في ذكرى الجلاء.. السوريون يسترجعون شريط البطولات الأسطورية
السويداء – طلال الكفيري:
مع انبلاج فجر السابع عشر من نيسان، الذي أشرقت شمسه منذ ثمانية وسبعين عاماً، يسترجع السوريون بكل أطيافهم وعلى امتداد ساحة الوطن، شريط الملاحم البطولية التي سطّرها رجال الثورة السورية الكبرى في مقارعة الاستعمار الفرنسي، التي نتج عنها جلاء المستعمر عن أرض الوطن عام 1946.
فالتضحيات والانتصارات الأسطورية، التي كتبها صانعو الاستقلال بمداد دمائهم الزكية على أرض الوطن ما زالت حروفها محفورة في كل زواياه، لتكون مدونة تاريخية تقرؤها كل الأجيال.
فما أشبه الأمس باليوم، فالبطولات التي سطرها آباؤنا وأجدادنا في عشرينيات القرن الماضي ضد المستعمر الفرنسي، يستعيدها أحفادهم اليوم على أيدي بواسل الجيش العربي السوري، السائرون على درب آبائهم وأجدادهم التي رسموها لهم، محققين انتصاراتهم الأسطورية على العصابات الإرهابية المسلحة وداعميها، ليضيفوا إلى سجل انتصارات الآباء والأجداد السابقة انتصاراً جديداً.
ففي هذا اليوم المبارك، لا بد لنا أن نستحضر روح الجلاء وإحياء قيمه النبيلة ومعانيه السامية، فالدفاع عن حدود الوطن وتقديم الأرواح رخيصة كرمى لعيون سورية ليس وليد اليوم، فروح المقاومة والاستبسال التي ولدت في أجساد آبائنا وأجدادنا، تعود لتحيا من جديد بروح الأبناء والأحفاد، وليقولوا للعالم أجمع: إن طريق الشهادة سيبقى مشرعاً أمام كل الأجيال حتى تطهر أرضنا من رجس الأعداء والمرتزقة.
وفي هذه المناسبة الغالية على قلوب كل السوريين، لابد لنا من أن نستذكر بعضاً من الملاحم البطولية الخالدة التي سطرها أجدادنا دفاعاً عن أرض الوطن.
الباحث معين العماطوري أشار لـ«تشرين»: إلى أن المعركة الأولى في جبل العرب ضد المستعمر الفرنسي بقيادة المجاهد الكبير سلطان الأطرش انطلقت شرارتها من معركة الكفر، فكانت باكورة انتصارات الثوار، وكانت الدافع الأقوى لهم لمواصلة المشوار النضالي ضده، حيث قامت القوات الفرنسية بتاريخ 20/7/1925 بتجهيز حملة عسكرية يبلغ قوامها نحو ٢٠٠ جندي وضابط مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة حينها، لدخول مدينة السويداء واحتلالها، حيث تمركز جنود الاستعمار الفرنسي عند نبع الكفر، وعندما علم الثوار بقدوم هذه الحملة العدوانية قاموا على الفور بإرسال رسول من بلدة الكفر، لينذر الجنود بالانسحاب، إلا أن قائد الحملة نورمان لم يستجب لمطلب الثوار وقال للرسول: اذهب وقل لسلطان الأطرش إننا بانتظاره وبعد أن وصل رد قائد الحملة الفرنسية إلى سلطان الأطرش عندها قرر الثوار مهاجمة الحملة الفرنسية، حيث كانت خطة سلطان باشا تقسيم الثوار إلى ثلاث مفارز: مفرزة مشاة- ومفرزتا فرسان، حيث تم تحديد مهمة مفرزة المشاة بالاقتراب ما أمكن من الناحية الجنوبية الغربية للمعسكر. بينما أعطيت الأوامر لمفرزتي الفرسان لمهاجمة المخيم من الشمال الشرقي، وفعلاً عند الساعة الثانية من بعد ظهر 21/7/1925 انقضّ الثوار على الحملة ودارت معركة كبيرة بين الثوار من جهة والقوات الفرنسية من جهة أخرى، حيث لم تدم هذه المعركة أكثر من نصف ساعة استطاع خلالها الثوار إبادة الحملة بأكملها وقد سقط قائدها نورمان على أيدي الثوار ولم ينجُ من الحملة سوى 5 جنود، وقد قدم الثوار في هذه المعركة حوالي 54 شهيداً.
وأضاف العماطوري: الانتصار البطولي الذي حققه الثوار في معركة الكفر، لم يرضِ الاستعمار الفرنسي، ولرد اعتباره بعد هزيمته في معركة الكفر، قام بتجهيز حملة استعمارية ثانية بقيادة الجنرال ميشو لدخول مدينة السويداء واحتلالها، وبالتالي فك الحصار عن الحامية الفرنسية التي حاصرها الثوار في قلعة السويداء، وقد بدأت هذه الحملة بالتقدم نحو مدينة السويداء من جهة الغرب، إذ وقعت في البداية اشتباكات ما بين الجنود الفرنسيين المدججين بالمدفعية والأسلحة الرشاشة والثوار الذين لا يملكون سوى بعض البنادق والبلطات والأسلحة البيضاء، حيث تم استدراج الثوار إلى كمين أعده لهم الجنرال ميشو، حيث استشهد في وقتها العشرات من أبناء جبل العرب، ما دفع بالمناضلين للانسحاب والتمركز عند نبع المزرعة ليتابع الجنرال ميشو السير إلى النبع، فاصلاً بين مقدمة حملته ومؤخرتها، إذ استغل الثوار هذه الفرصة وقاموا بالانقضاض على مؤخرة الحملة، وفي الثالث من آب عام 1925 زحف الثوار بقيادة سلطان الأطرش واستطاعوا الوصول إلى نبع المزرعة، حيث قاموا بتطويق الحملة الفرنسية ومن ثم قاموا بمهاجمة الجنود الفرنسيين وبدأت معركة حامية وقوية، إذ التحم فيها الثوار مع الجنود الفرنسيين بالسلاح الأبيض واستطاعوا بعزيمتهم القوية إبطال مفعول المدفعية والدبابات، حيث استطاعوا تقطيع أوصال الغزاة وتكبيدهم خسائر فادحة ولاسيما بعد أن اندثرت الحملة وتبعثرت أشلاء جنودها هنا وهناك، ودمرت آلياتها الثقيلة.