في ندوةٍ ناقشت “سبر الأغوار”… صقور: النقد فعلٌ إبداعيٌّ لا شأن له بالتوثيق

تشرين- لبنى شاكر:
يُحسب للباحث والفنان الفينيق حسين صقور، إصراره على جمع جزءٍ من نتاجه في النقد التشكيلي في كتابٍ صدر قبل أشهر تحت عنوان “سبر الأغوار/ قراءة حسية جماليّة ونقديّة في التشكيل السوري” عن الهيئة العامة السورية للكتاب، مُتضمناً نصوصاً نقدية لفنانين سوريين من جيلي الرواد والمعاصرين؛ كونه يُتيح للمُهتمين الاطلاع على الطريقة التي يتعاطى فيها الكاتب مع المُنجز الفني، كواحدٍ من الفاعلين في المشهد التشكيلي، مُمارسةً ومُتابعةً، في وقتٍ تفقد فيه الكثير من الكتابة التشكيلية قيمتها، بسبب غياب الصحافة الورقية من جهة، والفوضى التي تحكم عوالم النشر الالكتروني من جهة ثانية، حيث تختلط الأحكام بالمواقف الشخصية، كما لا تتعدى الكتابة أيّاً كان اسمها في أحيانٍ كثيرة، الوصف الظاهري والكلمات المُعادة القابلة للإسقاط على جميع التجارب، بما ينفي عنها صفة النقد كليّاً.

الكتاب تحصيلٌ لنتاج صقور السابق في النقد التشكيلي، ومختاراتٌ ممّا يتكدس في أدراجه من نصوصٍ عن بعض الفنانين الرواد

معيار النجاح
وعلى ما يبدو، فقد حقق الكتاب ما يطمح إليه المُؤلِفون عادةً، إذا ما قلنا إن معيار نجاح أي مطبوعة، قدرتها على إثارة الجدل والتساؤلات، تماماً كما حصل في الندوة النقدية التي أقامها اتحاد الفنانين التشكيليين في صالة الشعب مؤخراً لتوقيع “سبر الأغوار” والحديث عنه بمشاركة الإعلامية إلهام سلطان والناقد أديب مخزوم، إلى جانب معرضٍ للوحات الفنانين الذين تحدث عنهم صقور، ومن جُملة ما تناوله الحضور مثلاً اعتراضٌ على تفاوت الأجيال الفنية الواردة في الكتاب، والذي امتد أيضاً إلى مكانة أسماءٍ بعينها واستحقاق الكتابة عنها، في حين ذهبت سلطان، إلى ضرورة الكتابة عن الكبار في التشكيل السوري باستمرار، والغوص في مُنجزهم التشكيلي والبصمة التي تركوها، فهؤلاء على حد تعبيرها ذاكرة وطن، تحمل هوية وفكراً نُقارع بهما العالم، ووجدت فيما قدّمه صقور توثيقاً لرموزٍ إبداعيةٍ سوريّة.
.
غائبون كُثر
أما مخزوم فأشار إلى وجود أسماء في الكتاب على درجة من الأهمية، من بينها كبار رواد الحداثة فاتح المدرس، ونذير نبعة، والياس زيات، لكن مع ذلك فالغائبون عنه كثر، وبعضهم رموزٌ معروفةٌ أمثال “أدهم ونعيم إسماعيل، لؤي كيالي، أسعد عرابي، أحمد معلا، ميشيل كرشة، نصير شورى”، ما دفعه للاعتراض على عنوان الكتاب، يقول: “التشكيل السوري غنيٌّ جداً حتى إننا نكتشف يومياً أسماء جديدة، أي لا يمكن لكتابٍ موسوعيٍّ أن يضمها، فكيف بكتابٍ من مئتي صفحة، لذلك تمنيت لو كان العنوان مثلاً مختارات من التشكيل السوري، عدا عن أن الأسماء متتالية في الكتاب، دون تصنيفٍ واضح لكيفية ترتيبها، مع غياب معلوماتٍ رئيسية لبعض الشخصيات المذكورة، الأمر الذي سيُسبب إشكالية لطلاب الدراسات العليا مثلاً في حال استعانوا بالكتاب كمرجع”.

يجب أن يمتلك الناقد ناصية اللغة إضافةً لثقافته العامة في كل المجالات الخادمة

نتاجٌ سابق
صقور بدوره أجاب على التساؤلات، مُؤكداً بداية أن كتابه لا يُعنى بالتوثيق لأية مرحلةٍ تشكيليةٍ سوريةٍ، بالتالي لا يُمكن مُطالبته بالكتابة عن أسماء أو مراحل مُحددة، وأضاف أيضاً: “الكتاب تحصيلٌ لنتاجي السابق في النقد التشكيلي، ومختاراتٌ ممّا يتكدس في أدراجي من نصوصٍ عن بعض الفنانين الرواد، على أن يليه كتابٌ ثانٍ أستكمل فيه من لم يرد ذكره من الفنانين في الكتاب الأول، إضافةً إلى عددٍ من الرواد أيضاً لإظهار الترابط الفني كسلسلة، غير أن ترتيب الأسماء يرتبط باعتباراتٍ متداخلةٍ أهمها العمر ثم مستوى الحضور محلياً وعالمياً، وهنا تكمن قيمة هذا التسلسل، وبالنسبة للمعلومات الرئيسة للشخصيات المذكورة فقد أُدرجت مستقلة ضمن الباب الأخير، كي لا تشوش القارئ أو تؤثر على سلاسة النص والقيم الفنية والجمالية المتعلقة بمتعة القراءة”.

مُسوغات الكتاب
اختيار الرواد والأجيال القريبة منهم للكتابة، يعود إلى ما يعتري الكاتب عادةً من مخاوف في إصداره الأول، على حد تعبير صقور، بمعنى “أن جهده ينصب على كيفية إيجاد التسويغ لِكتابه، للعبور والظهور، ويُفترض أن مهمته تصير أسهل فيما بعد، ومن تلك المسوغات مثلاً أن يجمع الكتاب الفنانين تبعاً للجيل أو المواضيع المعالَجة أو قد تكون التشابهات ومقدار التأثّر والتأثير وتبيان تطور الاتجاهات الفنية مسوغاً لصدور كتاب يضم أجيالاً متباعدة فرضاً”.

ورغم أن لكتابه مُسوغات حضوره عبر نقاط كثيرة منها قدرته على الاختلاف في أسلوب التعاطي مع اللوحة والفنان، وخصوصية السرد اللغوي فيه، إلا أن المخاوف مما قد يُحدثه خلط الأجيال من أثرٍ وانعكاساتٍ كانت أكبر، لذلك آثر كما يشرح لـ “تشرين” “نشر مواضيعه في كتابين مُترابطين أو أكثر، وقد يُعاد نشرها ضمن موسوعةٍ لها مُسوغاتها مستقبلاً”، مشيراً إلى إن “ظلماً يلحق دائماً بالأجيال الجديدة من الفنانين، فمع ما يقدمونه من إبداعات، إلا أن مهمتهم في إثبات ذاتهم على الساحة التشكيلية تُصبح أكثر صعوبة، في ظل ازدحام الساحة بالفنانين وفي ظل الظروف الصعبة الراهنة التي يمر فيها الوطن”.

يُتيح الكتاب للمُهتمين الاطلاع على الطريقة التي يتعاطى فيها الكاتب مع المُنجز الفني كواحدٍ من الفاعلين في المشهد التشكيلي

الناقد الفنان
ويرى صقور أن للناقد التشكيلي المؤهل صفات، فهو “فنانٌ ومجربٌ من الطراز الأول وهو يمتلك قلباً طيباً ومحباً يمنحه القدرة على التعامل مع محيطه بعين ثاقبة قادرة على التحليل والتأويل، والكشف عما هو أبعد من الظاهر المرئي”، مضيفاً أيضاً: “يجب أن يمتلك الناقد ناصية اللغة إضافة لثقافته العامة في كل المجالات الخادمة، فهو صلة الوصل بين الفنان واللوحة والمتلقي، وهو الجسر، وحين يكون الجسر فريداً ستكون فرصة العبور من خلاله أكبر وأكثر متعة”، لذا يجب علينا أن نفرق بين العمل التوثيقي والنقدي، يقول صقور عن الأول “هو مهمة تنتمي للعمل الصحفي تُعنى بتسجيل معلومات جاهزة مسبقاً كالسيرة الذاتية للفنان والنشاطات والمعارض والملتقيات التي شارك بها والجوائز التي حصل عليها، وكل ما يمكن أن يقدمه الصحفي اعتماداً على حوارات يجريها مع الفنانين”، أما العمل النقدي الجاد “فهو فعلٌ إبداعيٌّ يُولد مع الناقد بالفطرة، وتصقله المتابعة والتجربة الحياتية، ليتبلور أسلوبه الخاص والمنتمي لتركيبته الشخصية”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار