خطة زراعية لكسر إخفاق الواقع الصعب.. هل نبني قصوراً في الرمال؟!.. محصول القمح .. غاب الاستقرار وخلل واضح بالمساحات المزروعة والسؤال المتروك ماذا عن الكميات المنتجة والمسلمة ؟
تشرين- رشا عيسى:
ينتظر أن تحقق الخطة الزراعية للموسم الزاعي 2024 – 2025 انفراجاً يكسر حالة الإخفاق التي تصيب الإنتاج الزرعي وتحديداً بالنسبة للمحاصيل الإستراتيجية وعلى رأسها القمح، حيث تضمنت الخطة التي تمّت مناقشتها حديثاً زراعة 503152 هكتارَ قمحٍ في المناطق الآمنة منها 244892 هكتارَ مرويٍّ و 258260 هكتارَ بعلٍ، و539626 هكتارَ شعيرٍ، إضافة إلى دعوة قوية للقطاع الخاص ليكون شريكاً فاعلاً في العملية الزراعية،خاصة أن رؤية وزارة الزراعة وفقًا لما أعلن في الخطة زيادة الاستثمار الزراعي، والبحث عن وسائل تحفيزية للاستفادة من كل قطعة أرض بأعلى كفاءة ممكنة والحصول على أعلى ريعية منها.
تكافل جميع الأطراف والجهات المعنية أساسي لإنجاح الزراعة، وتحقيق إنتاج جيد يمكن أن يلبي لو بالحد الأدنى حاجة المجتمع المحلي، وهذا الذي نأمل حصوله من عام لآخر
المطلوب الإنجاز
الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش بين لـ( تشرين)
أنّ وضع ورسم الخطط الزراعية السنوية للمحاصيل الإستراتيجية ومنها القمح أو حتى المحاصيل الصناعية يتطلب إنجازاً وفقاً للتقييم الذي يجرى لمخرجات الخطط السابقة وما تحقق من نجاحات في التنفيذ، وبما يمكن من معالجة مكامن الخلل الحاصل لتلافي الآثار والنتائج السلبية في أي خطة زراعية لاحقة، و هذا لم نلحظه خلال معظم السنوات السابقة فيما يتعلق بزراعة محصول القمح وإنتاجه الذي تدهور عاماً بعد عام.
مؤشرات نظرية
وأوضح درويش أن المساحات المخطط زراعتها بمحصول القمح في المناطق الآمنة للعام الزراعي القادم 2024- 2025 والمعلنة بحوالي 503152 هكتاراً والتي حوالي نصفها مروي 244892 هكتاراً والبعل 258260 هكتاراً، ولمحصول الشعير حوالي 539626 هكتاراً، تبقى مؤشرات ومنطلقات نظرية يتطلب تنفيذها عملاً جدياً، وتكافل جميع الأطراف والجهات المعنية لإنجاح الزراعة، وتحقيق إنتاج جيد يمكن أن يلبي لو بالحد الأدنى حاجة المجتمع المحلي، وهذا الذي نأمل حصوله من عام لآخر.
حصر الإمكانات
ورأى درويش أنه عند القيام بالتخطيط الزراعي، ليس المطلوب فقط إدراج بيانات وقيم، ووضع أهداف قد يكون تحقيقها صعب المنال بالنظر لظروف الواقع الراهن، بل لابدّ من حصر وتحديد ماهو متوفر من إمكانات ومعطيات متاحة على الأرض، ورسم الخطط بما يتوافق معها، كما لابد أن تقوم الجهات الزراعية المعنية المشرفة على التنفيذ بإجراء تقييمات شهرية وضرورة الإعلان عن المساحات المزروعة ونسبة الإنجاز ولاسيما في الأشهر الأولى من الزراعة بالنسبة لمحصول القمح بالدرجة الأولى والشعير ثانياً، وهذا يمكن أن يبين الواقع الحقيقي للزراعة، ويوضح فيما إذا كان هناك خلل ما يمكن أن يكون عائداً للعامل البشري من حيث سوء في إدارة وتنظيم الإنتاج، أم لظرف ما اقتصادي قاهر سبب ضعف في تأمين مستلزمات الزراعة، أو حتى ظروف مناخية غير ملائمة.
رؤية وزارة الزراعة وفقًا لخطتها زيادة الاستثمار الزراعي، والبحث عن وسائل تحفيزية للاستفادة من كل قطعة أرض بأعلى كفاءة ممكنة والحصول على أعلى ريعية منها
وبالنسبة لمحاصيل الحبية ومنها القمح ليس من الصعب كثيراً التنبؤ بكميات الإنتاج المتوقعة حتى لو في الحد الأدنى، إلّا في حالات الكوراث الطبيعية وبشكل خاص المناخية منها والتي تكون محدودة في كثير من الأحيان ببعض مناطق الزراعة، حيث يمكن لو بحساب بسيط، وبالنظر للمساحات المراد زراعتها والمعلنة وتحت ظروف بيئية مناخية مناسبة لحد ما، وعلى اعتبار أنّ وسطي إنتاج الدونم من القمح البعل والمروي يتراوح بين 200-300 كغ/دونم، فإن الغلة الحبية المأمولة يمكن أن تتراوح من 1- 1.5 مليون طن، وبالنسبة للشعير من 0.8- 1.1 مليون طن باعتبار أن وسطي الإنتاجية يصل لحوالي 150- 200 كغ/دونم، هذا الذي لم نلحظه خلال السنوات التي خلت، حيث كانت كميات الإنتاج المسوقة للمؤسسة تتراوح بين 600 إلى 800 ألف طن وفقًا لدرويش.
