خبراء يحذّرون من فجوات تنموية عميقة.. قطاعا التعليم والخدمات الطبيّة أكثر المتضررين
تشرين- بشرى سمير:
يراود حلم الهجرة إلى الخارج الآلاف من الشباب والشابات بحثاً عن مستقبل أفضل، ولعل أكثر الشباب الطامحين للهجرة هم أصحاب الكفاءات من أطباء ومهندسين وأساتذة الجامعات، الذين باتوا يشعرون، وأمام الظروف الاقتصادية الصعبة، أنه لابدّ من المغامرة والبحث عن عمل بالخارج، ومن يزور أي مشفى من مشافينا يلاحظ وجود نقص كبير في الأطباء المهرة، والأمر نفسه ينطبق على أغلب القطاعات التي باتت تعاني نقصاً كبيراً في الكوادر نتيجة هجرة العقول.
وخلال استطلاع أجرته (تشرين) على عدد من الكليات العلمية لاحظنا وجود رغبة كبيرة في الهجرة لدى الطلاب في المراحل الدراسية الأخيرة، الأمر الذي ينذر بوجود خطر كبير يهدد المجتمع.
خبير في التنمية البشرية: هجرة الأدمغة تسببت في غياب الخدمات الطبية والتعليمية
وتؤكد الطالبة مرام محمد في السنة الأخيرة بكلية الطب، وهي من الأوائل في دراستها، أنها وبمجرد تخرجها سوف تسافر إلى ألمانيا، لمواصلة دراستها العليا والتخصص في جراحة القلب، وللاطلاع على كل ما هو جديد وممارسة المهنة في أحد المشافي التي يتوفر فيها كل المستلزمات.
فيما أشار الطالب مهران العلي من طلاب كلية الهندسة المدنية إلى أنه يطمح أن يصبح من أهم المهندسين في العالم ولن يتحقق هذا إلا إذا سافر إلى إحدى الدول المتقدمة.
تهديد للتنمية
ويشير الدكتور عماد سعيد خبير التنمية البشرية في حديثه لـ (تشرين) إلى أن ما يثير القلق في الدول العربية تهديد ظاهرة هجرة الأدمغة لعمليات التنمية في ظل معدلات أمية عالية في العالم العربي تصل في بعض التقديرات إلى أكثر من 27%. وتشير دراسات عدة إلى أن العالم العربي خسر من جراء هجرة الأدمغة ثلث طاقته البشرية، وما يقارب 50% من هؤلاء هم أطباء متخصصون، و23% تقريباً من المهندسين، والبقية من مجالات مختلفة.
وأضاف أن أغلب الشباب يهاجرون إلى دول أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، وتشير الدراسات إلى أن 54% من الطلاب العرب الذين يسافرون للدراسة لا يعودون إلى أوطانهم بحثاً عن فرص العمل، كما يسهم التمييز بين الكفاءات ودخول الوساطات والمحسوبيات مما يدفعهم إلى الهجرة إلى الدول التي توفر لهم بيئة أكثر عدلاً وتقديراً لعملهم.
أسباب وتداعيات
ولفت الدكتور سعيد إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية ونتيجة الحرب كانت الهجرة إلى أوروبا عامة وألمانيا خاصة لكونها تضمن العديد من المزايا الايجابية، تقديم المساعدات المادية واستقطاب الأدمغة ومنح الإقامة ومن ثم الجنسية للمقيمين فيها واستفادتهم بعد ذلك من كل امتيازات المواطنين الأصليين، الأمر الذي ترك فجوة كبيرة في كثير من مواقع العمل نتيجة تسرب الأدمغة والكفاءات.
أستاذ جامعي: سورية تصدّرت المشهد.. المغامرة والبحث عن عمل بالخارج لانعكاس ظروف الحرب والحصار الاقتصادي
مبيناً أنه لا يمكن منع الناس من الهجرة، ولكن يمكن الاستفادة منهم وجذبهم لبلدانهم وإعادتهم من أجل خدمة بلدهم وتقديم الامتيازات لهم بما يشجعهم على العودة وتحسين الأجور والرواتب وتشجيع البحث العلمي وتقديم التسهيلات للطلاب وفتح المراكز العلمية والبحثية أمامهم لإجراء التجارب والأبحاث وتوفير كافة المستلزمات لذلك.
مؤكداً أن هجرة الأدمغة من البلدان العربية عموماً، وفي سورية خصوصاً تسببت في غياب الخدمات الطبية والتعليمية، كما انعكست على الجانب الاقتصادي الذي تدهور بشكل كبير بسبب تكرار المشاكل نفسها وعدم تجديد الإستراتيجيات المستخدمة، كما أن هذه الظاهرة تؤثر في النمو الاقتصادي بشكل عام، وأشار إلى أن هناك أسماء عربية وسورية لمعت في العالم الغربي سواء من أدباء ومفكرين وأطباء ومهندسين ما يبرهن على إبداع العقول العربية.
أرقام متصاعدة
من جانبه الدكتور رضوان قلعجي من كلية الاقتصاد جامعة البعث، بيّن في حديث لـ “تشرين” أن الرغبة في الهجرة لدى ذوي المهارات العالية في الدول العربية عموماً وفي سورية خاصة في ارتفاع مستمر. ولفت إلى أن هناك تقريراً لأحد المواقع العالمية المتخصص بدراسة الآفاق الاقتصادية للبلدان، اتضح أن بلدان العالم العربي تتفاوت في ما بينها على صعيد مغادرة الكوادر العلمية، إذ تصدّرت سورية المشهد، نظراً لانعكاس الحرب عليها والحصار الاقتصادي وبالتالي يجب العمل على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ما يوجد بيئة أكثر مناسبة للإبداع والابتكار ويجذب الكفاءات المحلية والعربية.
نقيب أطباء ريف دمشق: هجرة الأطباء السوريين إلى خارج البلاد باتت أمراً واقعاً ومستمراً
أمر واقع
وبحسب نقيب أطباء ريف دمشق الدكتور خالد قاسم موسى، فإن هجرة الأطباء السوريين إلى خارج البلاد باتت أمراً واقعاً ومستمراً، لافتاً إلى أن هناك العديد من الدول تستقطبهم عبر تقديم فرص العمل.
ورأى موسى أن الأطباء السوريين يسافرون إلى الخارج بسبب الوضع الاقتصادي على الرغم من توفر فرص العمل للأطباء في سورية، مدرجاً التسهيلات التي يحصلون عليها من بعض الدول في مشروع “تفريغ الكوادر” الطبية من سورية.