خيار استراتيجي لا مفرّ منه.. اندماج مؤسساتنا إجراء إداري صحي يضمن مسارات وظيفية حقيقية

تشرين- ماجد مخيبر:
صدر المرسوم التشريعي رقم (3) لعام 2024 القاضي بإحداث الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء-عمران، لتحل محل المؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء التابعة لوزارة الصناعة، والمؤسسة العامة للتجارة الداخلية للمعادن ومواد البناء التابعة لوزارة التجارة الداخلية، ولتصبح المؤسستان شركة ذات طابع اقتصادي تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري ومقرها دمشق.

سلمان: الإسمنت سلعة نبيلة وتخفيض تكلفتها يؤدي الى تخفيض تكلفة البناء والإعمار

الدكتور والباحث الاقتصادي حيان سلمان بين أن المرسوم رقم (3) له آثار إيجابية في إنتاج وتسويق مادة الإسمنت التي تعتبر سلعة من السلع النبيلة، لأن تخفيض تكلفتها يؤدي الى تخفيض تكلفة البناء والإعمار، وسورية في أمس الحاجة لهذا الموضوع، كما تتجلى المزايا الإيجابية لمرسوم دمج المؤسستين في شركة واحدة في عدة نقاط من أهمها: إن التكلفة الكلية هي حجم تراكمي لكل تكاليف العملية الإنتاجية وتزداد مع زيادة عدد حلقات التداول ما بين المنتج والمستهلك، وبالتالي فإن أهم مقومات تخفيض التكلفة هي تخفيض هذه الحلقات والتخلص من المؤسسات الإضافية، وبالتالي فإن العمولة التي كانت ستأخذها مؤسسة عمران ستتحول لمصلحة المنتج، وسيؤدي هذا إلى تخفيض تكلفة الطن من مادة الإسمنت، وهذا سينعكس إيجاباً على كل من المنتج والمستهلك.

حسب الطلب المسبق
كما أعطى المرسوم رقم (3) الصلاحية الكاملة للشركة الناتجة عن عملية الدمج بإعداد الخطط الإنتاجية والتسويقية بما يتناسب مع السوق ومقومات العرض والطلب، وهذا سيشجع مجلس إدارتها على العمل والإنتاج حسب متطلبات السوق، ويمكن أن تنتقل إلى مرحلة الإنتاج حسب الطلب المسبق.
وأشار سلمان إلى نقطة مهمة، وهي أن توافر مادة الإسمنت مع ازدياد الطلب عليها سيؤدي إلى تفعيل قطاع البناء والإسكان الذي يشغل معه وفق دراساتنا السابقة أكثر من 80 ورشة ومهنة ( نجارة – حدادة – ألمنيوم – حديد – كهرباء….)، إضافة إلى قيامه بامتصاص البطالة المتراكمة بحدود 600 ألف عامل، وبالتالي يساهم في تخفيض معدل البطالة، ويساهم في تأمين السكن للسوريين، وخاصة أن الهرم العمري للسكان في سورية هو هرم شاب، أي إن أكثر من 70% من عدد سكان سورية هم أقل من 40 سنة، وبالتالي فإن تأمين السكن هو ضروري جداً.

إعادة النظر بالمؤسسات التي تشكل عبئاً على المستهلك وأغلب الأوقات على المنتج أيضاً

ومن هنا نقترح أن يتم العمل على حل مشكلة السكن وخاصة لشبابنا، من خلال تفعيل العلاقة ما بين الأطراف الثلاثة ( المصارف – المؤسسات السكنية – والمستهلك )، وأن يتم تأمين السكن بأسعار قليلة وبذلك نضمن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وحتى الأمني.
كما نتمنى أن يتم إعادة النظر بكل المؤسسات التي لا ضرورة لوجودها، بل تشكل عبئاً على المستهلك وفي أغلب الأوقات على المنتج أيضاً، واعتماد مبدأ اقتصادي أساسي وهو تقليل الحلقات الوسيطة بين منتج السلعة ومستهلكها وهذا سيساهم في تفعيل العجلة الاقتصادية.

تحقق عائدات و وفورات
المحلل الاقتصادي فاخر قربي يرى أن اندماج المؤسسات خيار يرتقي للانفتاح الإداري في مرحلة إعادة الإعمار كونه يوفر الهيكلية الصحيحة وهو من الأساليب الرئيسية المهمة لتحقيق قفزات إدارية وإنتاجية نوعية وزيادة القدرة على المنافسة ومواجهة الاحتكار والتحديات الكبيرة في ظل الظروف التي نشهدها في سورية.
ومن إيجابيات الدمج تحقق عائدات و وفورات كل من الحجم والمجال والتي تساهم في خفض تكلفة المنتوج سلعة كان أم خدمة، كما يمكن أن يساعد على تقسيم العمل والتخصص ما يدعم الجودة وخفض التكلفة أيضاً، هذا إلى جانب بعض الدوافع الخاصة للاندماج مثل تحقيق كفاية رأس المال التي تحمي تلك المؤسسات وزبائنها من الانهيارات وآثارها المدمرة بسبب الهزات المالية والإفلاس، وفي عبارة واحدة حظر الإسراف والتبذير والتأكيد على القصد والتوسط في الإنفاق وترشيده إلى جانب الدعوة إلى الاتحاد والتعاون والإتقان والجودة كلها تصلح لتأييد الاندماج بين الشركات والمؤسسات.
لا بد من التمييز
وعليه فلا بد من التمييز بين الاتحاد الاحتكاري من جهة والاندماج من جهة أخرى وصياغة القوانين واتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة لمكافحة الاحتكار الذي يمكن أن يتستر للممارسات أو الأعمال المضللة أو غير العادلة، وهذا التوجه واضح حتى في بعض القوانين الوضعية وقبل عصر الاندماجات الكبيرة والعولمة.

القربي: حظر الإسراف والتبذير والتأكيد على القصد والتوسط بالإنفاق والدعوة للاتحاد والتعاون والإتقان والجودة

كما أن ضخامة المؤسسة أو كبر حجم الشركة بنفسه ليس أمراً سيئاً إلا إذا كانت مشاكل خارجية أخرى مثل السيطرة على الشركة وكفاءة إدارتها، وهذه المعوقات قد عالجتها تقنيات الإدارة وفنونها أو تمكنت الشركة الكبيرة لحجمها من الاحتكار بسلوك قانوني مع تحاشي القيام بأعمال مضادة للتنافس وهذا أيضاً يمكن التصدي له عبر الطرق نفسها.
ووفق ما ذكر قربي فإنه يجب ألّا نقلق من الاندماج والتخطيط له، وبذلك فلا مجال لرد الدعوة إلى الاندماج بالقول بأن اليابان قد بنت نهضتها الصناعية معتمدة بالدرجة الأولى على المشروعات الصغيرة، والاقتصاد الياباني ثاني أكبر الاقتصاديات في العالم من ناحية حجم الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة الأميركية، كما يعتبر نصيب الفرد الياباني من الناتج المحلي الإجمالي الأعلى في العالم، نقول، ونقول نعم هذا صحيح ومن جهة أخرى في اليابان إلى جانب تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة هناك منشآت ومشروعات كبيرة نفتقدها كذلك، والمشروعات الكبيرة هذه ما هي إلا تجميع لإنتاج الصناعات الصغيرة التي تتكامل أفقياً ورأسياً وأمامياً وخلفياً مكونة فيما بينها تلك المشروعات الصناعية العملاقة، وبعبارة أخرى فإن اندماج المؤسسات المجهرية ( الصغيرة جداً ) لا ينفي دور وأهمية المشروعات الصغيرة بل يدعمها فاندماج المنشآت المجهرية في أحسن الحالات ربما يتمخض عن ولادة منشآت صغيرة.
كما اندماج مؤسساتنا خيار استراتيجي لا مفرّ منه، لكن اندماج إداري صحي يضمن مسارات وظيفية حقيقية تضمن للعمال والموظفين حقوقهم الإدارية والمادية والمعنوية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار