«خبأته في قلبي».. أولى روايات «جيهان مصطفى»
تشرين- ثناء عليان:
رواية «خبأته في قلبي» لجيهان مصطفى والصادرة عن دار أعراف للطباعة والنشر، هي المولود الأول للكاتبة، تتحدث فيها عن حالة وجدانية لفتاة في العشرين من عمرها نشأت في بيئة مثالية، تعشق الفلسفة، كما أنها مشغوفة بالركض خلف الحقيقة؛ حقيقة الوجود وما وراءه، تعيش هذه الفتاة في الرواية صراعاً ما بين اليقين والشك، يقين بالأخلاق والقيم، وشك في إمكانية تحقيق تلك القيم في مجتمع يعاني تداعيات الحرب السلبية الأخلاقية والمعيشية، هي صرخة أنثى تسأل: هل حقاً المثاليون أناس تعساء، وإذا ما كانت الحقيقة التي نبحث عنها أو تبحث عنّا هي الأمانة التي تحملنا ما لا نطيق، فهذا يعني إما أنّ هذه الحقيقة سيئة حتى تترك في داخلنا كل هذا الضيق، وهذا افتراض غير منطقي، وإما أننا نبحث في الاتجاه الخاطئ، ليأتيها الجواب سريعاً من إحدى شخصيات الرواية فيقول لها:« حياة؛ لا ترهقي نفسك في البحث عن الطريق الصحيح للحقيقة، فالحقيقة هي التي تختار سالكيها من دون أن تطلب منهم شيئاً سوى المضيّ بشجاعة فيها».
خلال حفل توقيع الرواية الذي أقيم مؤخراً في المركز الثقافي في صافيتا، بحضور ثلة من المثقفين والمهتمين بالأدب أكدت الكاتبة مصطفى أنها تكتب منذ الطفولة شعر التفعيلة وقصيدة النثر والخاطرة والقصة، وهذه تجربتها الروائية الأولى، وليست الأخيرة، وخاصة أنها بدأت بكتابة روايتها الثانية، وتستعد لطباعة ديوان شعري بعنوان «العروج الأخير»، مشيرة إلى أن لديها مشاركات وكتابات أدبية في جريدة تشرين والثورة، كما شاركت في العديد من الأمسيات الشعرية على مستوى المحافظة وحصلت على عدة جوائز في مجالات الأدب المختلفة.
الدكتور محمد سليمان بيّن أن الكتابة في زمن قل فيه القرّاء والقراءة أمر صعب في حد ذاته، ولكن الأصعب حقيقة هو موضوع الكتابة، وما يطرح من أفكار، ويعالج من أمراض، وما يزرع من قيم لمواجهة هذا الكم المخيف من الأدب الوضيع والفن الرقيع الذي بات ينتشر كالنار في الهشيم، وهنا يأتي دور الكاتب مستعيناً بمخزونه الأدبي والأخلاقي لمحاربة هذا الفكر الهدام في شكله وأسلوبه، وقد جاءت هذه الرواية التي تتميز بالسهولة والوضوح والمشبعة بالقيم والمبادئ بكل ما فيها من أبعاد ثقافية واجتماعية وعرفانية ونفسية في لغة سليمة راقية وتراكيب متناسقة وافية بأسلوب متقن وسبك محكم، إضافة إلى التصوير النفسي الواضح والتجديد في طريقة العرض والسرد وفكرة الرواية وموضوعها الشائق ومضمونها الرائق.
ويرى سليمان أن الكلمات لا تفي أحياناً الكاتب حقه أو حق مؤلَّفه في بعض كلمات أو بضعة أسطر، خاصة عندما يكون الحديث عن كاتبة تعيش حالة روحية عالية، وتتمتع بمسحة عرفانية سامية، تعشق اللغة، وتتلمس مواضع الجمال والبيان، محبة للقراءة والأدب في مختلف ألوانه وفنونه، تبحث عن مواطن الخير والفضيلة، وتترجمها إلى كلمات تشع نوراً وحباً.
ولفت سليمان إلى أن الكاتبة هي في الأصل شاعرة، تمتلك إحساساً وشعوراً جميلاً، وتأخذ من قيم الحق والفضيلة شعاراً وترتديها حلة ودثاراً، ولا عجب –يضيف- فهي ربيبة والد كريم وراحل عظيم نهلت من سلسبيل شرابه، وتزودت من معين علومه وآدابه.
بدورها، أكدت الأديبة رولا أسبر أن الرواية خلاصة إنسانية جمالية في أبعادها، وبدا أن المؤلفة ذابت في أعماق الشخصية الروائية، مبينة أن الكاتبة ابتكرت لعبة زمنية كان الغرض منها إعلاء الرؤى الذاتية عندها أو إثباتاً لوجودية مستقبلية مثلت ترفاً في إدراك الكاتبة، ولاسيما أنها لجأت إلى الحلم المتسلسل لعلها تحافظ على استدامة الإيهام حول عالم خاص لا يشاركها فيه إلا قلة، تمثلت في توقها الإنساني إلى حضور في عالم المثال .
وترى أسبر أن الشخصيات في الرواية تباينت بين حضور هامشي على أطراف المواقف مثل حالة «أم فريد، السيدة نجلا، الأستاذ عارف» وبرز آخر في عمقها مثل «السيد غريب، الأب، الأم، جمال» وثمة غموض حول الشخصية الأساس البطلة، وتركتها من دون اسم صريح.
ونوهت أسبر بلغة الرواية التي انسابت من دون أن تعطلها الحمولة الشعورية الطاغية على لسان البطلة حياة في محطات واسعة، فناسبت الشخصيات الناطقة بها وفق مستوياتها، وأدت دورها في إبراز وجهات النظر المتباينة.