«ميدل إيست أي»: ببغائية وسائل الإعلام الغربية عبر ترديد الأكاذيب تمهّد الطريق للإبادة الجماعية في غزة

ترجمة وتحرير – لمى سليمان:
جاء في صحيفة «ميدل إيست أي»: ها هي الكوارث تلوح في الأفق فالصحافة الغربية فشلت في محاسبة «إسرائيل» وحتى في محاسبة حكوماتها.
وتساءل كاتب المقال: كيف وصلنا إلى اللحظة التي تستطيع فيها «إسرائيل» أن تأمر نصف سكان غزة – أكثر من مليوني شخص- بالانتقال من شمال سجنهم الصغير إلى جنوب سجنهم الصغير، في واحد من أكثر الأماكن اكتظاظاً على وجه الأرض؟ وكيف تم منح الفلسطينيين في غزة 24 ساعة للقيام بذلك وإلا واجهوا عواقب وخيمة، وقد تم التعامل مع أمر إخلاء السكان على أنه «إنذار مسبق» – وهو المفهوم الذي تلاعبت به «إسرائيل» لسنوات عديدة لتشويه القانون الدولي وإضفاء الشرعية على استهدافها للمدنيين.
الجميع يعرف أن كل من بقي في شمال غزة – الأطفال والمرضى والمسنون والمعاقون – سيواجه مصيراً مرعباً حسب الكاتب، إما وابلاً من القنابل أو غزواً برياً يشمل مئات الآلاف من القوات الإسرائيلية سعياً للانتقام لمقتل أكثر من 1300 إسرائيلي خلال «طوفان الأقصى».
مازال الزعماء الغربيون يتحدثون بكثرة عما سموه «الصدمة» التي يعاني منها اليهود ــ الصدمة التي كانت دولهم مسؤولة عنها في كثير من الأحيان ــ وما يترتب على ذلك من ضرورة عدم الإساءة إلى اليهود من خلال انتقاد «إسرائيل»، وبشكل خاص بعد حظر فرنسا وألمانيا التظاهرات تضامناً مع غزة، والمملكة المتحدة على وشك أن تحذو حذوها.
وتتابع الصحيفة: بالمقابل فإن لا أحد من هؤلاء القادة يبدي اهتماماً او يشعر بالقلق من أن العائلات في غزة التي تم طردها حالياً تعيش مع الصدمة الناجمة عن إجبارها على ترك منازلها تحت تهديد السلاح من «إسرائيل» عدة مرات قبل ذلك، وليس أقلها خلال النكبة في عام 1948 وأثناء حرب عام 1967.
وبالطبع فإن أمر الطرد الأخير يجبرهم على إعادة إحياء تلك الصدمة – فضلاً عن الرعب الناتج عن العيش تحت القنابل الإسرائيلية – ليس فقط في مخيلتهم ولكن في العالم الحقيقي، إذ إن الفلسطينيين يتعرضون للتطهير العرقي مرة أخرى على يد «قاتلهم المتسلسل» وهذه ليس مبالغة، ولديهم كل الأسباب للخوف من أن ما يحدث ليس «نقلاً مؤقتاً»، وقد يتحول إلى نكبة أخرى، إلا أن اللقطات هذه المرة عالية الدقة والألوان.
وأكد كاتب المقال أن الضوء الأخضر أعطي للإبادة الجماعية وقد تم تمهيد الطريق للإبادة من السياسيين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية الرسمية، لقد أعطوا الضوء الأخضر لـ«إسرائيل» لتفعل ما يحلو لها، فقد قام زعيم حزب العمال المعارض ورئيس الوزراء البريطاني القادم المحتمل كيم ستارمر، بتشكيل الإجماع السياسي بين الحزبين في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي من خلال إخبار المحاورين بأنه يدعم «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» من خلال فرض «حصار كامل» على فلسطين.
ويوضح كاتب المقال أن سكان غزة يُحرمون من الغذاء والمياه والكهرباء، استناداً إلى فكرة ــ صاغها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ــ مفادها بأنهم «حيوانات بشرية»، وبعبارة أخرى أكد ستارمر دعم حزب العمال لجرائم الحرب على غرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها «إسرائيل»، وفي يوم الجمعة ذهب غرانت شابس، نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الدفاع، إلى أبعد من ذلك، من خلال تأكيده المطلق أنه يدعم «حق إسرائيل» في التطهير العرقي للفلسطينيين في شمال غزة.
ولاحظ المستشار القانوني لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، كلايف بالدوين، أن أمر الإخلاء تم إصداره عندما «كانت الطرق أنقاضاً، والوقود شحيحاً، والمستشفى الرئيسي يقع في منطقة الإخلاء»، وأضاف: «على زعماء العالم أن يتحدثوا الآن قبل فوات الأوان»، لكن جزءاً من السبب وراء عدم تعرض زعماء العالم لأي ضغوط من أجل «التحدث بصوت عالٍ» هو أن وسائل الإعلام الرسمية لم تبذل أي جهد لوضع أقدامها على النار، حتى في حين تدوس «إسرائيل» على القانون الدولي بالكامل، وتستهزئ به.
ويتابع الكاتب: في الواقع، عندما طارد طاقم القناة الرابعة جيريمي كوربين في الشارع ليطلبوا منه «إدانة» حماس، كان التلميح القوي هو أن زعيم حزب العمال السابق تم تصويره مرة أخرى على أنه معادٍ للسامية – لتذكير المشاهدين بحقوق جميع المدنيين وينبغي توفير الحماية، بمن في ذلك الفلسطينيون في غزة.
وتحدث الكاتب عن حملات التضليل التي بدأت بها وسائل الإعلام البريطانية، وكانت سذاجة وسائل الإعلام صارخة بشكل خاص فيما يتعلق بالادعاءات بأن «حماس» قطعت رؤوس 40 طفلاً في هجوم نهاية الأسبوع الماضي، وبالطبع هذه الادعاءات غير العادية تتطلب أدلة غير عادية، لكن ليس بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية وخاصة عندما يتعلق الأمر بتشويه سمعة الشعب الفلسطيني.

ويبيّن الكاتب قائلاً: لقد تصدرت مزاعم قطع رؤوس الأطفال الصفحات الأولى للعديد من الصحف البريطانية، على الرغم من أن المصدر فقدَ مصداقيته في اللحظة التي خضع فيها للتدقيق. وسرعان ما تراجع الصحفيون الذين حضروا الجولة في المجمع الصغير بالقرب من غزة، حيث من المفترض أنه تم العثور على جثث الأطفال، عن هذا الادعاء، قائلين إنهم لم يروا أي جثث مقطوعة الرؤوس، أفضل ما يمكنهم فعله هو الإشارة إلى الجنود هناك الذين يقدمون هذا الادعاء، وعندما تم الضغط عليهم للحصول على أدلة، التزم «الجيش الإسرائيلي» الصمت على نحو غير عادي.
أما رئيس النظام الأمريكي جو بايدن فقد غالى في كذبه، مدعياً أنه قد تم عرض الصور عليه، لينفي البيت الأبيض سريعاً رؤية الرئيس لأي من هذه الصور وكان يعتمد على معلومات مضللة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأي شخص يفترض أن هذا الخطأ كان عادياً يحتاج إلى تذكيره ببعض أساسيات الصحافة.
وللمغالاة في التضليل فقد نشرت الصفحة الأولى لصحيفة «التايمز» يوم الجمعة صورة تعد بحد ذاتها دليلاً على مدى تواطؤ وسائل الإعلام في التلاعب بالمشاعر العامة، ووضعت الصحيفة العنوان الرئيسي «إسرائيل تعرض أطفالاً مشوهين»، وفي الصورة كان هناك أطفال صغار ملطخون بالدماء تم الادعاء بأنهم إسرائيليون، وفي الحقيقة فإن هؤلاء الأطفال لم يكونوا إسرائيليين بل كانوا أطفالاً فلسطينيين، يعلو على وجوههم وملابسهم غبار الركام والدم من جراء القصف الإسرائيلي لغزة.
كانت هذه المقاربة هي خدعة ساخرة تقتضي استخدام صور الأطفال الفلسطينيين الجرحى لزيادة الضجة المطالبة بالانتقام الإسرائيلي ــ وهو العنف الذي لن يؤدي إلا إلى إيجاد المزيد من الأطفال الفلسطينيين الجرحى والقتلى. كما انضمت صحيفة «التلغراف» إلى معركة التضليل أيضاً، حيث نشرت صورة غير واضحة قدمها مكتب نتنياهو، على ما يبدو لطفل ميت، ولم يكن هناك ما يشير بوضوح إلى قطع رأس الطفل.
ويوضح الكاتب: لم ينته الأمر عند هذا الحد وحتى بعد نشر الادعاء الخالي من الأدلة بأن حماس قطعت رؤوس الأطفال، والسبب هو أن تستخدم الحكومة الإسرائيلية الآن هذا الادعاء كأساس لإجراء مقارنة منافية للعقل لتخدم مصالحها الذاتية: إن «حماس هي تنظيم الدولة الإسلامية نفسه، الذي يقوم بقطع الرؤوس» ومرة أخرى سمحت وسائل الإعلام الغربية – الساذجة خادمة القوى الغربية – لنفسها بأن يتم التلاعب بها.
كما يوضح كاتب المقال الصورة المشوهة التي يحاول الإعلام الغربي بها تبرير العنف الإسرائيلي أمام الجماهير الغربية، وتكمن المشكلة الأعمق في تأطير وسائل الإعلام للأحداث، وتقديمها للجمهور صورة مشوهة إلى حد يرثى له عما يجري. ومن أجل الحياد المفترض تعمد هيئة الإذاعة البريطانية في كل فرصة على تصنيف حماس وفق الحكومات الغربية كمجموعة «إرهابية»، وبالمقابل تتجنب أي منظمة إعلامية أن تشير إلى الحكومة الإسرائيلية بعبارات مماثلة: مع ملاحظة أن «إسرائيل» تُصنف من منظمات حقوق الإنسان كدولة فصل عنصري وتنتهك القانون الدولي بشكل متسلسل، اذاً كيف يكون التصنيف هكذا ذا صلة إلا إذا لم يكن الهدف هو تقديم تقارير متوازنة.
وفي تحريف صارخ آخر للواقع الذي يواجهه الفلسطينيون _ينقله كاتب المقال ساخراً_والأكثر إثارة للدهشة لأنه يتناقض بشكل صارخ مع حساسية هيئة الإذاعة البريطانية لمعاناة الإسرائيليين ــ فقد وصف المذيع كلايف ميري مزاج الناس في غزة ليلة الجمعة بأنه «قلق»، كان ذلك في الوقت الذي أُجبر فيه أكثر من مليون منهم على مغادرة منازلهم، وشق طريقهم عبر الأنقاض للوصول إلى الجنوب، بينما كانت القنابل تنهمر عليهم بشكل غير متوقع، من دون طعام أو كهرباء ولا وجهة واضحة أو مكان للاحتماء بأمان. فكرة أن هؤلاء الناس كانوا “قلقين” – وهو الشعور الذي راودني بمجرد مشاهدة الصور من غزة – كانت ستصبح مثيرة للضحك اذا لم تكن مهينة للغاية.
وينقل الكاتب أسلوباً آخر يتبعه صحفيو «بي بي سي» في نقل الأحداث، ومازالوا بعد سنوات من التعرض للانتقادات في كل مرة يستخدمون فيها مثل هذه اللغة المسيئة في تغطية الهجوم الإسرائيلي الأخير في غزة، وما زالوا أيضاً يثبتون أنهم لم يتعلموا شيئاً وأن حياتهم المهنية تعتمد على عدم تعلم أي شيء، وكدليل فقد وصف موقع «بي بي سي» و«ورلد نيوز» مرة أخرى ما يحدث للفلسطينيين من قتل بقولهما إن الفلسطينيين «يموتون» في غزة، في حين أن الإسرائيليين «يُقتلون» كإثبات فاضح على قلب الوقائع.

ويتساءل الكاتب مستطرداً: هل يمكن للمرء أن يتخيل بأن هيئة الإذاعة البريطانية تصف اقتحام حماس الدموي لحفل جماهيري بالقرب من غزة في نهاية الأسبوع الماضي، ما أسفر عن مقتل المئات من رواد الحفل، بأنه انتقام لسنوات من الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، أو لآلاف المتظاهرين في غزة الذين تُركوا مبتوري الأطراف بسبب إطلاق القناصة الإسرائيليين النار عليهم في الساق، أم للأطفال المحرومين من المستقبل في سجن مفتوح تجري فيه دوريات إسرائيل براً وجواً وبحراً؟ بالطبع لا.
ومع ذلك، فإن لا أحد في هيئة الإذاعة البريطانية يفكر في وصف المذبحة اليومية التي يتعرض لها مئات الفلسطينيين، بمن في ذلك الأطفال الذين تمزقهم الصواريخ الإسرائيلية التي تتساقط من السماء، بأنها «انتقام»؟ والسؤال الوحيد المطروح على هؤلاء الصحفيين هو ما إذا كان من «المتناسب» أكثر أن يقتلوا عدداً أقل قليلاً كل يوم إلى أن يصبح من الممكن استعادة «الهدوء»؟.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار