تفرض الظروف الدولية وواقع إمكانيات الدولة معادلة واحدة يجب أن يعيها الجميع، وينطلقوا منها لتحقيق حياة أفضل لهم ولمجتمعهم وبلدهم..
على الصعيد الدولي فإن تحسن العلاقات السياسية مع العديد من الدول العربية وغير العربية وحتى ازدياد قوتها على الصعيد السياسي، ليس بالضرورة أن ينعكس إيجاباً على مستوى العلاقات الاقتصادية وتدفق الاستثمارات والمشاركة في إعادة الإعمار وغيرها من الأحلام التي تدغدغ مشاعرنا مع كل تحسن سياسي يمكن أن يطرأ، فاقتصادات أغلب دول العالم باتت تعتمد على شركات قطاع خاص يرغب في تحقيق الربح أولاً، ورغم الإجراءات الحكومية الكبيرة في التشجيع على الاستثمار، إلا أن ذلك وحده لن يغري الشركات الأجنبية بالدخول إلى سورية في ظل ظروف الحرب في المنطقة والعقوبات أحادية الجانب الأمريكية الغربية الظالمة المفروضة علينا…
أما بالنسبة لما يمكن أن تقدمه الجهات الحكومية من دعم فهو محدود لما تعانيه الخزينة العامة من اختلال كبير بين ايراداتها ونفقاتها لصالح النفقات، وتالياً فإن الدور الأفقي “الأبوي” للدولة الذي كان سائداً قبل الحرب على سورية غير ممكن ضمن الظروف الحالية، وسيبقى ضمن المدى المنظور مقتصراً على الدور العمودي “الإشراف” في أفضل الأحوال..
لهذا يتوجب على من يريد تحسين واقعه المعيشي والمادي أن ينطلق مما هو متاح لديه من إمكانيات مادية وقدرات تعليمية وتنظيمها بالشكل الأمثل للخروج بأفكار ريادية تضمن له دخلاً جيداً ومستمراً، وتبعده عن انتظار العون أو المساعدة أو حتى الراتب الثابت في القطاعين العام والخاص..
ولعل من أفضل وسائل تنظيم الجهود هو عملية تفعيل الإنتاج التعاوني في أريافنا وتكامل الجهود على مستوى كل بلدة ومنطقة ومحافظة، وهذا التنظيم موجود عن طريق آلاف التعاونيات الفلاحية المنتشرة في بلدنا منذ عقود، لكنه غير مفعل بسبب اقتصار دورها على توزيع الأعلاف أو تسليم بعض المحاصيل للدولة ومن ثم توزيع ثمنها على المنتجين…
والتسمية الدارجة لهذه التعاونيات في اقتصادات الدول حالياً هي القرى النموذجية، والتي نبحث عن تفعيلها رغم وجودها بين أيدينا، لكن ينقصها التنظيم وبعض التحديث والتفعيل.
إن تفعيل هذه التعاونيات يمكن أن يشكل منطلقاً لمزارعينا نحو القيام بمشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة، إذ إن تجميعهم لجهودهم سيضمن لهم قوة تفاوضية كبيرة مقابل التجار الذين يسوقون منتجاتهم، ويحصلون على النسبة الأكبر من الأرباح، على حساب المنتجين الحقيقيين، وكذلك يمكن أن يؤدي تجميع جهود المنتجين في منطقة واحدة إلى إنشاء معامل أو ورش صغيرة لتصنيع المواد الأولية الزراعية التي ينتجونها تحقق لهم قيمة مضافة أعلى، وتوجد فرص عمل للشباب الذين يهجرون الأرياف…
وحتى في موضوع التمويل فإن مثل هذه التكتلات سيشكل دافعاً للمصارف بمختلف أنواعها لتخفيف أسعار الفائدة، طالما أن المخاطر في المشروعات الجماعية ستكون أقل مقارنة بالفردية، وهذا ما يخفف من مصاريف التأسيس والتشغيل ويحقق مصلحة الجميع..
وربما يقتصر دور الجهات الحكومية على تأمين البنى المؤسساتية والتشريعية التي تسهل مشروعات كهذه وتقديم بعض الدعم المادي في مجال تأمين الأماكن اللازمة لإقامة الورش والمشروعات الصغيرة، وأغلب جهات الدولة أعلنت وتعلن عن استعدادها لتقديم مختلف التسهيلات..
مواردنا كثيرة لكن استثمارها يتطلب تعاون الجميع، ويستوجب تغيير نمط تفكيرنا، وهناك بعض المؤشرات الإيجابية على مستوى بعض الأفراد لكنها غير كافية إن لم تصبح ثقافة عامة خلال المدى القصير..