هل يحمل الرئيس بوتين «مبادرة سلام» لغزة؟.. التحرك الروسي الجديد في المنطقة تحت المجهر الأميركي.. ما خطوة واشنطن المقبلة؟

دمشق- هبا علي أحمد:
تغرق واشنطن ومعها الكيان الصهيوني في وحول غزة، باحثةً عن خطط لما بعد الحرب وكيفية إدارة القطاع، والتي لن تتحقق على المقاس الأميركي – الصهيوني من دون تسويات أو تنازلات من نوع ما ربما نكتشف لاحقاً أن الهُدن السابقة كانت مرحلة أولى، ولا سيما أنه مع كل يوم تزداد الوحشية الصهيونية من دون أي مكاسب تذكر، وفيما هذا يحصل يتعزز في المقابل ضمن منطقتنا محور التوجه شرقاً بما لذلك من تداعيات على الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، إذ إن تكريس الزيارات والعلاقات بين طرفين أحدهما خارج المحور الأميركي من شأنه بالضرورة، مع التحولات العالمية، أن يُرخي بثقله على مجمل تطورات المنطقة ولا سيما ما يخص القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، إلى جانب التطورات الدولية والحرب في أوكرانيا.

توقيت غاية في الحساسية
زيارة العمل التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كل من الإمارات والسعودية، ليوم واحد، تأتي في توقيت إقليمي ودولي غاية في الحساسية وغاية في الأهمية انطلاقاً من مفصلية الحدث الفلسطيني على وجه الخصوص الذي سيحتل مساحة من مجمل مباحثات بوتين مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، حيث أوضح الكرملين بإعلانه عن الزيارة: «سيتم النظر في الوضع الصعب الحالي في منطقة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وسبل تعزيز تهدئة التوتر، وكذلك سيتم بحث عدة موضوعات أخرى من بينها تسوية الوضع في سورية واليمن وضمان الاستقرار في منطقة الخليج العربي».

 زيارة تأتي في توقيت إقليمي ودولي غاية في الحساسية والأهمية انطلاقاً من مفصلية الحدث الفلسطيني

وتولي روسيا أهمية كبيرة للحفاظ على السلام والأمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما ينعكس أمناً واستقراراً على مصالحها في هذه المنطقة الحيوية، من هنا لا يستبعد أن يقدم الرئيس الروسي مبادرة للسلام في غزة من شأنها ضبط الأوضاع من دون الانفلات إلى ما لا يحمد عقباه ومنع توسيع رقعة الصراع والانجرار إلى تصعيد ليس في مصلحة كل الأطراف حتى الأميركي والصهيوني معاً، إدراكاً من روسيا أن السلام في الشرق الأوسط يجب أن ينطلق من دول المنطقة بتنسيق وتعاون دولي مع دول مهتمة بالسلام والاستقرار مثل روسيا، من هنا قد يكون في الأمر مبادرة من نوع ما تحرص روسيا على إطلاقها من دول المنطقة واستكمال بحثها في موسكو، ولاسيما أن بوتين بعد زيارته للسعودية والإمارات سيستقبل غداً نظيره الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لإجراء محادثات في مجمل تطورات الأوضاع في المنطقة، في وقت يعزز فيه البلدان الخاضعان لعقوبات غربية علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية، حيث وقع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إعلاناً في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بشأن مواجهة العقوبات الأحادية الجانب، ويرى مراقبون أن يمكن لإيران أن تصبح بوابة روسيا الرئيسية إلى دول جنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.

واشنطن تترقب مخرجات الزيارة
لا شك بأن واشنطن ليست بعيدة عن هذه الزيارة وهي تنتظر مخرجاتها ولا سيما أن تعزيز العلاقات الروسية مع دول المنطقة يندرج في سياق التنافس والصراع العالمي بالمجمل، إذ تنظر واشنطن بعين الريبة لأي لقاء سعودي – روسي على وجه الخصوص في ظل التنسيق الثنائي الوثيق ضمن صيغة «أوبك+» الذي يعد بمنزلة الضمان الموثوق للحفاظ على وضع مستقر ويمكن التنبؤ به في سوق النفط العالمية، هذا التنسيق أرخى بظلاله إيجاباً على تعميق وتعزيز العلاقات بين البلدين، وإخراج ورقة النفط وزعزعة استقرار أسواق الطاقة من يد واشنطن، التي تخشى من توسيع آفاق الاتفاق الروسي- السعودي ضمن «أوبك+» لأن الصراعات القائمة هي صراعات على ممرات الطاقة وأسواقها العالمية.

تولي روسيا أهمية كبيرة للحفاظ على السلام والأمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما ينعكس أمناً واستقراراً على مصالحها في هذه المنطقة الحيوية

التحالف السعودي – الروسي النفطي إن جاز التعبير عزز الأرصدة السياسية والدبلوماسية لكل طرف منهما لدى الآخر، وهو ما كان واضحاً بطرح الرياض مبادرة لحل الأزمة الأوكرانية أثنت عليها موسكو، إذ قال بن سلمان في وقت سابق «الروس لديهم حجة لما قاموا به، بسبب توسع (ناتو) وما إلى ذلك، ولديهم قائمة حجج».. وعن الاهتمام الروسي بالموقف السعودي ومبادرة الحل للأزمة الأوكرانية، يرى خبراء أن السعودية لها دور كبير مؤخراً، إذ تستطيع التحرك بفاعلية في ملف الحرب الأوكرانية، خاصة أن بإمكانها أن تجمع الجنوب العالمي، وكذلك الصين والهند، إلى الحوار، إضافة إلى أن الرياض تهتم بزيادة دورها في الساحة الدولية، لكنها بحاجة إلى وقفة في إدارة مثل هذه الصراعات المعقدة، ويضيف الخبراء: الدور السعودي مهم للغاية، إذ يشكل وجهة نظر نحو أهمية السلام في أوروبا والأخذ في الاعتبار المخاوف الأمنية لروسيا، وهذا ما شهده حديث ولي العهد السعودي الذي يتفهم وجهة نظر موسكو ومخاوفها

الأمنية إزاء التهديدات التي تواجهها.

– روسيا تعزز سياستها ودبلوماسيتها في المنطقة التي تنسحب تباعاً من اليد الأميركية

فشل عزل روسيا
المحاولات الأمريكية – الغربية لعزل روسيا عبر الحرب في أوكرانيا باءت بالفشل، إذ أشارت «بلومبيرغ» في هذا السياق إلى أن زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى السعودية والإمارات، تظهر ثقته في تحدي محاولات الولايات المتحدة وأوروبا لعزله على المسرح العالمي، لافتة إلى أن فشل الغرب في عزل روسيا يعود إلى الوضع القوي لاقتصادها، فضلاً عن عدم تحقيق أوكرانيا المدعومة من الولايات المتحدة أي نجاحات عسكرية، موضحة أنه بينما يعزز بوتين علاقاته مع زعماء الخليج، فإن استمرارية الدعم الأمريكي لأوكرانيا أصبحت موضع شك.
في سياق الصراع والتنافس، روسيا تعزز سياستها ودبلوماسيتها في المنطقة التي تنسحب تباعاً من اليد الأمريكية.. ولنكون واقعيين هذا لا يعني أن لا أثر لأمريكا بعد اليوم، لكن مهما حاولت واشنطن من إشعال المنطقة وتوسيع رقعة الصراع – وهو ما تعمد إليه واشنطن راهناً ومستقبلاً – فإن التحولات العالمية لن تتوقف كما تسعى واشنطن بل هي إلى تمدد واتساع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار