ميناء غزة الأمريكي طريق جديد إلى الموت.. غاز غزة و«بن غوريون» والممر الهندي إلى الواجهة
تشرين – هبا علي أحمد:
إذاً.. لا هدنة قريبة ولا بعيدة في غزة هذا ما تشير إليه المعطيات، وهذا ما كان واضحاً لمن يعرف حقيقة الاحتلال الغاصب ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية التي تتلاعب بالتصريحات وتبث رسائل معاكسة ومغايرة لما تقوله تماماً، والأكثر من ذلك فإن التصعيد بات عنوان المرحلة اللاحقة هذا بالضبط ما تريده واشنطن التي وجدت في العدوان الصهيوني على غزة فرصتها لعسكرة المنطقة بصورة أكبر مما هي عليه بالأساس، و«فرملة» تبدل الموازين، وأداتها في ذلك ديمومة الحرب في غزة وليمت من يمُت ولتفتك بهم المجاعة، فأمريكا ليست معنية في الأمر.. أضف إلى ذلك فإن هناك مكاسب اقتصادية بأبعاد جيو سياسية لم تتحقق بعد، وحرب غزة هي الطريق، و يعود إلى الواجهة الحديث عن غاز غزة وقناة «بن غوريون» و«الممر الهندي» والذي هو ممر أمريكي لمنافسة «الحزام والطريق» الصيني بطبيعة الحال، من هنا كان لزاماً على واشنطن أن تقدم فكرة الميناء المؤقت على سواحل غزة والذريعة إنسانية تماماً كما جرت العادة.
– الميناء والغاز
لا ندري إن كانت واشنطن تضحك على ذاتها أم على العالم لكن كل مزاعمها كُشفت، وكما هو معروف أن إنشاء ميناء لأجل المساعدات يحتاج لفترة طويلة وهو ما أجمع عليه المراقبون، وبالتالي تكون المجاعة فتكت أكثر بأبناء القطاع، وإذا سلمنا بالمزاعم الأمريكية فالحال واحدة ونجد أن الميناء طريق إلى موت من لم يمُت بعد تحت وطأة المجازر الصهيونية- الأمريكية، بل واشنطن توسّع نطاق المجزرة أكثر في ظل صمت المجتمع الدولي، حتى مساعداتها المزعومة التي ألقتها من الجو في مسرحية هزلية ذهب ضحيتها شهداء، وتحول الطعام إلى قاتل «بريء» إن أمكن القول باعتباره أداة ووسيلة للذريعة، وهي ذريعة تماماً لأن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال «لا يوجد خط أحمر تجاه إسرائيل ولن أتخلى عنها أبداً» في تناقض واضح وواضح وفج بين المسرحية الإنسانية والعمل الفعلي الذي هو دعم الكيان، ولأنه وحسب إعلام العدو الذي تحدث عن جسر جوي أميركي غير مسبوق مستمر منذ 5 أشهر يتم عبره نقل كمية هائلة من الذخائر الأميركية إلى «إسرائيل» والتي يتم نقلها من قواعد في الولايات المتحدة ومن مخزوناتها الاستراتيجية في أنحاء العالم.
التصعيد بات عنوان المرحلة اللاحقة هذا بالضبط ما تريده واشنطن التي وجدت في العدوان على غزة فرصتها لعسكرة المنطقة و«فرملة» تبدل الموازين
بالعودة إلى موضوع غاز غزة فإن الميناء المذكور يخدم أهداف كل من واشنطن و«تل أبيب» فإن كانت أمريكا تساعد الكيان للسيطرة السياسية مرة فهي تدعمه وتسانده في سيطرته الاقتصادية مرات كثيرة ودائمة ولاسيما السيطرة على مصادر الطاقة والثروات الغازيّة والنفطية في ظل التنافس الطاقوي العالمي.. والموضوع في سواحل غزة التي تزخر بثروة طاقة هائلة من الغاز الطبيعي، تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات، وهي ما يُعرف بحقول «غزة مارين» الأول والثاني التي اكتشفت قبل نحو 23 عاماً والتي تبعد نحو 30 كيلومتراً قبالة غزة، ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) 2019، فهناك تأكي لعلماء الجيولوجيا واقتصاديي الموارد الطبيعية أن الأرض الفلسطينية المحتلة تقع فوق مكامن كبيرة من الثروة النفطية والغاز الطبيعي في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة وساحل البحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة. ومع ذلك، لا يزال الاحتلال يمنع الفلسطينيين من تطوير حقول الطاقة لاستغلال هذه الثروات والاستفادة منها.
ويعد «غاز مارين» من أول الحقول المكتشفة في مياه شرق المتوسط في نهاية تسعينات القرن الماضي، قبل حقول الغاز المصرية، وكان دافعاً لدول حوض البحر المتوسط الشرقية لتكثيف عمليات التنقيب، لذلك يُجمع المراقبون أن الهدف الأمريكي هو بناء ميناء أكبر لـ«إسرائيل»، وسرقة غاز غزة، وبناء قناة «بن غوريون» التي أرادها الكيان أن تمر عبر غزة.
ميناء غزة الأمريكي طريق إلى موت من لم يمُت بعد وواشنطن توسّع نطاق المجزرة أكثر وتحوّل الطعام إلى قاتل «بريء» باعتباره أداة ووسيلة للذرائع الإنسانية
ويُقدَّر احتياطي «غزة مارين 1 و2» بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل 3.1 مليار متر مكعب، بقيمة إجمالية تناهز 4.2 مليار دولار، وحسب خبراء، يكفي هذا الاحتياطي لسد حاجة الضفة الغربية والقطاع لمدة 25 عاماً، بالإضافة إلى إمكانية التصدير منه.
ويفرض كيان الاحتلال على استغلال حقلَي الغاز في غزة سلسلة شروط، إذ يشترط أن ينقل الغاز من الحقل إلى محطة تسييل الغاز في عسقلان، ليوزع من هناك إلى غزة والضفة، أو أي مكان آخر، كما تمنع إنشاء البنية التحتية وأنابيب نقل الغاز إلى اليابسة، وذلك في إطار سعيه إلى السطو على احتياطيات الغاز في سواحل غزة، وضمها إلى الحقول التي شرعت في استغلالها قبل سنوات.
– الممر الهندي
قد لا يكون التركيز اللحظي على الممر الهندي باعتبار غاز غزة هو الهدف، لكن لا بد من العودة إلى التذكير بالممر الهندي وكيف أن «طوفان الأقصى» فرمل مشاريعه ومخططاته، لكن ذلك لا يعني أن الممر غائب عن ذهن واشنطن فالتطورات العالمية وصعود قوى منافسة تقتضي مشاريع منافسة، وكما الميناء مقدمة لسرقة غاز غزة وبالتالي السيطرة على الطاقة في المنطقة التي تشهد أساساً صراع في السياق ذاته، ولا سيما على خلفية حقل «كاريش» وارتباط ذلك بالمقاومة اللبنانية وصراعها مع العدو الإسرائيلي ومن ثم دخولها على خط المساندة لغزة.. كذلك هو مقدمة لوضع أساس مبدئي للممر المذكور، وإذا تمعنا قليلاً يمكن القول بأن «اليوم التالي» الذي يتم الحديث عنه لا يتعلق فقط بمستقبل غزة وطريقة الحكم والسلطة القائمة فالاحتلال يُلغي كل ما ورد ذكره، بل يتعلق أيضاً بالمخططات الأمريكية- الإسرائيلية في المنطقة من سرقة الغاز إلى قناة«بن غورين» إلى «الممر الهندي».
الميناء المذكور يخدم أهداف كل من واشنطن و«تل أبيب» في السيطرة على مصادر الطاقة والثروات الغازيّة والنفطية في ظل التنافس الطاقوي العالمي
– للتذكير
خلال أعمال قمة مجموعة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في 10 أيلول 2023، أعلن كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، إلى جانب العديد من القادة الأوروبيين، إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مكوّن من مسارين: الأول يربط الهند بالخليج، والثاني يربط الخليج بأوروبا، وتكون «إسرائيل» حلقة الوصل بين المسارين.
أما بالنسبة إلى قناة بن غوريون فهي عبارة عن مشروع إسرائيلي – أمريكي سيكون بديلاً عن قناة السويس المصرية لوصل البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط ، وكان هذا المشروع يواجه صعوبات في عملية تنفيذه ومساره الجغرافي في ظل بقاء قطاع غزة خارج «السيطرة الإسرائيلية»، لكن في حال سيطرت «إسرائيل» على القطاع سيتم توفير 100 كيلومتر من الطول المخطط لهذه القناة، التي ستكون عند اكتمالها باتجاهين ذهاباً-إياباً وستؤمن قرابة 6 مليار دولار سنويا لـ«إسرائيل»، وتعطيها «أهمية إقليمية وعالمية واستراتيجية» ناهيك عن عائدات الغاز بحوالي 3 مليارات دولار سنوياً، والممر الاقتصادي الذي يعتقد أنه سيوفر المليارات للدول المستفيدة ومنها الكيان الإسرائيلي والتي سيغدو بذلك منفذاً استراتيجياً باتجاه أوروبا.