ما تداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزة؟
أكثر من 220 يوماً على الحرب الانتقامية والإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي ضد أهالي غزة المنكوبين.
كما نعلم جميعاً فقد استشهد أكثر من 35 ألف فلسطيني، من بينهم أكثر من 14 ألف طفل، وهناك حوالي 8000 شخص في عداد المفقودين ونزح مليوني شخص وأصيب ما لا يقل عن 76500 مواطن من أهالي القطاع، ويواجه أكثر من مليون شخص مخاطر انعدام الأمن الغذائي وظروفاً كارثية.
ورغم الدعوات لتحسين الأوضاع فإن معاناة الشعب الفلسطيني مستمرة، وفي هذه الأثناء يناقش الكيان الإسرائيلي بغطاء أمريكي وبدعم دول أخرى وقفاً محتملاً لإطلاق النار، ما قد يُفضي إلى ما يسمونه اليوم التالي للحرب في غزة.
وغالباً ما تنتهي هذه المناقشات قي بحث المستقبل دون مشاركة الفلسطينيين، وهو النمط الذي شهدناه للأسف منذ عام 1948.
وبعد حمام الدماء الذي تسبّب به الاحتلال في غزة لا تزال الأوضاع “مكانك راوح” وهذا أمر مُحبط، وفي الوقت نفسه فإن المشهد السياسي في فلسطين منقسم وغير مستقر.
لا يمكن أن تغيب عن عقول الكثير من البشر سواء كان ذلك في المنطقة أو العالم هذه الحرب الإجرامية بحق أهالي غزة باعتبارها استمراراً للمأساة التي حدثت عام 1948 بحق الفلسطينيين بشكل عام.
إذ انبثقت الصهيونية كإيديولوجيا أصولية وعنصرية مُتطرّفة، مع ذلك يرى الكثير أن هذه الحرب هي تجسيد للإجرام بحقّ الإنسانية بكل الأبعاد ونموذج للقسوة وجرائم الإبادة الجماعية التي انكشفت أمام أعين الجمهور، ولم تؤدّ هذه الإيديولوجيا إلى وصول الصهيونية إلى نهايتها الطبيعية فحسب بل في نواحٍ عديدة زادت الطين بلّة وبلغت بالصهاينة مرحلة التطرّف الإجرامي المُطلق.
أمّا عن الحصانة التي تتمتع بها الصهيونية فتتمثل بعدم نصرة فلسطين وإظهار الشعب الفلسطيني دائماً على أنه شعب “عديم الضمير ومحاولة شيطنته” أمام مرأى العالم، والترويج لاعتقاد مُفاده أن “إسرائيل” لا ترتكب الأخطاء وتلتزم بحقوق الانسان، وبدعم من الغرب والقوى الاستعمارية تم غرس هذه المُغالطات في أذهان بعض شعوب العالم، وقد أدى هذا الدعم الغربي الأعمى لـ”إسرائيل” بأن تمضي الأخيرة إلى هذ المستوى من ارتكاب المجازر وجرائم الإبادة الجماعية بحق شعب بأكمله، في السابق كان هذا التطهير رمزياً لكنه الآن يتم على المستوى الجسدي ويظهر الرغبة في إزالة هوية تاريخية أو ثقافية بأكملها، قتل المدنيين وتدمير المدارس والمستشفيات وتحديد وتغيير جغرافيا الأرض والتغيير الديموغرافي لسكان فلسطين يكشف دون أيّ ذرة شكّ أن مستوى القسوة ومجازر الإبادة الجماعية التي نشهدها هو القضية المفصلية التي نواجهها هذه الأيام. ناهيك عن أن سلوك “إسرائيل” لا يهدّد الإستقرار الإقليمي أو الفلسطيني فحسب بل يهدّد النظام الدولي متعدد الأطراف برمّته وسيادة القانون على الصعيد العالمي.
الإحتلال انتهج أسلوب القوّة الهمجية إلى أقصى الحدود وهي مجردة من أي سمات إنسانية، ومن الخطير جداً تنفيذ مثل هذا العدوان الوحشي دون أي قيود أو تحمّل للمسؤولية، وما يحدث ليس مجرد حملة عابرة أو هجمة مؤقتة أو برنامج مناهض للفلسطيين بل هو برنامج هيمنة طويل الأمد سيحطّم جميع أركان المنظومة القانونية الدولية.
خير دليل على ما أوردناه سالفاً هو: أولاً، حجم هذا الهجوم والدمار أكبر بكثير من الدمار الذي وقع يوم النكبة، ولإثبات صحّة ذلك ما علينا سوى مقارنة المذبحة التي وقعت في النكبة الأولى بأي هجوم على مجتمع صغير في غزة، لنتأكد بعدها أن مستوى القسوة يفوق الوصف والخيال.
ثانياً: لقد كشفت هذه الحرب عن الهدف الحقيقي لـ”إسرائيل”، ما تريده الأخيرة من هذا العدوان الهمجي هو بعث رسالة واضحة للغاية إلى جميع الفلسطينيين والعالم، مفادها أن “إسرائيل” لا تريد حلّ الدولتين، ولن تعترف بأن ملايين الفلسطينيين يعيشون الآن على أرض فلسطين التاريخية، وأن الحلّ الإسرائيلي هو الإبادة الجماعية إما خطوة بخطوة أو دفعة واحدة وعلى مرأى ومسمع العالم.
ثالثاً: بغض النظر عن مدى اختلاف حكومات “إسرائيل” وتنوّع وجهاتها فيما سبق، نواجه هذه المرّة حكومة فاشية متطرفة، كما أن المجتمع الصهيوني بات يتجه نحو الفاشية بأبشع أشكالها.
لقد توصل جميع سكان “إسرائيل” الذين تعرضوا لهجوم فی 7 تشرين الأول، فجأة إلى الحلّ الأكثر تطرفاً الذي قد نشهده في عصرنا الراهن، حيث اتّخذوا نهجاً فاشياً تجاه الفلسطينيين.
ولا يخفى على أحد أن الإسرائيليين لا يعترفون أصلاً بالفلسطينين ك”بشر”، أنا لا أتحدث عن القادة فحسب بل أتحدّث عن المواطنين العاديين في “إسرائيل”.
كما أن واقع هذه الحرب يُظهر لنا رسالتين من المجتمع الدولي مفادهما الآتي: أولاً الحكومات الغربية متحيّزة تماماً لصالح “إسرائيل” وثانياً، لا يوجد شيء اسمه قانون دولي، وأما عن القانون الماثل فهو غير قابل للتنفيذ، ما ترونه هو ازدواجية معايير كاملة وكأن السياسة الدولية قد عادت إلى القرن التاسع عشر ولقد انتهت المناقشات حول القانون الدولي وحقوق الإنسان.
قصارى القول: كلنا مسؤولون وإذا لم نتذكر ما حدث في الوطن العربي بعد عام 1948، سنكون مخطئين للغاية وغارقين في حالة من الموت السريري.