الكتابة بالعكس.. تتصدر مسلسلات 2024
تشرين- حلا خيربك:
“فلاش باك” هي تقنية الخطف خلفاً بالزمن عند الضرورة في نص السيناريو، لاستعراض حدث جرى في الماضي أو حدث من النص نفسه يعاد عرضه لغرض درامي في مرحلة متقدمة.
وهي تقنية خطيرة جداً على العمل الدرامي في حال لم يجد استخدامها سواءً الكاتب أم المخرج، فالجمهور يجب أن يدرك ببساطة ومن دون عناء أثناء المشاهدة في حال مرور مشهد (فلاش باك) أنه يرى مشهداً من الماضي، وغالباً ما اعتدنا أن نميز مشهد الخطف خلفاً من خلال تغيير لونه حيث تجد مشاهد الماضي بنية قليلاً أو زرقاء أو صفراء بتغيير فلاتر اللون للمشهد أثناء التصوير أو أثناء التلوين بالمونتاج، وقد نجد الشخصيات بأسمائها وبعض صفاتها الشكلية أصغر سناً بشكل واضح، حتى ولو تمت الاستعانة بممثلين آخرين.
هناك مسلسلات وأفلام بنيت بالكامل على تقنية “الفلاش باك”، حيث لا يمكن أن ننسى مسلسل “زهرة النرجس” الذي تم عرضه عام 2008 للكاتب خلدون قتلان والمخرج رامي حنا.
حيث تتماشى قصتان بالحلقة نفسها، وعلى طول العمل بشكل متوازٍ، إحداهما تجري وتتطور بالماضي، والثانية تجري وتتطور في الزمن الحاضر بالتوازي معاً مع اختلاف الزمن، حيث أن أحداث إحدى القصتين تؤثر في تكشف أحداث الأخرى أو العكس. طبعاً في مسلسل “زهرة النرجس” الشخصيات الموجودة في الحاضر مختلفة عن الشخصيات الموجودة في الماضي.
وقد تستخدم تقنية “فلاش باك” للاضطرار عند الكشف عن حياة شخص أو حدث ليس له وجود في القصة التي تجري سوى في الماضي البعيد، فيكون كشف تفاصيل من حياته أو إضاءة على جوانب من القصة الماضية لتتكشف كما في مسلسل “جريمة في الذاكرة”.
والحقيقة أن هذه التقنية غالباً ما تضيف على المسلسل أثناء المشاهدة المزيد من القيمة والتشويق.
أما هذا العام فشهدنا استخداماً كثيفاً وغير مبرر أو غير موجه لهذه التقنية، أي إنه استخدام في المكان غير المناسب! لاسيما في مسلسلين هما: “ولاد بديعة” و” تاج”.
ومن الغريب أن يلتقي المسلسلان البعيدان تماماً عن بعضهما باستخدام هذه التقنية بالطريقة نفسها، حيث نشاهد قبل بدء الشارة مشهد من الماضي، ثم تظهر الشارة، وهو أمر ممتع فمن الشيق الإطلاع على جزء من القصة، لاسيما من ماضي القصة لتتكشف تبعاته في الحاضر أي الحلقة، لكن الخطير أن تستخدم هذه التقنية لإيجاد مسوغ لأحداث الحلقة! كما لو إن الكتابة تتم بالمقلوب أو بالعكس.
عند العجز عن التقدم بالقصة بشكل واضح نجعل لأحداث الحلقة أساساً في الماضي يتم ابتداع الكتابة على أساسه! أي إننا نكتب بالحلقة وليس مسلسلاً كاملاً، كما في حكايات ألف ليلة وليلة كلما عجزت شهرزاد أخرجت بطاقة جديدة أو فتحت باباً جديداً، وهذا دليل أن المسلسلات مكتوبة بسرعة، وهو ما لاحظه الجمهور العادي.
إذاً ما يجمع المسلسلان الكتابة السريعة، واستخدام الفلاش باك للتغطية على أي نقص أو تسويغ أو حدث تم تعديله، أي كمن يكذب على المشاهد فيقدم دليلاً!.
أما الأخطر من ذلك أن في العملين ماضي القصة الحقيقي والذي بنيت عليه، القصة أهم من القصة نفسها! ولذلك يبقى الجمهور يشعر بهذا النقص ولا يكتفي، حيث إن بديعة نفسها لم نعرف عنها إلا القليل. لم نشاهد يومياتها مع أطفالها، كيف ربتهم ماذا تعلموا منها؟ لأنها شخصية فريدة كان يمكن أن يكون هناك مسلسل “بديعة ” لأن شخصية كهذه تستحق المتابعة، فيومياتها شائقة، فكيف لو أنجبت أطفالاً !
أيضاً “تاج” قصته في الماضي أهم من المسلسل المكتوب، وبقي هذا الماضي الذي لم نعرفه إلا بالحديث عنه حلقة فارغة، تدور حولها الأحداث والممثلين بشكل غير مفهوم، كأن كل ما يجري استكمال غير مهم لما حدث في الماضي، الحدث الأهم الذي لم نشاهده وإنما شاهدنا تبعاته، ولأن كل ما حدث في الماضي أي الذي لم نشاهده أهم مما يجري في الحاضر أي “المسلسل” يبدو فارغاً!، وللأسف هذا الخطأ يكاد ينسف العملين لولا التحايل على ذلك بهذه التقنية، أو بالكتابة العكسية كما يمكن أن نقول، والتي يخشى أن تدرج لاحقاً.