بعيداً عن الإشكاليّ في مشواره… «قمر دمشق» وثائقيٌّ عن نزار قباني
تشرين- لبنى شاكر:
لا شك في أن الأحكام الأخلاقيّة والإبداعيّة المُسبقة، تجاه الأعمال الفنيّة المعنية بالسير الذاتيّة للشخصيات الإشكاليّة، والكلام هنا عن الشاعر نزار قباني 1923 – 1998، ساهمت إلى حدًّ كبير في التوجس، وربما العزوف عن التعاطي مع تجربته الحياتيّة والأدبيّة بشكلٍ جديٍّ، عدا عملاً دراميٍاًّ وحيداً، فالجمهور ينتظر المثالية عادةً في الشخصية التي يُحب، وعائلة المبدع سترفض بالتأكيد أي سلبيةٍ في تناوله، وتالياً سيجد صنّاع العمل أنفسهم، كما حدث مراراً في تجارب فنيّة تلفزيونية وسينمائية، أمام سلسلةٍ من الاتهامات والدعاوى، وإن كان هذا كلّه لا يشفع للتقصير المحلي والعربي في تقديم شخصية الراحل، بعيداً عن الفعاليات التكريمية التي تكتفي باستعادة محطاتٍ من مشواره، بمناسبة مئويته هذا العام، وهذا ليس تقليلاً من دورها أبداً، أو انتقاصاً من شأن القائمين عليها.
في السياق ذاته؛ مئوية الشاعر الكبير، عُرِض الفيلم الوثائقي «قمر دمشق» سيناريو وإخراج الزميل نضال قوشحة، في سينما كندي دمشق مُؤخراً، بعد أشهرٍ على إنتاجه، وهو بدايةً، مفاجأةٌ، لعلّها تُحفّز الراغبين والمُترددين على الاشتغال على ما في حياة نزار قباني من أحداث، ومحاولةٌ لتناول شخصيته، بشكلٍ مُحدد، يبتعد عن الإشكالي والثوري في حياته، مقابل الاكتفاء بثلاثة محاور يحكي عنها مُختصون كلٌّ في مجاله، أولاً نزار قباني في ميزان النقد الأدبي، وفيه يتحدث الدكتور محمد رضوان الداية عن إضافات قباني في حركة الشعر والنثر العربيين، من خلال كتابه الذي ألّفه عن المناسبة وصدر عن دار سويد للنشر والتوزيع، ثانياً عن قباني والتشكيل، من خلال الناقد التشكيلي سعد القاسم، وأخيراً قباني والغناء، يستعيد فيه المؤرخ الموسيقي أحمد بوبس، القصائد التي لُحنت من أشعار قباني، وتعاونه مع كبار الملحنين والمطربين العرب.
يقول قوشحة في حديثٍ إلى «تشرين»: «نزار قباني، قامةٌ أدبيةٌ كبيرةٌ، أزعم أنه أهم شاعرٍ في تاريخ منطقتنا، ويجب ألا تمر مئويته، من دون تقديم ما يليق بها، لكنني لم أعمل من مبدأ الحنين لنزار وعصره وشعره، بل انطلقت من عدة محاور، عدا عن أن الحديث عن تفاصيل حياته ومشواره يحتاج إلى سلسلة أفلام»، وعلى هذا لم تُواجه قوشحة صعوبات تتعلق بعائلة الراحل لِجهة الموافقات والمعلومات، لكونه كما يُضيف لم يتطرق إلى قباني كشخص بل تعامل معه كأيقونةٍ حضاريةٍ أدبيةٍ سورية، مُبتعداً عن كل ما يتعلّق بزواجه وأبنائه وما شابه، وغير ذلك مما يُمكن الحصول عليه، خلال دقيقة على الإنترنت، باتجاه الأعمق، كما يقول، في حين إن الصعوبات جاءت من «شلال الأفكار التي تُوجِدُها شخصيةٌ مثل قباني»، لذلك كتب السيناريو أربع مرات، «سعياً إلى الصيغة الأفضل والأشمل».
يُشاركنا قوشحة الرأي، في التقصير تجاه تناول سيرة قباني، روائياً وتوثيقياً، وهذا ما دفعه على حد تعبيره، للتأكيد على ضرورة إنتاج الفيلم، يقول أيضاً: «طبعاً هناك تقصير، كالعادة لا المجتمع الأهلي ولا القطاع الرسمي يحتفيان بالشخصيات الشبيهة بالراحل الكبير، للأسف، مع أنها عناوين السورية الحديثة… عدة دول عربية احتفت بقباني، ومن الخطأ ألّا تكون سورية في مقدمة هذه الدول، لذلك لجأتُ إلى شركة إنتاج وطنية سورية، والفيلم عُرِض قبل أشهر، بالتوازي مع مناسبة المئوية في آذار الفائت، بينما تحتفي حالياً في الشهر الجاري، عدة جهات عبر فعاليات وندوات، كان يُفترض تحضيرها وتقديمها سابقاً، وأعتقد أن «قمر دمشق» هو الذي حرّك المياه الراكدة لإنجاز الآخرين بعض الخطوات التكريمية بهذه المناسبة».
في رصيد قوشحة أفلام وثائقية عن المطربة صباح «أيقونة الفرح»، والأديب حنا مينة «الريّس»، وعن السينمائي بندر عبد الحميد «غرفة السينما»، أيضاً المخرج ريمون بطرس «قيثارة العاصي والسينما»، كما يعمل على مشروعٍ يتناول الراحل صباح فخري، ومع ذلك يُضيف «قمر دمشق» الكثير إلى تجربته السينمائية، يتحدث لـ «تشرين»: «أول مرة أُقدم فيلماً وثائقياً عن شاعر، عالم الشعر حساس وعميق، كان عندي نوع من الرهبة، لأن العمل يتعلق بأيقونتين كبيرتين جداً، دمشق حاضرة الدنيا، كيف يمكن لأحدٍ أن يتكلّم عن مدينةٍ وُلد وعاش فيها وتعني له الكثير، هناك شيء أكبر من المحبة، ربما التقديس، لا بدّ من إظهاره في الفيلم وفاءً وحباً بدمشق وأرجو أن أكون وصلت له مع فريق العمل، الأيقونة الثانية هي نزار قباني، وأهميته في تاريخ المدينة والشعر العربي، في حياته قوة كبيرة وطاقة للتغيير، ظهرتا في حروبه الأدبية والنقدية والسياسية، لذلك التحرّك في المجال الحيوي لقباني، كما التحرّك في حقل ألغام، ولهذا اخترتُ المنظومة الفكرية التي يقولها الفيلم بحرصٍ شديد، بحيث تتلافى هذه المخاطر، وصولاً إلى إعطائه شيئاً من حقه علينا».