفي مقال آخر تمدحها، والأمر نفسها بالنسبة لترامب.
فعلى سبيل المثال اعتبرت قناة «فوكس نيوز» أن هاريس منذ أن تم ترشيحها من الحزب الديمقراطي، لم تتخذ سوى 3 قرارات أساسية، وكانت جميعها كارثية إذ تمثلت بالآتي:
- اختيارها حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، بدلاً من جوش شابيرو، حاكم ولاية بنسلفانيا. علماً أن القائمين بحملة هاريس يخشون من السماح لوالز بإجراء المقابلات بسبب الأكاذيب العديدة التي قالها، وبسبب سجله الكارثي في الولاية.
ترامب وصف بوتين بأنه لاعب شطرنج في إشارة إلى مهارته ودقة قراءاته فهو أكثر من يجيد تحريك أحجاره على الساحة الدولية (والأميركية)
- رفضها نصيحة الديمقراطيين في الكونغرس، وإعلانها عن أجندة اقتصادية فاشلة الأسبوع الماضي ندد بها أصلاً كبار خبراء الاقتصاد وحتى أنصارها في الصحافة السائدة.
- اعترافها خلال خطابها الذي طرحت فيه الأجندة الاقتصادية بأن بايدن كان فاشلاً، وأن الأمريكيين ما زالوا يعانون من التضخم.
- مناظرة الثلاثاء
على خلفية ما سبق، وهو جزء فقط من المشهد، لكنه الجزء الأجدد.. على خلفية ما سبق تنعقد أولى المناظرات بين ترامب وهاريس بعد غد الثلاثاء، من دون أن تكون هناك توقعات يُعتد بها لمصلحة من ستنتهي، وكيف سيكون شكل الاستطلاعات بعدها والتي ما زالت هاريس تتقدم فيها؟
وفيما يرى البعض أن هاريس مناظرة بارعة، يرى البعض الآخر أن ترامب أظهر قوة وشدة في المناظرات الرئاسية لعامي 2016 و2020.
ومن المقرر أن تجري المناظرة في مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا، الساعة 9 مساءً بتوقيت نيويورك الشرقي (1 ليلاً بتوقيت غرينتش)، وستُبث المناظرة على قناة «إيه بي سي» الإخبارية، وشبكتي ديزني وهولو.
وتفرض خلال المناظرة حدوداً زمنية صارمة، إذ تمنح كل مرشح دقيقتين كحد أقصى للإجابة عن أسئلة المشرفين، وسيكون لديه دقيقتان لتفنيد حجج المنافس.. ويُكتم صوت ميكروفونات كل مرشح عندما يتحدث منافسه، كما لن يكون هناك جمهور في القاعة.. وكانت هاريس قد طلبت أن تظل الميكروفونات مشغلة طوال الوقت، لكنها وافقت بعد ذلك على قاعدة كتم الصوت عند تحدث المنافس.
وبدأ العمل بهذه القاعدة قبل 4 سنوات بعد أن شابت المناظرة الأولى بين ترامب وبايدن مقاطعات ومشاجرات، ويدير المناظرة اثنان من المشرفين هما دايفيد موير ولينسي ديفيس، وكلاهما يقدم برامج إخبارية على شبكة إيه بي سي الإخبارية.
- بين هاريس وبايدن
شاركت هاريس في المناظرات الانتخابية منذ عام 2003 عندما فازت بالسباق لتتولى منصب المدعي العام لمنطقة سان فرانسيسكو، كما شاركت في المناظرات خلال حملاتها الانتخابية الناجحة لانتخابها نائبة عامة لولاية كاليفورنيا وعضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية كاليفورنيا.
رغم تقدم هاريس في الاستطلاعات الوطنية إلا أن ذلك ليس كافياً إذا ما أخذنا بالاعتبار أنها تتعادل مع ترامب في الاستطلاعات على مستوى الولايات الفردية
وناظرت بايدن في الـ 2019 عندما كانت تنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، كما واجهت مايك بنس في مناظرة نائب الرئيس 2020.
وأظهرت هاريس قدرة على السيطرة على المسرح، ففي مناظرة 2020 مع بنس وبّخته لمقاطعته لها قائلة: «سيدي نائب الرئيس، أنا أتحدث».
واكتسبت هاريس الكثير من الخبرة في المناظرات في مجلس الشيوخ، وقبل ذلك كمدعية عامة في محاكم كاليفورنيا، حيث تتمثل المهارة الأساسية في تسليط الضوء على نقاط ضعف الخصم، وقد يفيدها ذلك عند تفنيد النقاط التي يطرحها ترامب أثناء المناظرة.
رغم ذلك، فشلت هاريس في أن تكون المرشحة الرئاسية الديمقراطية لعام 2020، وانسحبت قبل المنافسة الأولى في ولاية أيوا، وكان من أهم الانتقادات التي وُجهت إليها أنه ليست لديها مواقف سياسية ثابتة.
وتعد مناظرتها ضد ترامب التحدي الأكبر الذي يتعين على هاريس مواجهته منذ دخولها السباق الرئاسي. وسبق لترامب أن شارك في سلسلتين من المناظرات الرئاسية، في عامي 2016 و2020، وأثبت أنه خصم يقاتل بشراسة وغير تقليدي.
وأثناء مناظرات 2016 ضد هيلاري كلينتون، كان يسير على خشبة المسرح ويقف خلفها مباشرة أثناء حديثها، الأمر الذي قالت عنه إنه «جعل جسدها يرتعد».
وفي أول مناظرة رئاسية عام 2020، كان ترامب يقاطع بايدن باستمرار، ما دفعه إلى أن يقول وهو منزعج: «هل صمتَّ يا رجل؟».
وعلى الأرجح، كانت هذه التكتيكات هي السبب وراء تعطيل خصوم ترامب وتسليط الضوء عليه طوال الوقت أثناء المناظرات.
ومع ذلك، غالباً ما كان ترامب ينحرف عن الموضوع أثناء المناقشات ويؤكد الكثير من الأمور التي تبين أنها غير صحيحة من مدققي الحقائق.
- استطلاعات الرأي
بالعموم ما زالت استطلاعات الرأي تخدم هاريس حتى الآن، ولكن ما زال هذا غير كاف، قد يتغير المسار برمته بعد مناظرة الثلاثاء، هذا عدا أن استطلاعات الرأي داخل الولايات أهم من استطلاعات الرأي على المستوى الوطني التي تتقدم فيها هاريس، وذلك لأن نتائج الانتخابات في الولايات الفردية تحدد عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح في المجمع الانتخابي، الذي يقرر من يصبح رئيساً.
وحسب منظمة «ريال كلير بوليتيكس»، وهي منظمة للتحليل السياسي تحسب متوسط استطلاعات الرأي الوطنية، فإن هاريس أصبحت أكثر شعبية من ترامب منذ أن أصبحت مرشحة الحزب الديمقراطي. وقالت إنها تتقدم عليه بفارق 1.9 نقطة على المستوى الوطني. ومع ذلك كانت هيلاري كلينتون تتقدم بخمس نقاط في استطلاعات الرأي الوطنية في الفترة نفسها من عام 2016، وخسرت الانتخابات أمام ترامب.
وهناك عدد قليل من الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وجورجيا وميتشيغان وشمال كارولينا وبنسلفانيا والتي تعد حاسمة بالنسبة للمرشحين للفوز. وفي كل هذه الولايات هناك تقارب شديد بين ترامب وهاريس.
ويحتاج المرشح إلى 270 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي للفوز بالرئاسة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الديمقراطيين قد يحصلون على 226 صوتاً في المجمع الانتخابي، بينما يمكن أن يحصل الجمهوريون على 219 صوتاً مع عدم حسم 93 صوتاً هي المتبقية في المجمع.. وهذه الأصوات الـ93 ستكون الرهان الذهبي، ولكن حتى الآن لا يستطيع المحللون والمتابعون أن يحددوا فعلياً من سيحصل عليها، ترامب أم هاريس؟