قدمتها بأشكال مختلفة.. صورة الأم في الدراما السورية تجسيد لمشاعر الحب والحنان والخوف…
تشرين- ميسون شباني:
عقود من الزمن، رسخت الدراما صورة الأم بأشكال ومفاهيم متعددة ضمن تشكيلات منوعة تلامس بصورة أو أخرى مع تحولات الأم بكل هواجسها ومشاعرها ونوازعها.. نجمات كثر أدّين دور الأم وخلقن تماهياً مذهلاً عبر الشخصيات اللواتي قدمنها لدرجة الاختلاط بين الدرامي المتخيل والواقعي المعيش..
صور مختلفة
قدمت الدراما السورية صوراً متعددة عن شخصية الأم.. فهي المرأة الإيجابية والفاعلة حياتياً واجتماعياً، وقد طورت ووسعت شخصيتها ومساحة حضورها في المجتمع بدءاً من البيئات الشعبية وما نعيشه في واقعنا اليومي، وبأنماط متنوعة تناسب تطورها الحقيقي في المجتمع.. فقدمتها الدراما للمشاهد بنماذج مختلفة.. فمن ينسى صوت غوار الطوشة وهو يصدح منادياً بأغنية “يا مو يا ست الحبايب” في مسلسل “صح النوم” أثناء احتفاء إدارة السجن والمساجين بعيد الأم الذي بقي راسخاً في أذهاننا.. وله الأثر العميق في ذاكرة المشاهد.
وعندما نذكر شخصية الأم الحنون تتصدر في ذاكرة المشاهد الفنانة نجاح حفيظ بشخصية الأم الطيبة والحنون، وقد اشتهرت برفض الأدوار الشريرة حتى لا تتشوه صورتها أمام المشاهد الذي عرفها في أدوار المرأة الطيبة، والأم الرؤوم..
تفرّد مذهل
في المقابل تستحضر الدراما بعمق فني متواتر فاجأتنا فيه الفنانة الكبيرة منى واصف التي قدمت أوجهاً متعددة لحضور الأم في الدراما، فأخرجته من نمطيته المعتادة بطريقة متطورة سجلت وأرخت حضور كل شخصية من شخصياتها وجعلتها رهناً للحظة الفنية والواقعية وبتفرد مذهل سواء عبر الدراما أم عبر السينما وهي المعروفة بمناكفة أدوارها وتجيد العزف بنغمٍ جديد.. حيث قدمتها بأبعاد فنية كسرت تقليدية صورة الأم.. فمن ينسى – على سبيل المثال- مشهدها في فيلم “شيء ما يحترق” لغسان شميط أو في فيلم “الطحالب ” لريمون بطرس أو عبر الأم الدرامية المتعددة التي أجادتها على الشاشة مثل شخصية “أم جوزيف” بمسلسل باب الحارة مروراً بـ”أم المخرز” في مسلسل ليالي الصالحية وصولاً لشخصية “أم جبل” في مسلسل “الهيبة” وغيرها من أدوار الأم التي مازجت فيها بين الإحساس الحقيقي والفني.
البعد عن التكلّف
ولأنّ عاطفة الأمومة هي أنبل العواطف على الإطلاق، فإنّها لا تستلزم أيّ تمثيل أو تكلّف لإظهارها بالشكل الأنسب، فجيَشان العاطفة نقلنا مع الفنانة الراحلة نبيلة النابلسي في صرختها لفقد ولدها (حاتم) في مسلسل “ليالي الصالحية” يعود إلى طبيعة المهارة التي امتلكتها النابلسي في ارتداء الدور بشكل واقعي ومقنع كأنه حقيقة فعلاً، ولا ننسى دورها في مسلسل “الفصول الأربعة” كأم.. كما استطاعت التنوع في أداء الشخصية من خلال تعاملها مع بناتها اللواتي شكلّن مع أزواجهن حكايا جاذبة في المسلسل.
جرأة نادرة
ومن الفنانات اللواتي أجدن دور الأم الفنّانة الراحلة أنطوانيت نجيب، التي بقيت متصالحة مع نفسها، غير مبالية من الظهور بمظهر المرأة العجوز المسنّة، متقبّلة عمرها بوعي ونضج ومسؤوليّة حيث قدمت بجرأة نادرة دور “أمّ ميشيل” في مسلسل “آخر أيّام الحبّ” للمخرج وائل رمضان، الذي أدخلها في حالة تحدٍ معلن مع شكل الشخصية وأبعادها النفسية والسيكولوجية.
النمط الشامي
كما رسمت الفنانة صباح الجزائري صورة الأم في البيئة الشامية ببصمة نمط مختلف من حيث الوظيفة والمكانة وطبيعة الحياة ولعل الدور الأبرز هو “أم عصام” في مسلسل “باب الحارة” وقدرتها على اللعب والموازنة بين الأم الحنون تارة والقوية تارة أخرى التي تخاف على مصلحة بيتها وأولادها إضافة إلى الإبداع من ناحية الشكل والملامح وقسمات الوجه وطريقة التعبير عن الإحساس وإظهار حالات الخوف والحب وعواطف الأمومة الجياشة.
الأم المعطاءة
كما تعتبر الفنانة الراحلة هالة شوكت من أبرز الوجوه التي لعبت دور الأم الطيبة والمعطاءة بما يتناسب مع شخصيتها الحقيقية، وبدت أدوار الأمومة التي أدتها الراحلة هالة شوكت في معظمها ذات نمط درامي واحد، فهي الأم الحنون، المشغول بالها دوماً على أولادها وأهم الأعمال التي أدت فيها دور الأم: “الأجنحة، أيام شامية، الفراري، الخوالي، ليالي الصالحية، الجذور السوداء”..وغيرها.
تلّون وتنوع فني
وبريشة الفنان التعبيرية استطاعت الفنانة ضحى الدبس رسم شخصيات الأم التي قدمتها لتظهرها في كل مرة بألوان مختلفة، فهي الأم العصرية التي تتبع صيحات الموضة أو الأم الأرستقراطية وأحياناً العاملة وكانت تقدم كل شخصية تلعبها برؤيتها وانطباعاتها مدموغاً ببصمتها الخاصة.. ولعل أجمل الأدوار التي قدمتها كانت في مسلسل “على حافة الهاوية” مع المخرج المثنى صبح والذي قدمت فيه تمازجاً فنياً عاطفياً ممزوجاً بالتحدي والكبرياء بمواجهتها الدامية لزوجها ودفاعها المستميت عن أبنائها.
الأم القوية
والمتابع لمسيرة الفنانة وفاء موصلي يجد أنها تركت بصمة في عالم الدراما فهي المحرك في أي عمل نجدها فيه.. وهي خاضعة لتغير الظروف حسب طبيعة كل دور، وتراعي في أدائها خصوصية كل شخصية وتعطيها حقها.. ومن يتابع شخصية (فريال) في مسلسل (باب الحارة) يجد أنها قدمت أداء نفسياً مدروساً للشخصية من ناحية الدهاء والذكاء الذي مارسته مع تطور الحدث الدرامي إضافة إلى عمق إحساس الأمومة الذي تغدقه على الإبنة والحفيدة.
كان ما تقدم صور لا تنسى ل”الأمهات” في الدراما السورية.. شخصيات حاولت أن تُقارب مشاعر الأمومة من شغف وخوف وخشية فقد، ودفاع مستميت عن الأبناء..