بعد أن ضاعت الحدود بين الواقعي والافتراضي تجد حولك مـسـرح كبير حقيقي والـمـمـثـلـون يتقنون تمثيل أنفسهم بـصـورة مـدهـشـة حـتـى أنــت تـجـد لـك دوراً مـا وقــد تـكـون الـمـتـفـرج الوحيد والشاهد على مايجري ..
الكثير من الحروب والكثير من العسكرة في أماكن مختلفة.. لكن الكاميرا تدور في مشفى للأمراض العقلية أغلب مرضاها من الجنرالات العسكرية من خاضوا أفظع الحروب وارتكبوا الكثير من المجازر ويختبئون خلف أمراضهم النفسية ..تــدور الـكـامـيـرا فـي غـزة .. جـنـدي (إسـرائـيـلـي) يكشف عـن أن ضابطاً بجيش الاحتلال صديقاً له اختطف رضيعة فلسطينية من قطاع غزة، بعد مقتل عائلتها بالقصف العنيف الذي يشنّه جيش الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 3 شهور.لا أعلم كيف يمكن تصوير مثل هذا المشهد ؟! هل كان عقله الـمـريـض يتخيل الـطـفـلـة الـرضـيـعـة وقــد كـبـرت فـي حـيـاة مزيفة مـسـروقـة لتكتشف كـيـف نبتت عـلـى الـخـسـة والإجـــرام والإبـــادة، لتكشف أن الأرض مسروقة والروح مسروقة، وأنها جميعاً ال تسلم لسارقها، لم يستطِع الجندي المجرم العودة ولم يستطِ ع زملاؤه أن يأتوا بالنصر، بـدلا من ذلـك قـرر أحـد زملائه الحديث عن القصة المروعة متسائل ً : أين الرضيعة، لقد مات ولا نعرف في أي مكان تركها، ومع أي شخص أودعها. ال أجد يتصور أن الاحتلال الذي أودع بمساعدة العالم الحر آلاف الأطفال في القبور سينشغل بالبحث عن الرضيعة والتحقيق في وضعها، أو تكون قصة الطفلة معركة اليسار الحقوقية القادمة.
فكم من الجرائم البشعة التي تغاضى عنها ذلـك العالم المنافق البارد، جرائم تنوعت من قتل آلاف الأطفال وتمزيقهم إلى أشلاء،
وجــرائــم تـجـويـع مـئـات الآلاف وتـعـطـيـشـهـم، وجــرائــم اسـتـهـداف الـمـشـافـي وعــربــات الإســعــاف، وجــرائــم إبــادة عـائـات بأكملها، وجــرائــم الـسـكـوت والــخــنــوع، الـتـواطـؤ والـتـزيـيـف، وسـكـب دمــوع التماسيح على شعب لا يغيثه أحد؟!
إسرائيل كما وصفها أحد الكتاب .. لا تسرق الأرض فقط، بل
تعمد إلـى سرقة الجسد والـروح الفلسطينيين حقيقة ومـجـازا، كي تصنع لوجودها الشاذ شكل ً تاريخياً وجمالياً وحضاريا، تدفن به تاريخ وجودها القائم على الأجساد والإجرام والخسة والشر.
وتبقى عسكرة مشفى المجانين ..ملاذاً للمجرمين وملاذاً لقادة الاحتلال الإسرائيلي الذين اعتادوا على سرقة وسلب كل إمكانات الحياة والثقافة من الدول المحيطة، من تاريخها ومجتمعاتها، في محاولة مستمرة لتهويد التاريخ والمعرفة والثقافة والحياة ثم طالء وجهه القبيح بذلك الخليط المزيف المسروق..ويبقى المشهد متروكاً للخيال .. فما عالقة ضابط عتيد الإجـرام والشر متمرس على القتل وإبـادة الألبرياء بتربية طفلة والاعتناء بها ومالطفتها سوى كناية حقيقية عن إسرائيل، فذلك الجندي القاتل لم يرَ وجه الطفلة، غير أنه وجد فرصة لتجميل حياته الإجرامية به ومن ثم
تقديمها للعالم كواجهة تخفي الحقيقة وهي سرقة الرضيعة.