البدء في دمج المؤسسات العامة.. اعتماد العناقيد الصناعية مع خطة تعديل وأتمتة سير العمل الحكومي

تشرين – حيدرة سلامي:

صدر القانون رقم (22) لعام 2024، القاضي بإحداث “الشركة العامة للصناعات الغذائية” لتحل محل كل من المؤسسة العامة للصناعات الغذائية المحدثة عام 1975 والمؤسسة العامة للسكر، والشركات التابعة لهما، وبذلك تدخل منظومة العمل السوري اليوم، منحى الأتمتة والتحول باتجاه الضبط الذكي لسير العمل، وتبسيط العمل الإداري.
في قراءة نصوص المرسوم يمكننا أن نستخلص تحويل الهيكل الإداري في المؤسستين، إلى ما يماثل الهرم الإداري في الشركات التجارية، ما يعتبر تغييراً في خطة سير العمل القائمة.
وتعتبر هذه الخطوة أحد أهم الإجراءات المرتقبة من الجانب الحكومي منذ عدة سنوات، إذ إنها تنهي الشكل البسيط لعمل المؤسسات الحكومية، والذي استمر لعقود عدة، وتدخل ليس فقط في العمل ضمن عقلية الخاص خلال العمل الحكومي، بل وأيضاً تضفي تعديلات، في دمج هذه المؤسسات ضمن كيانات إدارية جديدة، تتميز بالشكل المدمج للشركات التجارية، مع الخصائص الإدارية للمؤسسات الحكومية.

تحويل الهيكل الإداري في المؤسسات العامة إلى ما يماثل الهرم الإداري في الشركات التجارية يعتبر تغييراً في خطة سير العمل القائمة

الأمر الذي يمكن أن نطلق عليه قانوناً اندماج الشركات، وبناء عليه يتم تخفيض عدد المؤسسات الحكومية، بينما تتوسع خصائص الوحدات الإدارية القادمة، ويتم بذلك إعادة هيكلة البنية الإدارية للقطاع الصناعي والزراعي.
ويعرف الاندماج قانوناً بأنه دمج شركتين أو أكثر في كيان جديد، يضم أصول والتزامات الشركات السابقة مجتمعة.
وعلى هذا الشكل القانوني الجديد، يمكننا – وإن كان من السابق جداً لأوانه – القول بأن إحداث هذه المؤسسات الحكومية المدمجة، سينطوي على إحداث تغيير جذري في سير العمل الحكومي، وهو بلا شك أحد الأساليب المطلوبة في تنفيذ خطة الأتمتة الحكومية، أو تقنين العمل الإداري بحيث يصبح أقل تكلفة، أبسط إجراءً وأكثر سرعة في الإنتاج.
وذلك لتقليل عبء الإنفاق على المؤسسات اللامركزية المتشعبة، ودمجها في شكل المؤسسة المركزية التي تضم عدداً أقل من المراكز، وفعالية أعلى في تأمين الخدمات، وتيسير العمل الحكومي.
حيث تتوقف الدوائر المتشابهة في الوظائف الإدارية، أو كما يمكننا أن نطلق عليها، الدوائر المتوازية شكلاً، من القيام بتحميل القطاع الحكومي عبء تكرار المهام والوظائف الملقاة على عاتقها، والذي يمكن أن يقلص من العشرات من الدوائر والمؤسسات الموازية بالاختصاص.

إدخال نظم العناقيد الصناعية
تم تعريف العناقيد الصناعية من قبل العديد من المنظمات والمؤسسات والباحثين فى أنحاء العالم، على أنها تجمعات جغرافية (محلية أو إقليمية أو عالمية)، لمجموعة مترابطة من المؤسسات أو الشركات في مجال معين  والمرتبطة ببعضها بعضاً)، من خلال المنتجين والموردين، أو غيرهم من المديرين والموظفين، وذلك لتحقيق الدعم التنافسي بين هذه الشركات العنقودية.
کما يضاف إلى تعريف العناقيد الصناعية أيضاً، المنشآت والجهات التي تجمع المنشآت القائمة على نفس العوامل التقنية، کاستخدام نفس التکنولوجيا.

تتوقف الدوائر المتوازية شكلاً عن القيام بتحميل القطاع الحكومي عبء تكرار المهام والوظائف الملقاة على عاتقها

ويعتبر هذا الشكل من التنسيق الحكومي، الأساس القادم الذي تقوم عليه استراتيجية سلاسل القيمة، وهي السلاسل التي تهدف إلى تقنين العمل الحكومي، و تعديل النفقات العامة، لتصل إلى حد المثالية من ناحية تقديم الخدمة للمواطنين على خطوط الإنتاج، دون تحميل الطرف الحكومي أعباء العمل الإداري الرتيب، على حساب متطلبات السوق.
وتعرف سلسلة القيمة بأن الطريق أو السلسلة التي تؤديها المؤسسات عندما تقوم بإنتاج سلعة معينة أو توفير خدمة، فتقوم هذه الشركات لاحقاً بحساب كل الخطوات أو السلاسل على مسار طريق خط إنتاجها، حتى تضيف قيمة إلى منتجاتها في كل مرحلة.
وهنا تبدأ المرحلة الأولى من ضبط خطوط الإنتاج الوطنية، من الشركة المؤسسة، وحتى المستهلك، مثال لما يمكننا أن نطلق عليه كما في البلدان المتقدمة استراتيجية من المزرعة إلى الشوكة، في مجال الزراعة.

إيجابيات الدمج الحكومي
تأتي إيجابيات قرار دمج المؤسسات الحكومية، من ضرورة تأمين مستلزمات السوق الوطنية المحلية، لاسيما في ظل منافسة غير مضبوطة بين التجار الكبار، وأداء غير مستقر من قبل المؤسسات الحكومية، التي تتعرض في كثير من الأحيان إلى المنافسة التجارية، غير المتكافئة، فتضطر أيضاً للخضوع إلى ما تمليه عليها متطلبات السوق الوطنية المتقلبة، فتخسر بذلك دورها الأساسي بكونها داعماً للاقتصاد الوطني، وسوقاً بسيطة للأفراد من ذوي الدخل المتوسط.

ولذلك يأتي قرار الدمج الحكومي والتحويل للنمط الخاص، بآلية أكثر مرونة واستجابة للوقت الحالي.
مزايا الدمج
تعرف استراتيجية دمج الشركات بأنها أحد أقدم أشكال التعاون التجاري، حيث كان يلجأ التجار إليها عادة في الحد من المنافسة غير الضرورية بين بعضهم بعضاً، أو كان يلجأ إليها التجار الصغار في الدخول إلى المنافسات الضخمة.
فحينما كان يتم اجتماع الشركاء الكبار في السوق، على احتكار سلعة معينة تفادياً للتنافس الضخم، ما يوفر على الشركاء الجدد، الدخول في مضاربات سوقية ضد بعضهم بعضاً، وفي حال التجار الصغار، يعتبر السير في هذا الأسلوب أحد أكثر الطرق ثباتاً، في مواجهة تقلبات السوق غير المستقرة، لاسيما في الاقتصاد الذي يعاني من التضخم، حيث يعتبر شكل الشركة المدمجة، الأكثر قدرة على تحمل أعباء الضرائب وتقلبات سعر الصرف، إذ تتوزع الخسائر على الشركاء بنسب متساوية، دون أن يتحملها شريك واحد، هذا غير أن الخسائر الناتجة عن المخاطر التجارية  تتحملها الشركة المدمجة كمؤسسة واحدة، لا مؤسستان، وذلك من ناحية الضرائب والتكاليف والرسوم، كما سيعطي القدرة لهذا الشكل من المؤسسات على احتواء خسائر تقلبات السوق غير المستقر، بشكل أكثر مرونة من شكلها السابق، ما سيقلص الأعباء الواقعة على الحكومة من ناحية تأمين خطوط الإنتاج نحو المستهلكين.

العمل بعقلية الشركات الخاصة
تعطي ملامح المرسوم التشريعي، وجهة الاتجاه الحكومي القادم والقائم على تحويل نمط الإدارة الحديث لشركات ومؤسسات القطاع العام، نحو الخصخصة الجزئية لوسائل الإنتاج، حيث إن قرار تحويل المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، هو قرار تنسحب مفاعيله القانونية على تعديل وظائفها، إلى  وظائف ومهام الشركات التجارية في القطاع الخاص، حيث باتت المؤسسة  تخضع لقواعد السوق من حيث العرض والطلب.

يعتبر السير في هذا الأسلوب أحد أكثر الطرق ثباتاً في مواجهة تقلبات السوق غير المستقرة لاسيما في ظروف التضخم

و لكن لعل أحد أبرز التعديلات القائمة في هذا المرسوم التشريعي، على مهام المؤسسة العامة كانت، منح الشركة العامة للصناعات الغذائية حق التعاقد الإداري مع جهات القطاع الخاص.
حيث تتعهد الدولة للجهات الخاصة والشركات بالتنافسية في إدارة كل أو بعض المشاريع العامة، وفقاً لقواعد العمل في السوق، الأمر الذي يعتبر تعديلاً أكثر مرونة على سير العمل الحكومي.
وفي النهاية، يبدو من الواضح على الساحة الوطنية تحول الهيكل الإداري لكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى أشكال كثيرة من الشركات الحديثة، وتبقى الأدوات موجودة، فإن كانت هذه السياسة اقتصادية، قادرة على تحقيق الإصلاح المالي للسوق الوطنية، وإن كان الدمج قادراً على حمل عبء التجارة الداخلية على التجار الصغار وعلى المؤسسات البسيطة، فإن الأداء الإداري والتنظيمي لهذه الشركات والمؤسسات المحدثة،  سيبقى عامل التغيير فيه الأكثر تأثيراً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار