الضغوط المعيشية وقلة التعويضات والحوافز «تكسر» قلم الصحفي وتدفعه نحو مهن جانبية قد لاتليق..!
تشرين – دينا عبد:
بات ضعف بند الحوافز المالية السبب الرئيسي في عزوف البعض عن اتخاذ الصحافة مهنة له، وكذلك عدم الاستمرار فيها، فالحوافز تشجع على الانخراط في مهنة البحث عن المتاعب.
لعلها مشكلة كبيرة أن تتم معاملة الصحفيين في المؤسسات الحكومية مالياً بذات المعايير الخاصة بالموظفين الإداريين، فيتساوى الصحفي تقريباً في الرواتب والحوافز مع الإدارييين الذين يعملون في هذه الصحف، من دون أي تمييز لهم، رغم اختلاف المهام وطبيعة العمل، فالموظف الإداري لا يتعرض للضغوط التي يتعرض لها الصحفي، بينما يبقي الصحفي مشغولاً على الدوام، حتى في أوقات راحته، ويأخذ عمله ومشاكله وهمومه معه إلى بيته..ويتكبد نفقات كبيرة لجمع المعلومات وإعداد مادته الصحفية، وهي نفقات كبيرة ..أكبر بكثير مما يحصل عليه من تعويضات، وتستهلك حتى راتبه الذي يحصل عليه وفق أحكام القانون رقم ٥٠.
آراء
أحد الزملاء الصحفيين بين أن الصحافة السورية تعيش أسوأ أيامها وذلك بسبب توقف الصحف الورقية قبل نحو ثلاث سنوات لأن الإعلام الإلكتروني الذي تسيّد الساحة لم يستطع أن يملأ الفراغ الذي تركته الصحف الورقية حيث بات كل من هبّ ودب يطلق على نفسه لقب إعلامي وينشر المحتوى الذي يريده في فوضى غير مسبوقة وقد انعكس غياب الصحف الورقية سلباً على أوضاع الصحفيين عموماً بالتزامن مع الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية ومختلف أنواع الخدمات، حيث لم تواكب التعويضات الشحيحة التي تقدم للصحفي من طبيعة عمل واستكتاب القفزات الهائلة في الأسعار وهذا ما جعل الصحفي يرزح تحت واقع معيشي صعب اضطر الكثير منهم للبحث عن عمل آخر لا علاقة له بالصحافة كي يستطيع العيش في ظل الغلاء الكبير بالمعيشة.
عبد النور: الأمر مرهون بإمكانيات كل صحفي وحسب الفرص المتاحة لكل شخص
فالوضع الاقتصادي يضغط على الجميع ومن ضمنهم الصحفيين
مشيراً إلى أن الخيارات المعيشية أمام الصحفي ضئيلة إذ لا يستطيع أن يمتهن أي مهنة أخرى ولا سيما أن معظم الصحفيين قضوا أغلب سنوات عملهم في الميدان الصحفي حيث كان القلم سلاحهم وأداتهم لنقل أوجاع ومعاناة المجتمع من دون أن يكون هناك من يشعر بمعاناة الصحفي ويحاول معالجة همومه.. وبقي (التريث) سيد الموقف في كل مرة تطرح فيها معاناة الصحفيين أمام أصحاب القرار، حيث نسي هؤلاء أن الصحفي مثله مثل باقي أفراد المجتمع له احتياجات ومطالب يجب أن تلبى كي يبقى صوت الناس، والمشكلة في عملية بحث الصحفي عن عمل آخر يعيش منه هو أنه لا يستطيع العمل سوى بالصحافة وهذا المجال مسدود الأفق حالياً، حيث لا توجد فرص عمل وإذا وجد فإن الأجور قليلة لأن القطاع الخاص (المواقع الإلكترونية المتاحة) شبه مفلسة ولا تقدم تعويضات قيمة، ومن المؤسف أنه ليس أمام الصحفي من مخرج لكي يعيش بكرامة سوى العمل في مهن أخرى بعيدة عن الكتابة، ولكن ليس هذا متاحاً للجميع، لذلك سيظل معظم الصحفيين في بلادنا يعانون ويتعرضون لضغوط نفسية وجسدية نتيجة الوضع الحالي الصعب وهذا ما يستوجب بحث معالجة وضعهم المعيشي على أعلى المستويات وإلا فإن ما تبقى من إعلام سيلفظ أنفاسه الأخيرة.
واقترح الزميل في النهاية أن يجري تقديم عروض استثمار للمؤسسات الإعلامية بحيث يعود جزء من المردود المادي للصحفيين الذين مازالوا يحملون هموم الوطن والناس.
زميل آخر بين أن العمل الصحفي أخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى ولا يليق بأي(صحفي) العمل خارج هذا المربع أو التفكير بأي عمل يشغله عن متابعة نشاطه المهني كل يوم لأن العمل الصحفي يتطلب الملاحقة والتدقيق والتمحيص والدقة والتحري في استنباط الحقيقة لذلك يجب ألا يعمل الصحفي أي عمل إلا في إطار عمله فقط.
ورأت زميلة أخرى أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء الشعب ومنهم الصحفيين من غلاء للمعيشة وهو نتيجة حتمية لما خلفته الحرب على مدار اثني عشر عاماً والحصار والعقوبات المفروضة على بلدنا انعكس سلباً علينا، و في كافة مجالات الحياة لتضيق الخناق على الشعب السوري حتى بات الجميع يبحث عن مردود آخر ليقتات منه ويعينه على تأمين لقمة العيش وتعليم أولاده و تأمين أجرة المنزل الذي يسكنه وغيرها من متطلبات الحياة، وحتى نحن الإعلاميون والصحفيون اضطررنا للعمل خارج أوقات دوامنا فمنا من ذهب باتجاه العمل في الصحف ومواقع إلكترونية، ومحطات خاصة، وآخرون اضطروا للعمل خارج الاختصاص، بل والبعض لجأ الى الدخول في عالم مهني بعيد كل البعد عن الصحافة لاغياً كل اعتبارات المهنة العلمية والاجتماعية التي باتت هذه الأيام لا تسمن ولا تغني من جوع، كالعمل سائق تكسي أو مراقب دوام أو في محلات لبيع الألبسة أو تعليم دروس خصوصية هاجرين القلم ومهنة الإبداع التي لم تعد تؤتي أوكلها.
بينما تعرف زميلة أخرى صحفيين يعملون في التدقيق اللغوي والدروس الخصوصية وفي المواقع الإلكترونية ومنهم من يعمل في مجالات بعيدة عن اختصاصهم عملاً ( بالضرورات تبيح المحظورات)
وتضيف أعرف أحدهم يعمل في سوبر ماركت وآخر في الأعمال الزراعية وآخر سائق تاكسي، ومنهم أيضاً من يعمل كمساعد لبعض المهن كتمديد الكهرباء والبلاط والطينة.
ففي ظل الظروف المعيشية الصعبة، والتي ترخي بثقلها على كل مواطن سوري مهما كانت طبيعة عمله، باتت مزاولة أي عمل في حال دعت الحاجة هدفاً سامياً لإنقاذ ماء الوجه ولتأمين حاجات المنزل والعائلة التي لا تنتهي، وليس هناك أي عمل مخجل، لكن هناك أعمال لم يعد باستطاعة الصحفي القيام بها، وخاصة إذا كان متقدماً بالسن أو اقترب من سن التقاعد، ولكن في حال دعت الحاجة من الضروري أن يبحث في البداية عن عمل يتناسب ووضعه الصحي والمهني، كأن يعمل في مكتبة أو مراسلأً للمواقع الإلكترونية، وإذا كان متمكناً من إتقان لغة كالعربية والإنكليزية بإمكانه العمل في معهد أو تدريس ساعات.
شويكي: زيادة (تعويض الاختصاص) هو مطلب أساسي للصحفيين منذ سنوات
رئيس اتحاد الصحفيين موسى عبد النور رداً على المجال الذي يبدع فيه الصحفي غير الصحافة أشار إلى أن هذا الأمر مرهون بإمكانيات كل صحفي وحسب الفرص المتاحة لكل شخص فالوضع الاقتصادي يضغط على الجميع ومن ضمنهم الصحفيين.
السفر هو الحل..
السفر أصبح أولوية أمام كل مواطن وليس كل صحفي ( بحسب عبد النور) من أجل تحسين الوضع المعيشي؛ وأنا بتصوري من يعشق مهنة الصحافة أو كما يقال: ( من مهنة الصحافة بدمه لا يمكن أن يتخلى عنها بهذه السهولة) فإذا هجر الصحف الرسمية سيذهب إلى القطاع الخاص أوسيبحث عن فرصة عمل في وسيلة إعلامية خارج القطر من أجل تحسين دخله بهذا المجال.
فالخيارات متاحة أمام الناس من أجل أن يكون هنالك فرص عمل تحقق دخل لأنه أصبح الهم الأساسي أمام المواطن لتأمين لقمة العيش؛ إضافة إلى ذلك فالكثير من الصحفيين إضافة لعملهم يبحثون عن عمل آخر سواء إعلامي في مؤسسة إعلامية أو في موقع خاص أو ما شابه ذلك؛ فالوضع صعب بالتأكيد على الجميع وهذا له أسبابه المعروفة؛ الحصار الخانق- الإجراءات القسرية – وإمكانيات محدودة للدولة في هذا المجال؛ وبالتالي المسألة تعتبر خيار شخصي لكل شخص فيما يتعلق سواء بعمل آخر أو هجر المهنة.
طبيعة العمل هم أساسي
فيما يتعلق بالمطالبة بإقرار طبيعة العمل فقد أقرت في اللجنة الاقتصادية ولجنة التنمية البشرية ومجلس الوزراء ؛ وتمت المراسلة الآن ما بين وزارة الإعلام ووزارة المالية ويجب أن تأخذ طريقها إلى الإصدار؛ ولكن هل تبقى على١٣% أو تكون أكثر من ذلك بكثير؟ هل تتم الاستجابة؟ نحن نتابع هذا الأمر من أجل إصدارها لأن المقترح كان أكثر من ١٣%بكثير؛ وبين عبد النور أنه خلال الفترات الماضية كان الرد كلمة ( للتريث)، لكن عندما أقرت في مجلس الوزراء طلبوا أيضاً كم العبء المالي الذي سيكون نتيجة هذا الأمر – أيضاً رفع قيمة العبء المالي التقديري وبالتالي يفترض الأمور جاهزة لإصدار قرار طبيعة العمل بالنسبة للصحفيين؛ لكن ما نتمناه هو ألا تكون ١٣ % لأن طبيعة العمل بالنسبة للصحفيين تستحق أن تكون أكثر من ذلك.
50 شهيداً
وتحدث عبد النور عن إنجازات الصحفي فما قدمه خلال سنوات الحرب على سورية لم يقدم من قبل أي إعلامي في أي مكان؛ لأن الصحفي السوري كان دائماً مستهدف نتيجة عمله كصحفي ففي بداية الحرب على سورية كان مهدداً بعمله، وعائلته، وظروف العمل التي يعمل بها؛ وبالتالي دفعنا أكثر من ٥٠ شهيداً من الإعلام نتيجة هذه الظروف؛ إضافة إلى الجرحى سواء من زملائنا الإعلاميين أو حتى العاملين في المهن المكملة كالتصوير والإخراج؛ ولم يتوقف الأمر عند الاستهداف بهذه الطريقة، أيضاً هناك حرب متواصلة في مجالات أخرى فالحرب بدأت إعلامياً وانتقلت إلى جوانب أخرى والإعلام موجود في كل هذه الجوانب سواء كانت الحرب اقتصادية- عسكرية أو حتى دبلوماسية والأخطر الآن هو ما نواجهه من خلال حرب مواقع التواصل الاجتماعي هذه الحرب تستهدف المواطن السوري و(تتباكى) على حال المواطن والشعب السوري وتنسى من هو المسبب لهذه الحالة التي وصل لها وبالتالي الإعلام أيضاً يجب أن يواجه مثل هذه الحرب التي تستهدف المواطن.
الإعلامي يعكس هموم المواطن
وأشار إلى أن ما مربه الصحفي السوري خلال هذه الفترة من تجارب لم يمر بها أي صحفي في أي دولة أخرى؛ إضافة إلى ذلك وباء كورونا والكوارث الإنسانية سواء الزلزال أو حتى الحرائق مجمل هذه الأمور جعلت الصحفي السوري يكون أمام تحديات كبيرة ويقوم بواجبه بكل أمانة.
بعد حفر المناجم
رئيس قسم الاعلام الإلكتروني في جامعة دمشق د. أحمد علي الشعراوي يجد أن مهنة الصحافة ثاني أصعب مهنة في العالم بعد حفر المناجم فهي تحتاج إلى جهد عقلي وفكري كبير وإمكانيات ومتابعة حثيثة، ونحن دائماً نقول لطلابنا إذا رغبت أن تعمل صحفياً فعليك أن تعمل 24 ساعة و 7 أيام في الأسبوع و365 يوماً في السنة، فالصحفي يجب أن يعمل طوال الوقت وإلا يصبح خارج الزمن فتواتر الأحداث يحتاج إلى متابعة من الصحفي بشكل مستمر فهو في حالة عمل دائمة.
ونحن من خلال الكلية نقوم بإعداد الطالب إعداداً فكرياً صحيحاً ليستوعب معنى العمل الصحفي بشكل عام ويتمكن من أدواته بإنتاج المحتوى على مدى أربع سنوات، المنهاج مدروس بحيث عندما يتخرج الطالب يكون جاهزاً لسوق العمل ويكون قيمة مضافة لأي وسيلة من وسائل الإعلام في المجالات والتخصصات الأربعة، وأشار د. الشعراوي إلى أن الإعلامي اليوم يحتاج إلى مصاريف وإنفاق في حال قرر أن ينجز مادة صحفية تحتاج مواصلات، مكالمات، طبيعة عمل، لذلك فإن طبيعة العمل مهمة جداً لرفد الصحفي مادياً حتى يستطيع أن يقوم بعمله على أكمل وجه، وإذا لم يكن هناك طبيعة عمل هذا سيؤثر على طبيعة المادة عندما يكون الأجر المادي متدني فإن المادة لن تكون بالمستوى الصحفي المطلوب.
د.الشعراوي: إذا أردنا المحافظة على الصحفيين يجب أن يكون لديهم مردود مادي جيد جداً
ولم ينكر رئيس قسم الاعلام الالكتروني في جامعة دمشق أن هناك الكثير من الصحفيين يقومون بواجبهم بإخلاص ولكنهم يحتاجون إلى دعم مادي لأن المادة اليوم مثل الوقود للسيارة بدون الوقود لا تستطيع السيارة أن تسير.
وإذا أردنا المحافظة على الصحفيين يجب أن يكون لديهم مردود مادي جيد جداً، فالعمل الميداني بالنسبة للصحفي يحتاج إلى دعم مادي كبير وإمكانيات وتنقلات وأدوات، لأن المادة الجيدة تحتاج إلى نفقات ومصاريف وهذه يجب أن تكون متوفرة.
مطالبات تحت القبة
عضو مجلس الشعب خالد الشويكي طالب في أكثر من جلسة لمجلس الشعب بزيادة تعويض طبيعة العمل الصحفي وذلك أسوة بزيادة طبيعة العمل التي حصلت في النقابات والمؤسسات.
وبيّن أن مطالبتنا هي لأن العمل الصحفي يتطلب جهداً فكرياً والكثير من المصاريف المالية وقد وعدنا كثيراً ومنذ سنوات بتحقيق مطلبنا كصحفيين من الحكومات السابقة والحكومة الحالية, ولكن كل ذلك بقي (للتريث) مع العلم أن الكتلة المالية ليست بكبيرة للصحفيين نسبة لبقية الفئات الأخرى التي منحت زيادة طبيعة العمل وبالأخص أن عدد الصحفيين قليل قياساً ببقية النقابات والمؤسسات الذين حصلوا على زيادة تعويض طبيعة العمل.
وأشار الشويكي إلى أن زيادة التعويض الصحفي (تعويض الاختصاص) هو مطلب أساسي للصحفيين منذ سنوات ولكن هذا المطلب وبرغم الإلحاح الشديد عليه من قبلنا نحن كصحفيين في المؤتمرات السنوية وكذلك الانتخابية ومن قبل اتحاد الصحفيين الذي يطالب به بشكل دائم, وبرغم ذلك لم ير هذا المطلب النور لا من الحكومات السابقة ولا الحكومة الحالية والذين يجمعون دائماً بدلاً من وضع كلمة الموافقة على الكتب التي تقدم للمطالبة بالتعويض بوضع كلمة (للتريث) وهذا ما يجعل الصحفيين في حيرة من أمرهم فلماذا كل هذا التمييز بين اتحاد الصحفيين وبقية النقابات والاتحادات المثيلة الذين تمت الموافقة لهم على زيادة التعويضات؟ والصحفيين نجد بأن هناك عائقاً أمام الحكومة برفع التعويض وهذا صراحة شيء مستغرب.
ولكن برغم كل ذلك فكلمة (للتريث) لا يمكن أن تبعد الصحفيين عن المطالبة بالتعويض لحين الموافقة عليها، ولو توقفنا قليلاً عند زيادة التعويض الصحفي (تعويض الاختصاص) سنجد بأنه لا يؤثر مادياً على الخزينة نظراً لقلة عدد الصحفيين قياساً بالنقابات الأخرى وكل من يحصل على زيادة التعويضات.
خلف: لم يعد القلم مصدراً آمناً للدخل والاستمرار بكرامة
والجدير ذكره هو أن اللجنة الاقتصادية سبق وأن وافقت باجتماعها في شهر شباط من العام 2021 على زيادة التعويض من 6,5 % إلى 13% على الراتب الحالي وللأسف لم يوافق عليها رئيس مجلس الوزراء رغم المطالبات الكثيرة بضرورة الموافقة عليها، وبعد أن تابعنا الزيادات التي حصلت عليها بعض النقابات والتي تجاوزت التعويض المطلوب للصحفيين بثلاثة أضعاف نجد بأنه بات من الضروري المطالبة بزيادة التعويض لأكثر من 13 % للصحفيين نظراً للموافقات التي حصلت عليها النقابات الأخرى والتي وصلِت إلى 40%.
الطابع البيروقراطي
بدوره أمين السر العام لاتحاد الصحفيين يونس خلف أشار إلى أنه على الرغم من أن العمل الصحفي هو بالأساس عمل إبداعي يتطلب تهيئة مناخ حي وعلاقات عمل إنسانية تختلف عنها في أي مؤسسة أخرى إلا أن الإشكالية عندنا إعطاء العمل الصحفي طابعاً بيروقراطياً منذ تشميل الصحفيين بقانون العاملين الأساسي واعتبارهم موظفين؛ وأكثر من ذلك يحالون على التقاعد في سن الستين بدلاً من الاستفادة من خبراتهم ؛ ومن النادر أن تجد صحفياً سورياً يكرس جهوده وموهبته وخبرته لوسيلة إعلامية واحدة يشعر بالانتماء لها والأمان الحقيقي فيها ليعطيها بقدر ما تعطيه وأكثر؛ والإشكالية الأخرى التي تواجه العمل الصحفي هي إلى أي مدى يمكن تجاوز النظر
إلى المؤسسة الإعلامية بنفس المنظار لأي مؤسسه خدمية أو استهلاكية؟
إن أي مناخ ملائم للعمل الصحفي يجب أن يضمن لمهنة الصحافة حماية الحقوق المهنية للصحفيين وأهم هذه الحقوق استقلال الصحفي في ممارسة مهنته وألا يكون عرضة للعقاب أو الإيذاء أو المساس بأمنه بسبب ممارسة مهنته وحقه في الحصول على المعلومات من مصادرها الأصلية؛ وأن يكون لاتحاد الصحفيين وحده مسؤولية محاسبة
الصحفي عن إخلاله بأعراف وتقاليد وأخلاق المهنة
ولذلك يبدو السؤال مشروعاً: هل الهجرة من العمل الإعلامي إلى أعمال أخرى ظاهرة عادية أم أنها تستوجب التأمل والتفكير والتحليل وربط ذلك بواقع العمل الصحفي والحياة الإعلامية اليومية ؟وقبل ذلك بواقع حال الصحفيين الذين يعجزون اليوم حتى عن الاستمرار بالحياة نتيجة ظروفهم المعيشية وعدم الاهتمام بهم والتفكير بالحفاظ عليهم والاستفادة من خبراتهم وهل الظروف والإمكانيات المناسبة متاحة اليوم للإعلامي السوري كي يستمر في مهامه ويرتقي بهذه المهام كما يجب ؟
لقد كثر الحديث حول توجه الصحفيين للعمل في قطاعات أخرى غير الإعلام وبدت هذه الظاهرة أكثر وضوحاً في انتخابات الإدارة المحلية واللافت هو وجود أسماء من الإعلاميين ممن لهم حضورهم وكلمتهم ومسيرتهم الإعلامية الغنية؛ وخلاصة القول: اعتقد أن الموضوع يتعلق بسببين: الأول مناخ العمل الإعلامي الموجود والظروف المعيشية الصعبة حيث لم يعد القلم والكلمة مصدراً آمناً للدخل والاستمرار بالحياة بكرامة.