غزة ولبنان بين نقطتي غليان وتبريد.. الميدان يوسّع تفلته ويتخذ مساراً فوضوياً أشد خطراً.. بيرنز وماكغورك عالقان في ضمانات بايدن «اللفظية» بلا احتمالات نجاح
تشرين – مها سلطان:
بين «نقطة الغليان» التي وصلت أقصاها في جبهة الشمال «جنوب لبنان»، وفق تعبير الإعلام الإسرائيلي.. و«نقطة الصفر» التي يقبع عندها مسار التفاوض حول وقف إطلاق النار في غزة، ما زالت السيناريوهات تتأرجح من دون غلبة لأحدها، ورغم أن الجولة الأميركية الجديدة «لناحية الموفدين» في المنطقة تحظى بكثافة التغطية والتحليل إلا أن جبهة الشمال تستحوذ على كل التركيز، خصوصاً مع التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، وعمليات القصف المتبادلة وتوسعها جغرافياً على الجانبين، مضافة إليها التحذيرات الدولية من أن جبهة الشمال تغلي باتجاه حرب محتملة، حتى إن بريطانيا حددت موعداً لها منتصف حزيران الجاري.
جبهة الشمال
مع ذلك، فإن معظم الاعتقادات تميل باتجاه اللاحرب، وذلك بناء على أن الحرب شمالاً هي آخر ما تريده إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي على مشارف انتخابات رئاسية مصيرية بالنسبة لبايدن وحزبه الديمقراطي.. وعليه فمن المتوقع في الأيام المقبلة أن ترمي إدارة بايدن بثقل مضاعف باتجاه المفاوضات «التي استؤنفت في العاصمة القطرية الدوحة» وباتجاه لبنان..
رغم أن الجولة الأميركية الجديدة في المنطقة تحظى بكثافة التغطية والتحليل إلا أن جبهة الشمال تستحوذ على كل التركيز خصوصاً مع تواصل عمليات القصف المتبادل وتوسعها جغرافياً
علماً أن التركيز الأميركي يبدو أكبر بأضعاف على لبنان، لكن من دون ضجة إعلامية، كما هي الحال في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهناك من يتحدث عن أن جولة الموفدين الأميركيين الجديدة في المنطقة تركز على لبنان بالدرجة الأولى «بالتوازي مع رفح ومعبرها» أكثر من مفاوضات الدوحةمفاوضات الدوحة، بل إن مفاوضات الدوحة في حد ذاتها تتضمن مساراً لبنانياً «أي جبهة الشمال» لناحية أن تبريد جبهة مفاوضات وقف النار سيسمح بتحويل الزخم والتركيز على جبهة الشمال وبما يمنع اتساع التصعيد المتبادل نحو الحرب، وسيسمح أيضاً بتكثيف الضغوط على لبنان «في جانبه الرسمي» عبر توسيع رسائل التهديد، بشقيها اللفظي والميداني، وهو ما بدأه متزعمو الكيان الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، تمهيداً لهذه الضغوط.. لكن الخطر هنا هو ما يقوله الكيان بصورة دائمة حيال مسألة أن جبهة الشمال هي خارج أي اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما يعني أن التصعيد سيستمر، وأن احتمالات الحرب مفتوحة، لكن ستكون محصورة، مرة أخرى، بين لبنان والكيان، مع مستوى هائل من المخاوف باعتبار أن هذه الحرب ستكون مختلفة عن كل ما سبقها بالنظر إلى التطور الكبير والنوعي بقوة المقاومة اللبنانية/ حزب الله، وهو تطور منظور وملموس بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فهل يجرؤ أو يغامر بحرب يعرف أنها ستكون مصيرية بالنسبة له، أم إن هذه المصيرية باتت مرتبطة فعلياً بهذه الحرب وبالتالي فإن الكيان بات مجبراً عليها؟
لننتظر أسبوعين
لننتظر لأسبوعين مقبلين، هذا ما يقوله المحللون الذين يعتمدون في قراءاتهم على أن الميدان يوسّع تفلته من كل قواعد الانضباط والضبط متخذاً مساراً فوضوياً.. وهنا تكمن المخاطر، ويعتقدون أنه لا داعي لانتظار انتهاء جولة كل من وليم بيرنز «مدير الاستخبارات المركزية الأميركية» وبريت ماكغورك «كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط»، فهي لن تقود إلى أي شيء في ظل استمرار حالة التناقض الصارخة بين ما هو معلن وما هو مضمر من النيات الأميركية – الإسرائيلية، من جهة.. ومن جهة ثانية في ظل أن الكثير من أطراف المنطقة باتت له ترتيباته الخاصة، هذا من دون أن ننسى حجم الضغوط الأميركية التي تتعرض لها.
من المتوقع أن ترمي إدارة بايدن بثقل مضاعف فيما يخص جبهة الشمال لأن آخر ما تريده هو توسع جبهة غزة لبنانياً وهي على أبواب انتخابات رئاسية مصيرية
بكل الأحوال وحتى يتضح شيء ما في الأيام المقبلة، تستمر جولات التصعيد بين المقاومة اللبنانية والكيان الإسرائيلي، حيث اعتدى الطيران الإسرائيلي على عدة بلدات في جنوب لبنان فجر اليوم الخميس، حيث استهدف بغاراته بلدات العديسة وبيت حانون ووادي جيلو، ودراجة نارية في عيرون، ما أدى إلى سقوط 4 جرحى بصفوف المدنيين.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق اليوم عن مقتل جندي له وإصابة 10 آخرين على جبهة الشمال، من دون ذكر تفاصيل، بينما قالت هيئة البث الإسرائيلية: إن حزب الله استهدف بطائرة مسيّرة قاعدة عسكرية في مستوطنة حرفيش شمالاً (شمال فلسطين المحتلة) ما أدى إلى قتلى وجرحى بصفوف الجيش الإسرائيلي.. بينما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن استهداف القاعدة العسكرية في مستوطنة حرفيش هو واحدة من 11 عملية للمقاومة اللبنانية على مواقع عسكرية ومستوطنات في الشمال، بوساطة سرب من المسيّرات الانقضاضية.
