مفهوم مستقبل ومستقبل مفهوم

تشرين- ادريس هاني:
كانت مهمتي في هذه المداخلة بملتقى الرافدين في بغداد، التي آثرت أن تكون ضرباً من التفكير المباشر، تدور حول موقع الثقافة في تدبير الوضعية البشرية، وكان لا بدّ من تفكيك البنية التناقضية لخطاب التسامح الآتي من بيئة التنوير المخلوط بغريزة الصدام الحضاري وإمبريالية الحاضن التاريخي للنموذج الديمقراطي، في جدل حداثة السادة وحداثة العبيد، مع التركيز على مستقبل المفاهيم قبل مفهوم المستقبل، ففي المستقبل حتماً سنفكّر بطريقة أخرى، ولسنا نحن من سيحدد كيف سنفكّر مستقبلاً، ثمة مستقبل المعنى والعقل والمفهوم، وأمّا المستقبل، فهو شعبة عانت ما عانته شُعب أخرى من مهازل التفكر والتنزيل وميوعة المفاهيم وهدرها، من هنا اقتضى الأمر تفكيك المستقبل بحثاً عن حفريات المستقبل وتاريخ المستقبل، المصطلح الذي وضَعْتُه لتيسير تدبير المعنى الحيوي للزمان والمجتمعات السائرة على طريقه، قبل أن يتم قرصنته من بعض كهنة المراكز الوظيفية ببلادنا، في نوع من الاستباحة التي يقوم بها سرّاق الله والمعنى، بضمير فاسد، لا يكتفي بالسرقة، بل يحرف مضمونها بعد فرمطتها على مقاس وعي غير آبه بتاريخ الأفكار واستحقاقاته.
وعليه، فإنّ العالم اليوم غير مستقر كي نحكم الحكم النهائي، العالم صائر وهو في مرحلة انتقالية، ليس بالمعنى الجيوستراتيجي، المفهوم الذي ماع هو الآخر في سياق الهدر المفهومي وفوضى المثقف المتسلح بقبقاب مفرض الصخب والضجيج، إنما هو صائر صيرورة جماعية نحو ما هو أبعد من نظام عالمي جديد بشروط سياسية، بل بشروط أنطولوجية، ما لم تُأخذ بالحسبان، فلا مستقبل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار