يحتفي بأخبار الوفيّات ولا ينسى لحظةً واحدة أن الدنيا فانية.. حفار القبور يُصارع الوصمة الاجتماعية والمقابل المادّي لا يعوّض الضرر المعنوي
تشرين- بشرى سمير:
يجلس مصعب الشاب الثلاثيني على حافة أحد القبور في مقبرة باب الصغير يشرب الشاي ويدخن سيجارة بعد أن أنهى حفر قبر ريثما تصل الجنازة التي تقل المرحوم ورغم ما يكتنف هذه المهنة من غموض وما تشكله من خوف عند أغلب الناس، إلّا أن مصعب استطاع التعايش مع مهنته، ويشير إلى أنه ينزعج مما يقال عن مهنة حفار القبور بأن أصحابها يقتاتون من فواجع ومآسي الآخرين، لكون العامل في المهنة يكسب قوته من حفر قبور من رحلوا .
ألم اجتماعي ومردود قليل
ويضيف مصعب أن مهنته تحمل بين طياتها ألماً اجتماعياً إضافة إلى أنها مهنة متعبة جداً وتحتاج إلى قوة عضلية وصبر وتحمل .
فيما أشار معمر حفار قبور إلى أنه أخذ المهنة عن والده الذي كان يرافقه إلى المقبرة وهو صغير ومن مزايا مهنة حفار القبور أنها تجعل من يعمل بها لا يطمع في شيء لأنه لا ينسى للحظة واحدة أن الدنيا فانية.
وتابع: إن مهنة حفار القبور تظل شريفة ولا يمكن الاستغناء عنها، فهي ملازمة للإنسان ما دامت الحياة مستمرة، فلا يمكن للميت إلّا أن يوارى الثرى بدفنه وإكرام الميت دفنه، ومن ثم الحاجة إلى خدمات حفار القبور بشكل دائم.
باحثة اجتماعية: يجب الابتعاد عن الفكرة المتداولة بأن حياة حفار القبور تكمن في موت الآخرين
ويؤكد الحفار أن هذه المهنة ليس لها مردود مادي كبير، فهي بالكاد تسد قوت يومه باعتبار الأجر الزهيد الذي يحصل عليه نهاية كل شهر من المحافظة قليل، علاوة على بعض التعويض المالي الذي يحصل عليه من أهالي الميت عندما ينتهي من دفنه.
ووفق معمر فإنه اضطر إلى ممارسة هذه المهنة لأنه لم يجد غيرها، كما أنه لا يتقن مهنة أخرى تتيح له الرزق، فهي مهنة لا تتطلب تعليماً ولا تحتاج سوى القوة البدنية والأيدي الخشنة التي تمسك بالفأس، وتنزع الأحجار من الأرض لتسهيل وضع الميت في قبره.
تنمر وسخرية
ويضيف أنه لا يمكنه إخفاء خجله من مهنته هذه خصوصاً عندما يطلب منه ذكر مهنته علانية، حتى إنه كان حريصاً على إدراج مهنة “عامل” في بطاقة تعريفه الرسمية وأشار إلى سخرية القدر إلى أنه اعتاد على مهنته وبات يسر عند سماع أن هناك وفاة أو حالة دفن لأنه سوف يحصل على البقشيش من أهل الميت لينطبق عليه القول المأثور مصائب قوم عند قوم فوائد
وتابع، حتى أبناؤه يتعرضون أحياناً للسخرية والتنمر بسبب هذه المهنة، ، مبدياً أسفه من كون “مكانة هذه المهنة وسط الناس تتسم بالدونية الاجتماعية”.
ارتباط بالموت
وتوضح الباحثة الاجتماعية والنفسية منى مهنا أن مهنة حفار القبور هي مهنة غير مرغوبة اجتماعياً وهناك نفور منها لكونها مرتبطة بالموت على أهميتها ، وتابعت، “يعيش حفار القبور أيضاً في مكانة اجتماعية ونفسية غير عادية وليست كبقية المهن الأخرى، فهي تعد من ضمن ما يمكن تسميته مهن الموت، من قبيل غسال الموتى والطبيب الشرعي وحارس المقبرة وسائق سيارة نقل الموتى وغيرها من المهن. وأشارت إلى أنّ حفار القبور يشاهد ضحايا وموتى وهناك مناظر تترك أثراً نفسياً سيئاً، وقد تمضي عدة أيام حتى ينسى ما رآه من صور مؤلمة
مشيرة إلى أن حفار القبور ينبغي عليه التكيف مع مهنته والاقتناع بها والنأي عن الفكرة المتداولة بأن حياة حفار القبور تكمن في موت الآخرين، لأن هذا المعطى يخلق نوعاً من الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير الذي لا حاجة إليه ولا مستند اجتماعياً له.
غرائب
ولأن مهنة حفار القبور لها علاقة وطيدة بشكل أو بآخر بعالم الموت والأموات، فإن عدداً من الوقائع الغريبة والطريفة تجري أمام أعينهم وبحضورهم أو يسمعون عنها من زملائهم في هذه المهنة.
ومن الوقائع التي يذكرها أحد حفاري القبور الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنه في إحدى المرات وبعد دفن امرأة سمع صوت بكاء طفل ينبعث من قبر السيدة وبعد إعادة فتح القبر من قبل أهل الفقيدة تبين أنها كانت حامل وأنجبت طفلها بالقبر وأطلق عليه فيما بعد لقب ابن الميتة
ومن الوقائع التي تحصل، وفق المصدر ذاته، أن زميلاً له عندما أكمل عملية الحفر والدفن وغادر الأهل المقبرة صار يشم رائحة جميلة تفوح من ذلك القبر طوال أيام متتالية، ليخبر بنفسه زملاءه الذين تأكدوا من الرائحة التي تعود لرجل فاضل مشهود له بالصلاح وعمل الخير وفق ما كان يُروى عنه.