يأتي ذلك بالتزامن مع تهديد متزعم حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، بشنّ عملية عسكرية «قوية جداً» في الشمال، وقال خلال زيارته مستوطنة كريات شمونة على الحدود الفلسطينية -اللبنانية: «نحن مستعدون لنشاط مكثف في الشمال».
تقديرات حرب الشمال
ويبدو أن جولات التصعيد هذه دفعت معظم الإعلام الإسرائيليالإعلام الإسرائيلي باتجاه تقديرات تضرب موعداً رسمياً لحرب قادمة في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
وحسب «القناة 14» فإن التقديرات الإسرائيلية تقول بوصول «نقطة الغليان مع حزب الله إلى أقصى ارتفاع لها»، موضحة أن «حالة التوتر من الكيان تجاه حزب الله تتصاعد يوماً بعد يوم، خاصة أنه لا تلوح في الأفق نقطة عودة للمستوطنين إلى الشمال».
ونقلت القناة عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين أنه في حال فرضت على بلادهم الحرب مع حزب الله فإنه «من الأفضل البدء بها الآن، وليس في وقت لاحق» بدعوى أن الجيش الإسرائيلي أكثر استعداداً في هذا التوقيت لتلك الحرب.
مفاوضات الدوحة لا بد أن تتضمن مساراً لبنانياً باعتبار أن تبريد جبهة غزة سيسمح بتحويل الزخم والتركيز إلى جبهة الشمال لاحتواء احتمالات الحرب
بدورها قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: إن حكومة نتنياهو قررت استدعاء 50 ألف جندي احتياط إضافي استعداداً لأي تصعيد على جبهة لبنان.
وكان رئيس أركان الحرب الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، قال أمس الأول الثلاثاء: إن «إسرائيل تقترب من اتخاذ قرار بشأن هجمات حزب الله اليومية على الشمال وسط الحرب الدائرة في قطاع غزة».
مجزرة جديدة
على جبهة غزة، ارتكب الكيان الإسرائيلي مجزرة جديدة بحق نازحي غزة، حيث استهدف طيرانه، اليوم الخميس، مدرسة في مخيم النصيرات وسط القطاع تؤوي نازحين من غزة، موقعاً بينهم عشرات الشهداء والجرحى.. وحسب مصادر طبية فلسطينية فإن عدد الشهداء وصل إلى 40 حتى الآن، بينما أصيب العشرات، معظمهم من الأطفال والنساء.. والذريعة الإسرائيلية الدائمة هي أنها كانت تستهدف عناصر لحركتي حماس والجهاد كانوا موجودين في المدرسة.
وكانت حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي، قد وصلت إلى ما يقارب 38 ألف شهيد في حصيلة مفتوحة، إلى جانب 83 ألف جريح، يستثنى من هؤلاء المفقودون تحت الأنقاض وهم بالآلاف، إضافة إلى مئات آلاف النازحين والمهجّرين.
مسار الدوحة
وفيما أعلن الكيان أنه لن يرسل وفده المفاوض إلى الدوحة، تستمر زيارة وليم بيرنز، مديرالاستخبارات المركزية الأميركية، إلى قطر.. بالتوازي مع زيارة بريت ماكغورك كبير مستشاري البيت الأبيض إلى مصر.
وفيما تتركز مهمة الأول على مفاوضات وقف إطلاق النار «وفق مقترح بايدن»، تتركز مهمة الثاني على رفح ومعبرها، وما هو مطلوب من مصر أميركياً.. علماً أن كلتا المهمتين بلا احتمالات نجاح.
وحسب وسائل إعلامية، نقلاً عن أوساط مطلعة على مجريات كواليس زيارة بيرنز، فإن هذا الأخير «يخطط لتحصيل موافقة مسبقة على مقترح بايدن من حركة حماس قبل إسرائيل» من دون الإجابة عن السؤال المركزي حول دور فصائل المقاومة مع بعد انتهاء الحرب (اليوم التالي).
وتضيف هذه الوسائل: إن بيرنز أبلغ وسطاء بأن بايدن مُصر على أن ما يعرضه هو «فرصة نادرة» لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، مقترحاً بأن حركة حماس تحديداً تعلم أنها « لن يكون لها أي دور» تقبل به المؤسسات الأميركية والغربية عند بدء المرحلة الثالثة من مقترح بايدن، وهي إعادة إعمار غزة.
وطالب بيرنز عبر وسطاء، فصائل المقاومة الفلسطينية بأن «تقدم تضحيات» من دون أن يوضح ما هي تلك التضحيات.
وتؤكد فصائل المقاومة أن مقترح بايدن لا يتعدى كونه «إطاراً لفظياً لضمانات» من دون تقديم نص مكتوب واضح حيال تقديم ضمانات حاسمة وواضحة حول بندي إنهاء الحرب والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع.