«آيزنهاور» تقلع باتجاه المنطقة لتنضم إلى «جيرالد فورد».. هل فشلت الضغوط والتهديدات الأميركية؟.. «طوفان الأقصى» في يومها التاسع.. الكيان الإسرائيلي يُوغل في العدوان ويُعيد تظهير خطة «آيلاند»
تشرين – مها سلطان:
مع دخول عملية «طوفان الأقصى » يومها التاسع، أعلنت الولايات المتحدة رسمياً عن إرسال حاملة طائرات ثانية إلى شرق المتوسط، فهل يعني ذلك أن حملة الضغوط والتهديدات التي تقودها واشنطن في المنطقة فشلت؟ وهل نفهم من هذا الإرسال أن واشنطن متيقنة بأن حرباً كبرى لا بد ستندلع في أعقاب طوفان الأقصى، أم هي من سيُشعلها، حيث بات من غير الممكن ضبط أطراف المنطقة أو العودة إلى حالة ما قبل «طوفان الأقصى» إلا من خلال حرب أو التهديد بحرب؟ ونحن هنا نتحدث عن أميركا والحرب التي توحي بأنها بصدد إشعالها ضد دول المنطقة من خلال إرسال حاملتي الطائرات.. ولا نتحدث عن الحرب التي تتدحرج كرتها بفعل استمرار الجريمة الإسرائيلية ضد غزة وأهلها على مرأى ومسمع العالم، موقعة المزيد من الضحايا والجرحى، وبالمئات، أغلبيتهم أطفال ونساء.
في إعلان «البنتاغون» عن إرسال حاملة الطائرات الثانية «دوايت دي آيزنهاور» حرص على تعداد ما تتضمنه من «قوة ردع» حسب تعبيره، فهي تضم طراد صواريخ موجهة ومدمرات و9 أسراب من الطائرات وطاقماً من هيئة الأركان.
وبانتظار أن تصل «آيزنهاور»، خلال أسبوعين حسب المتوقع، فإن الساحة تزداد تعقيداً، بحيث إنه بات من المتعذر تقديم توقعات جازمة حيال التطورات المقبلة، ومع ذلك هناك نظرية جديدة طفت على السطح حيال التحشيد العسكري الأمريكي الداعم للكيان الإسرائيلي، تتلخص في أن هذا الدعم يقوم على هدفين مترابطين: الأول هو الردع، والثاني هو استخدام هذا الردع نفسه لتحقيق المُبيت من المخططات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية بصورة نهائية، وعلى قاعدة أن أي طرف في المنطقة لن يجرؤ على توسيع جبهة «طوفان غزة» ما دامت أميركا ثبتت وجودها شرق المتوسط فيما يمكن اعتباره أكبر قاعدة عسكرية بحريّة في الخارج، والرسالة الأساسية هنا أن كل المنطقة في مرمانا، ومن دون أن ننشر جندياً واحداً على الأرض.. وما دامت التهديدات الأميركية لأطراف المنطقة علنية وواضحة لناحية «عدم استغلال الوضع لتوسيع الجبهة» فهل إن أي طرف سيتقدم ليوسع الجبهة؟
وعليه، تضيف تلك النظرية، إن الكيان الإسرائيلي لن ينفذ عملية برية في غزة رغم أنه ما زال يهدد بها، ويطلب من أهل غزة الإخلاء قبلها. الكيان الإسرائيلي سيستمر في القصف إلى حين تسوية غزة بالأرض.. وبعدها، وبناء على التطورات اللاحقة – والمتوقع أن تقودها أمريكا – سيتم تنفيذ المخطط التالي فيما يخص غزة والمقاومة الفلسطينية (ولاحقاً سيمتد المخطط إلى الضفة الغربية). وحسب المراقبين فإن الجزء الأول هو تفريغ غزة من أهلها في ترانسفير جديد، والجزء الثاني يتركز في احتواء هؤلاء ضمن «كيان جغرافي محدد» تمهيداً لما يُحذر منه المراقبون، وهو إقامة «دولة فلسطينية» على أرض سيناء/مصر. وبذلك يكون الكيان الإسرائيلي حقق هدفين، القضاء على المقاومة من جهة، وإنهاء القضية الفلسطينية من جهة ثانية، على اعتبار أن العقدة الأساسية تم حلها أي إقامة دولة فلسطينية.. ولكن هذا الحديث لا يستقيم ومصر قائمة وتعلن رفضها لهذا المخطط الذي من ضمنه الأردن أيضاً.
ومع ذلك هناك اتجاه واسع يؤكد أن التحشيد العسكري الأميركي شرق المتوسط هو ضمن هذا المخطط ولضمان تنفيذه بالكامل، إلى جانب هدف «استعادة الردع» الذي أعلنته أميركا ليس للكيان الإسرائيلي فقط بل لنفسها، إذ إن هيبتها في المنطقة في أدنى الدرجات ما انعكس بصورة كارثية على صورة الردع التي طالما كانت عنوان وجودها في المنطقة (والعالم).
وعلى هذا الأساس عاد إلى الضوء مجدداً ما يسمى مخطط «آيلاند» نسبة إلى الرئيس السابق لما يسمى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا آيلاند الذي طرح هذا المخطط في 25 تشرين الأول 2020.
ولنفهم أكثر، نعرض لبنود المخطط وفق ما نشرته العديد من وسائل الإعلام حينها، عربية وأجنبية.. واليوم تعيد نشر هذه البنود التي تقوم على:
ـ أولاً: إنْ تنقل مصر إلى قطاع غزة، مناطق من سيناء، مساحتها 720 كم2، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل ضلعه الأول تمتد على طول 24 كم على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غرباً حتى العريش، وبعرض 20 كم داخل سيناء. إضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوباً، ويمتد على طول الحدود بين «إسرائيل» ومصر، وتؤدي هذه الزيادة إلى مضاعفة حجم قطاع غزة البالغ حالياً 365 كم2 إلى نحو 3 مرات.
ـ ثانياً: توازي مساحة 720 كم2 نحو 12 % من أراضي الضفة الغربية، ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة الغربية التي ستضمها «إسرائيل» إليها، شاملة الكتل الاستيطانية الكبرى، وغلاف مدينة القدس (وحالياً القدس نفسها حسب سياسة نتنياهو).
ثالثاً: مقابل الأراضي التي ستتنازل عنها مصر لتوسيع قطاع غزة، ستحصل من «إسرائيل» على منطقة جنوب غرب النقب، توازي تقريباً مساحة المنطقة التي ستتنازل عنها، وبعد ذلك تسمح «إسرائيل» لمصر بارتباطٍ بريٍّ بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما، وستمر القناة التي يبلغ طولها نحو 10 كلم من الشرق إلى الغرب، على بعد 5 كلم من «إيلات» وتكون خاضعة للسيادة المصرية.
وعليه….
فإن الأراضي التي ستحتفظ بها «إسرائيل» في الضفة (حوالي 12%) أكبر بكثير من المساحة التي يمكن أن تحصل عليها في «الحل العادي». والـ 12% هي المساحة التي وصفها ايهود باراك عندما سافر لمؤتمر كامب ديفيد 2000، بالمساحة الحيوية للحفاظ على المصالح الإسرائيلية. هذا عدا عن احتفاظ «إسرائيل» بـ8% من أراضي الضفة الغربية بفعل ما يسمى جدار الفصل.
والواقع أنّ مساحة الـ 12% ستسمح لـ«إسرائيل» أيضاً بتقليص دراماتيكي في أعداد المستوطنين الواجب إخلاؤهم من الضفة، فيتقلص العدد من 100 ألف مستوطن إلى 30 ألفاً فقط.
بالإضافة إلى أنّ هذه المساحة ستسمح لـ«إسرائيل» بالاحتفاظ داخل حدودها بأماكن دينية ذات أهمية تاريخية وروحانية مثل مستوطنتي عوفرا، وكريات أربع، وتضمن الاحتفاظ بمستوطنة أريئيل داخل (إسرائيل).
هذا هو مخطط آيلاند وبنوده على ذمة الوسائل الإعلامية، علماً أن الكيان الإسرائيلي سبق وأعلن عن هذه البنود مرات عدة، ولكن لم يتم طرحها بصورة مباشرة، بمعنى معلنة، وإنما كان يجري التفاوض حولها من خلف الكواليس، من دون أن يقبل بها أي من الأطراف المعنية، ولاحظ الجميع كيف أن مصر أعلنت مباشرة رفضاً فورياً قطعياً لكل مخطط من هذا النوع، وذلك في أعقاب عودته إلى دائرة الضوء، في أعقاب الأوامر الإسرائيلية لأهل غزة بالتوجه جنوباً باتجاه رفح بذريعة حماية أنفسهم من القصف الإسرائيلي وقبيل تنفيذ العملية البرية.
لكن الاعتقاد يتجه إلى أن المخطط الإسرائيلي أكبر وأوسع، وإن كانت بنود مخطط آيلاند تشكل نواة أساسية له، لأن الكيان الإسرائيلي يسعى للاستيلاء على كامل قطاع غزة، مقابل ترحيل أهله إلى رفح وتجميعهم في هذه النقطة، لتتحول بعد ذلك إلى قضية دولية إنسانية ستمارس كل أنواع الضغوط لتحلها «إسرائيل» وفق ما تريد، وبدولة فلسطينية خارج فلسطين تماماً.
بكل الأحوال، ما زالت الاحتمالات مفتوحة على حرب كبرى في المنطقة، وهذه الحرب بدورها مفتوحة على نتائج كبرى، ستحدد مصير المنطقة، ولأنها ستكون الأكثر تعقيداً والأصعب لناحية المواجهة والحسم، ولأن أقطاباً دولية عدة تتواجد فعلياً هنا، سواء عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً، فإن العالم كله يترقب ويضبط ساعته على إيقاع تطورات المنطقة وعلى القاعدة آنفة الذكر، بأن كل الاحتمالات مفتوحة.