فنّ الحرب والمارستان طاقة سلبية وجهل مركّب وحقد أزلي*
تشرين- ادريس هاني:
كشفت مداخلة ممثل روسيا الاتحادية في مجلس الأمن عن ازدواجية الموقف لدى الأمين العام، الذي حضر جلسة تداعيات الهجوم الإيراني ولم يحضر جلسة الاعتداء على السفارة الإيرانية في دمشق، ومع ذلك، أكد غوتيريخ شجب أي خرق للمواثيق الدولية واستهداف البعثات الدبلوماسية، هذا بينما جاءت مداخلة السفير السوري لتشجب العدوان، وهو عدوان وقع أيضاً على أرضها، ومنتهكاً سيادة بلد عضو في الأمم المتحدة، عبّر السفير الإيراني بدوره عن حق بلده في الدفاع عن نفسها، مشيراً إلى أنّ مجلس الأمن يمارس مسؤوليته بخصوص حرب الإبادة في غزة، وضرورة إخضاع الاحتلال للفصل السابع، سفير الاحتلال تحدث عن اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي، الغريب أنّ دليله على ذلك، تطوير إيران لصواريخ بعيدة المدى، هذا بينما إيران تعدّ صواريخها بعيدة المدى هي بديل عن السلاح النووي.
حاول الاحتلال أن يستدرجَ المنطقة إلى حرب إقليمية موسعة، لكن الرد الإيراني حقق الرد من دون أن يخرق المواثيق الدّولية، فلقد استهدف مواقع حساسة داخل الأراضي المحتلة، وكان كلامه داخل الجلسة في حدود القانون الدولي.
وسائل إعلام كثيرة عربية استصرحت مراهقين في الشوارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي لتُكوِّن رأياً في قضايا شديدة التعقيد من اختصاص الخبراء، لكن وسائل الإعلام الحربية- ساهمت في تمييع حقائق السياسة، فجعلت التحليل السياسي حرفة من لا حرفة له.
هناك من يستغل خطابات دبلوماسية ويبني عليها تكهّنات، غالباً ما يكون مصدرها حسابات ساذجة، يقول البعض، إنّ إيران لم تردّ إلّا بعد أن استُهدِف بعض دبلوماسييها وقادتها، ثم يبنون بقياس فاسد على هذه المقدمة الملتبسة استنتاجاً بليداً، طبعاً الاحتلال استهدف القنصلية الإيرانية، لأنّه يعرف أنّ الإيراني حاضر في استراتيجيا المقاومة الفلسطينية من (A) حتى (Z)، وبسبب فلسطين تمّ استهداف القنصلية، البرهان بالخُلف كافٍ لوضع «قندرة» في فم المُغالطين، ومع ذلك، فالأمر مجرد تكرار ونُقول ومحفوظات يتمثّلها متحرِّقون، وبعضها لطشات مما نقول: يسرقون ويتعلمون ويكفرون بالنعمة، لهم معضلة أنطولوجية مع بلد قرّر الانتقام لسيادته طبقاً للقانون الدّولي، ما الذي حرق «شطايطك»؟ وثمة ما يخفى على الذُّباب الإلكتروني والواقعي، وهو أنّه خلال فترة انتظار صدور موقف من الأمم المتحدة لم يحصل، كان هناك جدل داخل إيران، بين «المحافظين» و«الإصلاحيين».. الإصلاحيون الذين يؤمنون بأولوية المصالح الإيرانية، ولا يعتبرون القضية الفلسطينية أولوية، رفضوا التدخّل منذ البداية، بينما قسم من المحافظين رفض التدخل بحجة استغلال العدو للوضع فتحصل فتنة، بينما قسم من المحافظين منذ البداية يؤمنون بالمجازفة، خريطة النقاش الداخلي يجهلها أو يتجاهلها من لا عهد لهم بالسياسة والحرب.
الحديث البليد عن وجود مسرحية، هو في الحقيقة إهانة للعقل العربي، صُنّاع هذه الفرية، لا هم خبراء في الإستراتيجيا ولا هم خبراء في فن المسرح، فلو كانوا خبراء إستراتيجيين، لأدركوا أن الاحتلال استُهدِف في مصداقيته الإستراتيجية، في ترسانته الدفاعية، في مفهوم التّفوّق، في مصداقيته مع شعبه، المسرحية يجب ألّا تتجاوز الخطوط التكتيكية، أمّا وقد استُهدفت العصب الإستراتيجي، فهذا هو الجدّ لا الهزل، ولو كانوا خبراء في المسرح، فإنّ كاتب السيناريو لا يمكن أن يمنح للاحتلال أسوأ الأدوار، فهذا يعني أنّ بطل المسرحية هو إيران، ليبقى السؤال الإستراتيجي- المسرحي هو: لماذا سيُعطى دور البطل في مسرحية عالمية للإيراني، وهو في التصنيف الإستراتيجي للاحتلال وحلفائه عضو في محور الشّر؟
يعتقد البُله بأنّ المنتظر من إيران أن تنهي الاحتلال، وهم لم يعترفوا مسبقاً لها في حقها في الثّأر لدبلوماسييها، المهمة التي هي عربية في جوهرها، يحاسبون عليها إيران، كما يعتبرون أنّ الحرب فوضى لا تخضع لقواعد اشتباك، علماً أنّ هذا الخطاب يصدر من القاعدين وأصحاب الصفقات ومرضى الهواجس الطائفية، التحليل بالحقد ينتهي إلى تسميم الدّماغ وتعزيز التّخلُّف الذّهني.
يرددون أنّ إيران هي من نشر الخراب في تلك البلدان، في أغبى قراءة إن أخذناها بحسن نية أو أتفه مقاربة إن أخذناها بجد، فمغالطة «التقنطير» تشوش على المراقب في أن يدرك الحقائق الموضوعية، ما لك وما عليك، هل يعتقد هؤلاء السُّذج أنهم بصدد التأثير أو التحليل؟ فأما التحليل فيقتضي العلم التفصيلي، وليس العلم الإجمالي، فالنّط إلى الاستنتاج من مقدمات مُهلهلة تقوم على أسوأ النوايا، هو برهان الدّجالين لا برهان الصادقين، وفي التفاصيل يكمن لوسيفر ويفرّخ، في لبنان يا بهاليل، بدأت الحرب الأهلية «75» قبل انتصار الثورة الإيرانية «79»، والنزاع الطائفي في لبنان يعود إلى عهد الانتداب الفرنسي الذي أقر بنظام دستوري طائفي، منذ ذلك الوقت ولبنان يعيش بشبه دولة ضعيفة.
والإيرانيون لم يتدخلوا في شؤون الدولة، ولكن لهم حلفاء في المقاومة منذ الاجتياح، وقد منحت المقاومة شرعية منذ البيان الوزاري «2008»، كل الدول تتدخل في لبنان، الفرق أنّ التعاون الإيراني مع المقاومة جعل الاجتياح لأول مرة يبدو مستحيلاً، وباتت قوة لبنان في قوته لا في ضعفه كما كان يقال، وفي العراق، لم يتدخل الإيرانيون إلّا بعد سقوط بغداد، هل كان الاحتلال ينتظر قرار إيران في احتلال بغداد؟ وهل كان من الممكن أن تحول إيران دون سقوط النظام في العراق؟ لكن حينما دخل تنظيم «داعش» وطلبت الحكومة العراقية المساعدة، دخلت إيران، وعلى الأقل ساهمت في طرد «داعش»، وفي سورية، كانت إيران آخر من دخل بموجب معاهدة الدفاع المشترك بين دولتين ذات علاقة سيادية، كانت الحرب على الإرهاب الذي أخفته وسائل الإعلام حتى أظهرته المقاومة بجيوشه ورموزه، وقس على ذلك، المناطق التي دخلتها إيران صمد فيها النظام العام، لكن، بالمقابل، هل كانت إيران سبباً في تخريب ليبيا، أم سقوط النظام بمصر أم خراب السودان أم خراب غزّة أم..أم..؟
أمّا قول الحمقى بأنّ هجوم إيران كان باتفاق مع أمريكا، فهذه عبقرية تحشيشية، مثيرة للشفقة، وهي علامة على أنّ معالجتها تتم بعلاج حاملها، وأنّ مثل هذا الخيال الجانح يتطلّب العلاج النّفسي لا الحجاج المنطقي، فهي دالّة على حماقة أصحابها.
لو جمعت كلّ التعليلات الحمقاء، وتأملتها، ستقف على تناطح الأفكار وتناقضها، ولكن ماذا على من جهل منطق الحجاج السليم وتمسّك بالجهل المُركّب، وهو يمارس التجهيل بوثوق غبيّ في النّفس الأمّارة بالسّوء.
قُلنا حتى بححنا، إنّ المعادلة هاهنا، فيها من التعقيد ما لا قِبَلَ للحرافيش به، فليحضروا وجبة شاي، ومكسرات، ويتابعوا الأحداث من خلال الشّاشة كمباراة الكرة، ويختاروا فريقهم المفضّل، وواضح من هو فريقهم،
يتفهّم المرء أسباب هذا المغص، ولاسيما ممن سبق ووضعوا البيض كلّه في سلّة واحدة، وأطلقوا العنان للخيال في توصيف وضعية الصراع، يصعب عليهم قذف سيناريوهاتهم السابقة في سُلّة المُهملات، إنّهم لهذا السبب يتسابقون على تحشيد ونقل هذا التشويش البليد، لو كانوا على قدر من السواء والذّكاء، لكان أولى لهم السكوت حتى تتضح الرؤية.