توفيق الحكيم.. صنع فنه وأدبه بقلمه
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
أن عاد (توفيق الحكيم) من فرنسا إلى مصر بعد إتمام دراسته في فرنسا، كان يريد أن يعيش أديباً، فهو من الفن صنع حياته، ومن قلمه يعيش، كان المثل الذي أراد أن يحتذيه مثل كتّاب العصر الكبار، أمثال: أناتول فرانس ومارسيل بروست (في فرنسا)، برناردشو وج.ب بريستلي (في إنكلترا) وتوماس مان وكارل شبيندلر (في ألمانيا)..
ولم يكن الأدب العربي قد عرف إلى ذلك العصر مثل الكاتب الذي يعيش من قلمه إلا في القليل النادر مثل: أبي بحر عمرو الجاحظ، وهو نموذج مفرد في بابه، أما البقية، من عمرو بن مسعدة إلى عبد الحميد الكاتب، وعبد الله بن المقفع.. فقد كانوا كتّاب دولة يرتزقون من خزانة الدولة، وكان الشعراء الكبار منهم والصغار يعيشون من الشعر، ولكنهم كانوا إما ندماء أو متسولين يعيشون على حواشي القصور أو أبوابها.
وفي مطلع نشاط توفيق الحكيم كان كل الأدباء والشعراء من شوقي إلى حافظ إلى المازني وطه حسين والعقاد موظفين أو أشباه موظفين، وقد كسب توفيق الحكيم معركته وعاش بقلمه وبعلمه، لقد كان مديراَ لدار الكتب وعضواً للمجلس الأعلى للفنون والآداب، ولكن الوظائف لم تكن شيئاً في حياته ولا هو اعتبرها مورد رزق، إنما كان مورد رزقه قلمه.
وعندما عمل في (أخبار اليوم) مع الأستاذ مصطفى أمين، اشترط أن يكون حراً فيما يكتب، وقضى معظم وقته في كتابة مسرحياته البديعة التي بدأت عصراً جديداً في تاريخ الأدب العربي، وكلنا نتذكر الإبداع الرفيع في صفحات (أهل الكهف، وشهرزاد) كما له الفضل في معرفة دروب الإبداع، درب الإنتاج الأدبي الحر والتجديد بلا حدود، وطريق المفكر الذي يعيش للفكر وفي الفكر.
ويتمتع الحكيم بظاهرة الأديب الكريم على نفسه وعلى الناس، العذب اللسان الذي لا تصدر عنه كلمة نابية في حديث أو مقال، ولا يدخل في مهاترات ولا تعرف له مباذل ولا هنات، ظاهرة رجل الفكر الصادق المخلص القويم، المنصرف إلى فنه وأدبه، ومن يقرأ تاريخ الأدب العربي، ويرى مآسي حيوات الأدباء وخصوماتهم وأحقادهم التي هبطت بقدر الفكر أحياناً كثيراً إلى الرغام، ليعرف قدر توفيق الحكيم إنساناً كريماً رفيعاً ينعم بحب الناس وتقديرهم.
رحم الله صانع الفن والأدب بقلمه وفكره (توفيق الحكيم) الذي تتذكره كلمة الضاد في الوطن العربي.