لها صورة مروعة في الرواية.. الوحشية البشرية وثقافة الفضائل المشوهة

تشرين- حنان علي:
وحشية البشر جزء لا يتجزأ من تاريخ البشرية، فالهمجية وسمت الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية منذ العصور القديمة وصولاً إلى انتهاكات العصر الحديث، ما من كلمات تصف وحشيةً وجرائمَ لم تستهل نشأتها فوق مسارح مصارعة الموت ولما تختم تاريخها بسبل الاستعباد المعاصرة، بربريةٌ عتيقة تدحض فكرة أن الناس مسالمون بطبيعتهم قبل أن تفسدهم المؤسسات الحديثة – والتي أعلنت عن نفسها في كتابات المثقفين أمثال خوسيه أورتيجا إي جاسيت؛ (الحرب ليست غريزة ولكنها اختراع)، أو إنّ (الإنسان العاقل ليس نوعاً شريراً أو مدمراً)، على حد تعبير ستيفن جاي جولد أو غيرهما ممن يروي عن الدراسات البيولوجية التي تدعم أخلاقيات الأخوة العالمية!

تاريخ دامٍ
لم تذر للإنسانية مكاناً؛ الشعبية الكاسحة والتصفيق والحماسة والقهقهة المرافقة لعروض مصارعي الموت عند الرومان القدماء، أو حرق القطط حتى التفحم فوق مسارح باريس في القرن السادس عشر. لم يفرق البشر بالوحشية بين ترفيه القسوة أو تقديم إخوانهم كقرابين تلبية للطقوس والخرافات، الاستعباد كوسيلة لتوفير العمالة، أو التعرض للإبادة الجماعية والاغتيال كآلية للخلافات السياسية، في زمن أمسى فيه الاغتصاب غنائم حرب، والمذابح وسيلة للترهيب، والقتل الشكل الرئيس لحل الصراعات. أما الكتب النفسية فتسوغ دوافع الوحشية العائدة لعوامل بيولوجية، أو تحيله للفقر أو الظروف الاقتصادية الصعبة، لعلهما العنف والتمييز الاجتماعي. أما المتسبب فيسوغ له إصابته باضطرابات الشخصيات؛ النرجسية أو الانفعالية أو العدوانية، أو إحساس بالإهمال أو الإهانة أو الخوف؟ أياً كانت الدواعي، ما لبثت الوحشية نتاجاً خطيراً يتفرّد بالبشر دون غيرهم من كائنات الكوكب الأخضر.

توثيق وأدب
مازال الخصم “الحر” بالنسبة لممدوح عدوان في كتابة “حيونة الإنسان ” يجب أن يصنف على أنه “لا إنساني” أما التعذيب، تعريفاً، كما عبر عنه الكاتب والشاعر السوري فهو (ذلك الفعل المؤذي الذي يمارسه الإنسان على الإنسان الآخر عقوبةً ردعية أو قمعية أو تربوية أو لإجباره على أمر ما، كفعل معيّن وأحياناً كطقس ديني أو تجميلي أو لسبب اقتصادي وأحياناً كممارسة ).
” ثمة أسباب للاعتقاد بأنه أخيراً، بعد خمسة آلاف عام من الحروب المسجلة، ربما تسهم التغيرات الثقافية والمادية بتثبيط ميل الإنسان إلى حمل السلاح” هكذا عبر المؤرخ البريطاني جون كيغان في كتابه (تاريخ الحرب)، مؤكداً “أن الرجل المتحضر من يكتشف أسلوباً أكثر إرضاءً من القتال” . مخالفاً وجهة نظر كلاوزفيتز بأن الحرب ليست مجرد استخدام لوسائل أخرى لمواصلة السياسة، بل الحرب تعكس الثقافة بقدر ما تعكس السياسة، إن لم تكن أكثر.
أما “المصارعة الرومانية القديمة التاريخ الدامي لرياضة الموت،” فهو كتابٌ يروي حكاية عنف كرسته بعض الشعوب والحضارات عبر التاريخ، حيث يرجع المؤرخ الهولندي فك مايير إلى الجذور التاريخية للمصارعة الرومانية القديمة وطقوسها البربرية الدموية المتوحشة في ساحات المسارح الرومانية.
وما لبثت المشاهد الوحشية في الكتب والروايات مثيرة للرعب والصدمة لدى القراء عبر قتل الشخصيات الرئيسة بطريقة بربرية، أو وصف جرائم مروعة أو تصوير عمليات التعذيب أو الأذى الجسدي والنفسي.
في رواية “قلب الظلام” تصور أفريقيا بلاد الوحشية والهمجية البدائية بالنسبة لجوزيف كونراد، فيما نسجت أحداث رواية الجريمة والعقاب لفيودور دوستويفسكي مشهداً مروعاً لجريمة القتل التي ارتكبها الشاب روديون راسكولنيكوف، الذي قرر بوعي ارتكاب جريمة قتل من خلال إقناع نفسه بأنها جريمة مسوغة أخلاقياً. أما رواية ” جزيرة الدكتور مورو”، فأشار الكاتب هربرت جورج ويلز في فكرتها إلى الأعذار والتسويغات التي يجدها بعض العلماء ممن فقدوا أخلاقهم المهنية مدنسين العلم والأبحاث، عبر أحداث جسدت القسوة البشرية والوحشية. إلى جانب تدخل الإنسان السلبي في الطبيعة.
في رواية “كوخ العم توم” لهارييت ستو، فيتم التركيز على كفاح العبد توم الذي تعرض للبيع مرات، متعرضاً لشتى أنواع التعذيب والوحشية الجسدية من قبل سائقي العبيد وسيده.
بدوره الكاتب نوزت شمدين قدم في رواية “شظايا فيروز” الرواية المرشحة لجائزة البوكر 2018، تصوراً أعمق لمأساة فتاة تقع في أسر (داعش)، مصوراً أحداثاً وحشية و آثاراً مدمرة نالت روح الأمكنة والبشر.
وفي النهاية، قد يرتبط التعذيب بأناس عاديين لا يتوانون عن ممارسة التعذيب النفسي بلا رحمة لأنفسهم أو لغيرهم. وعلى نقيض مما رآه أرسطو بأن الفضائل الأخلاقية تكتسب بالتعلم، وأن الإنسان يولد بلا أخلاق، وجد سيغموند فرويد أن الإنسان يخلق كالصفحة البيضاء لا هو خيّر ولا شرير.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار