بقيادة المايسترو «فادي بن عثمان» السيمفونيّة الوطنيّة السوريّة تخصّص برنامجاً لـ«موتزارت»
تشرين – إدريس مراد:
في رسالة كتبها موتزارت إلى والده عام 1783، ذكر فيها رأيه عن الأوبرا، يقول: «…يجب أن أحدثك الآن عن أفكاري تجاه الأوبرا، إنني لا أعتقد أن الأوبرا الإيطالية تستطيع أن تدوم أكثر مما بلغته حتى الآن، وبالنسبة لي فإنني أفضل الأوبرا الألمانية، حتى لو كلفتني آلاماً ومتاعب أكبر فأنني سأظل أفضلّها، إن لكلِّ أمة لغتها الأوبرالية، فلّم لا تكون للألمان لغتهم الخاصة، إنني أكتب في الوقت الحاضر أوبرا ألمانية، إرضاءً لرغبتي الشخصية، ولكنها ستبقى سراً إلى أن أنهيها».
هكذا تبدو نيات موتزارت واضحة، فهو لا يكتفي باستعمال الكلمات الألمانية فحسب، بل يبحث عن وسائل تعبير ألمانية بشخصيتها وكيانها، ومن هنا أتى معظم أوبراته بما في ذلك الناطقة بالإيطالية تظهر ميلاً تجاه «الزنجشبيل» – المسرح القومي الألماني-، ويظهر هذا أكثر في أوبرا الاختطاف من السراي التي كتبها سنة 1782، أما أوبرا (أيدو مينيو) التي كتبها سنة 1781 المندرجة ضمن شكل السيبرا من الأوبرات، أي ذات الطابع الجدي، فهي أيضاً ذات روح غنائية حادة متوثبة وتتميز بقوة الأسلوب وبساطة اللغة.
السيمفونية السورية تحتفي بموتزارت
من هذين العملين المذكورين أعلاه، اختارت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو الضيف التونسي فادي بن عثمان خلال حفلها الأخير في دار الأسد للثقافة والفنون- أوبرا دمشق، الافتتاحية من (الاختطاف من السراي)، والتي نفذتها الفرقة بحرفية عالية، واستطاعت أن تجذب الحضور بإمكاناتها المخضرمة، والتي تستطيع أداء أي عمل موسيقي مهما كانت صعوبته.
أما من أوبرا (أيدو مينيو)، فقد أدّت منها المغنية الأوبرالية السورية (رشا أبو شكر) مشهداً برفقة الفرقة، ظهرت فيه طبيعة صوتها الدرامي، وتعبيرها الغنائي، وهما ما يميزان الغناء الأوبرالي، فمن خلال الصوت يجري إظهار أبعاد الشخصية الدرامية التي تمثلها في العمل المسرحي الأوبرالي، وقدرة الإبداع على خشبة المسرح، وتالياً حركت أبو شكر مشاعر المستمع عبر نقل تلك الصور التي تكوّنت على المسرح بكمالها الفني، ومرونتها وقوة الانفعال الداخلي لها، وتلك القدرة على الانتقال السريع من صورة الى أخرى في مختلف الأعمال.
مشاركة تونسيّة ثانية
كما قدمت الفرقة من أعمال موتزارت أيضاً، لكونها خصصت هذه الأمسية لأعماله فقط، كونشيرتو لآلة الكلارينيت والأوركسترا سلم لا ماجور، مصنف رقم 622، ذات الثلاث حركات، حركة حيوية، حركة بطيئة، روندو – حركة حيوية، ومثل آلة الكلارينيت كأداء منفرد الموسيقي التونسي (يوسف المسعودي)، ويعد هذا العمل هو الفريد، إذ وصل فيه موتزرات لذروة كتابة الكونشيرتو، حيث استغل فيه خصائص آلة الكلارينيت إلى آخر حد تسمح به ممكناتها الآلية وقامت بالتغريد في صورة جزلة ساحرة، ونسيج هذا الكونشيرتو محكم للغاية ما دعا إلى إشراك آلة الصولو ضمن فقرات العزف الجماعي، وقد حقق فيه (المسعودي) إدهاشاً عبر تمكنه من أدواته كموسيقي وتمكنه من التنقل بين النغمات بخفة ورشاقة.
من سيمفونيّات موتزارت
كما أدت السيمفونية السورية بقيادة بن عثمان، سيمفونية موتزارت رقم (34 سلم دو ماجور، مصنف رقم 338)، ذات حركة حيوية، ومعتدلة البطء، وحيوية، يبين موتزارت من خلالها براعته في البوليفونية الجديدة المتحررة في الجمع بين الآلات الموسيقية، رغم قيام (هايدن) بتطوير هذه المبادئ، لكن الحل الذي اهتدى إليه موتزارت كان في قمة الأصالة، فلقد أسفرت إحاطته بالبوليفونية والقوالب عن لغة هارمونية متخصصة ومدى من الرنين النغمي المفتوح على الأفق، فقدم أفضل ما لديه في الحركات البطيئة الرخيمة، مهتدياً بالرائد الذي رجع إليه والمتطور في لغة الإلياذة وهو (باخ) ملحن الميلودية الفذ.. أما المرونة التي تنقصه فقد وجدها عند (هايدن)، الذي أحدث أسلوبه السيمفوني تغييراً شاملاً في نظرته، وعلمه في فن المنطق النغمي والمواصلة السيمفونية التي عزفتها السيمفونية الوطنية السورية ببراعة عالية الدقة، جاءت درامية مفعمة بالمشاعر ومدهشة بكل آلة عزفت جملاً منفردة، ونستشف من هذا العمل وصول موتزارت حينها حتى أصبحت الأوركسترا قادرة على الاضطلاع بأعباء لم تخطر في بال أهل القرن الذي عاش فيه، فكل آلة فيها تفصح عن شخصيتها، بعد أن خصص لها دوراً رئيساً، وكذلك نسج ميلودي مملوء بالتنويعات التي اعتمدت على لحن عميق الإثارة.