قاعدة دعم
وبالنسبة لإشراك القطاع الخاص في عجلة إنتاج هذه المحاصيل عبر المساهمة في تنفيذ استثمارات ضرورية لتنفيذ هذه الخطط، أوضح درويش أنّ هذا الأمر يتطلب معايير ناظمة تحدد دور هذا القطاع، ونسبة مساهمته وآلية التدخل.
والتساؤل المطروح، هل مزراعو القمح بحاجة لتوفير الدعم اللازم من قبل القطاع العام أم الخاص؟يجيب درويش: إنه وليبقى هذا المحصول الأساس في توفير الأمن الغذائي ولقمة العيش في ظل وضع اقتصادي معقد وصعب يمر به البلد، لابدّ أن تتوفر له قاعدة دعم تؤمن من جهة استمرار زراعته، ومن جهة أخرى ريعية مناسبة تتوافق وسياسة الدعم الحكومي لمنتجات هذه المحاصيل، حيث إن آلية وكيفية هذا الدعم قد تحتاج إلى قرارات جريئة، بمعنى أن يحظى هذا المحصول وباستمرار على الدعم الحكومي اللازم والذي يؤمن ولو في الحد الأدنى جزءاً من مستلزمات الإنتاج، وبذلك لا تزال جهات القطاع العام هي التي تشرف على عمليات الإنتاج والتسويق والتصنيع هذا وبالتعاون مع عدد من الجهات المعنية ذات الصلة.
تحديد الآلية الناظمة
و رأى درويش أن مساهمة القطاع الخاص يمكن أن تشكل عبئاً إضافياً على إنتاج هذا المحصول، ولاسيما أن حالة محصول القمح في الوقت الراهن غير مستقرة، ويعاني إنتاجه من خلل واضح سواء في المساحات المزروعة أم الكميات المنتجة والمسلمة، بمعنى آخر؛ فإنه لابدّ من تحديد الآلية الناظمة لكيفية إشراك القطاع الخاص في زراعة محصول القمح وإنتاجه وربما تصنيعه، فمن الممكن أن يدخل القطاع الخاص كمصدر لتأمين مستلزمات الإنتاج ربما بتوفير التمويل اللازم، أو من الممكن أن يكون للقطاع الخاص دوراً في التعاقد مع المزارعين وتشجيعهم على زراعة المحصول، وزيادة المساحات اللازمة ورفع الكفاءة الإنتاجية لوحدة المساحة، هذا الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به جهات القطاع العام وجميع الأطراف المعنية.
درويش : ليس المطلوب فقط إدراج بيانات وقيم، ووضع أهداف قد يكون تحقيقها صعب المنال بالنظر لظروف الواقع الراهن، بل لابدّ من حصر وتحديد ماهو متوفر من إمكانات ومعطيات متاحة على الأرض
توفير المتطلبات المائية
لابّد من الإشارة إلى أنّ توفير المتطلبات المائية لهذه المحاصيل الحبية أو حتى زيادة رقعة المساحات المروية، يعد عاملاً هاماً في إنجاح الزراعة، فالقمح والشعير من المحاصيل الشتوية وهي متوسطة الاحتياج المائي ( معامل نتح القمح حوالي 500 والشعير 400 )، وبذلك فإن التوسع في تنفيذ مشاريع الري يمكن أن يجسد عامل أمان في ظل تغيرات مناخية قاسية زادت من حدة الجفاف سواء الأرضي منه أم الهوائي (السعفات الحرارية)، وبما يسهم في تحقيق إنتاج أكثر استقراراً من القمح والشعير، فلا بدّ أن يبقى القمح في أولويات العمل الزراعي، لكونه دعامة الأمن الغذائي المحلي، ولا يمكن الاستغناء أو الاستعاضة عنه ببديل، فهذا المحصول نشأ في بلادنا، وكثيرة هي الجهود التي بذلت سابقاً، واستطاعت تحقيق نتائج إيجابية ملموسة وخلال مراحل مختلفة، لكن هذا التدهور الخطي الأخير الحاصل في الإنتاج نأمل أن يكون لفترة زمنية قصيرة وعابرة يمكن تجاوزها وألّا تودي بزراعته ككل.
وختم درويش بالقول: ليس في الحسبان تخيل صورة سوداوية لواقع زراعة محاصيلنا الإستراتيجية ومنها القمح، لكن المعطيات المسجلة من عام لآخر تفضي لنتائج أكثر تشاؤماً بالرغم من السعي الدائم لتحسين وتطوير واقع زراعة هذا المحصول وغيره من المحاصيل الإستراتيجية.