(بينما ينامُ العالم) تغدو الرحمةُ ترفاً لا يمكن منحه!

تشرين- حنان علي:
«لحظةٌ واحدة أمكنها أن تسحق دماغاً وتغير مجرى حياة ومسار تاريخ»! وميضٌ متناهي الصغر من الزمن سوف تستعيده (داليا) في ذاكرتها مرات ومرات لسنواتٍ جمة، باحثة عن مفتاح لمعرفة ما جرى أو تلميح لما حدث لابنها المفقود، توقفت (داليا) كذلك فعل الزمن، صرخت كما لم تفعل حينما أحرق أبوها يدها في ذاك النهار البعيد، صرخة عالية، نافذة روحية، من أعمق لوعة يمكن أن تشعر بها أمّ، من أشد رغبة عمقاً في عودة الزمن بضع دقائق فقط.
(صباحات جنين) أو (بينما ينام العالم) أو (ندبة داوود) عناوين متمايزة ما بين طبعة وطبعة، بين لغة وأخرى اختيرت قبل أحد عشر عاماً لإطلاق رواية الكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى باللغة الفرنسية، عن حياة عائلة فلسطينية قاطنة في قرية (عين حوض) تم تهجيرها في عام النكبة إلى مخيم جنين إلى أن دمرت أكثر بيوته في الاجتياح الإسرائيلي إبان انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٢. تشبك الكاتبة مسيرة أجيال أربعة تحولت حياتهم إلى مأساة في الشتات بعد ترحيلهم قسراً من قريتهم عقب إعلان تأسيس كيان (إسرائيل) عام 1948، وذلك بتأثر من القصة القصيرة للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني عن طفل فلسطيني عثرت عليه أسرة يهودية في منزلٍ استولت عليه، وتولت تربيته. فتبني (أبو الهوى) روايتها على فكرة سرقة جندي يهودي مهاجر لطفلٍ فلسطيني يقوم بتربيته مع زوجته التي لا تنجب.
«لم يكن موشيه يعرف وزوجته أبداً أن الصغير اسمه إسماعيل، وأنه نجل داليا وحسن الفلاحيْن من قرية عين حوض الفلسطينية.. لم يدرك أيضاً أن صورة المرأة العربية وهي تصرخ ابني ابني! سوف تطارده طوال حياته، حارمة إياه من الطمأنينة حتى النهاية ! لكنه الآن لا يشعر بفعلته إلا بدافع الحب.. أما طرد أهل عين حوض فهو مسؤولية المرسوم القاطع:« أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض » لقد ردد هذه المقولة حتى كاد يؤمن بها، لولا تلك المرأة العربية .. لولا داليا» .
في رواية (بينما ينام العالم) تتشارك (آمال حسن) مع والدها قراءة الشعر الجاهلي، أو الشعر ما قبل انتشار الإسلام، بينما تقصف الطائرات الإسرائيلية بيروت، وتسوي بعض عماراتها بالأرض، يستشهد زوجها (ماجد) تاركاً جنيناً يتيماً قبل أن يولد، ثم تتم محاصرة جنين في نيسان ٢٠٠٢ ويسوى مخيمها بالأرض، وفي إعلان للأمم المتحدة أن ما حدث ليس بمذبحة وإنما قتل لبعض المسلحين.. (آمال) قتلت برصاصة قنّاص بينما تبحث عن ماء وطعام ، مثلها مثل أبرياء من قاطني المخيم.. «كانت الرحمة ترفاً لا يمكننا منحه».
من جانب ثانٍ، تحكي الكاتبة حكاية ربّ أسرة يهودية يريد التمام والكمال: « ينشد وطناً وزوجة وأسرة . جندي قاتل لإنقاذ الشعب اليهودي، لتستمر بملاحقته عمليات الاقتلاع والقتل والاغتصاب المروعة التي فعلوها بالعرب.. لا يقدر الرجل على مواجهة كل تلك الوجوه حتى باتت حياته تكاد تخلو من السكينة إلا تلك التي تأتيه مع الكأس حين يدخل ملاذه لإسكات شياطينه وإسكات نفسه » .
التجربة الذاتية والخيال والحنكة الروائية جنباً إلى جنبٍ مع اعتماد المراجع والمصادر الرسمية إضافة إلى اتكائها على رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» وكتابات إدوارد سعيد و قصائد محمود درويش، أظهرت الروائية (أبو الهوى) أفكار الضحية والجلاد، المنفى والوطن، إضافة إلى فكرة العداء للصهيونية.
« في وقت لاحق بمنزل اليهودي دافيد طلبت سارة إلى خالها إسكات التلفزيون الذي يبثّ صورة تلك الأنا الضخمة المصحوبة بدماغ أصغر ما يكون على حدّ تعبيرها وقالت في إحباط مهتاج : « يكرر المسؤول كلمة الإرهاب كثيراً، حتى بدأت أظن أنها حالة مرضية، نوعاً من التشنج اللاإرادي اللفظي غير القابل للشفاء .. إرهاب إرهاب إرهاب !».
(بينما ينام العالم)، ترجمت إلى لغات عدة، بينما أصدرتها إلى العربية دار «بلومزيري» للطباعة والنشر عام 2012، بترجمة سامية شنان تميمي .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار