«طوفان الأقصى» تعيد تدوير البوصلة وتجرف معها أقطاباً بائدة
تشرين – لمى سليمان:
ربما لم يعد حلمنا العربي مجرد أغنية تصدح على المنابر نعيدها مرات ومرات كلما أردنا أن نستثير هممنا الفاترة.. الآن وبعظمة المقاومة الفلسطينية نعيش هذا الحلم يومياً وفي الساعة واللحظة كلما طالعنا خبراً عن صاروخ وقتيل صهيوني.. لم يعد الأمر يقتصر على فلسطين ولا الكيان الإسرائيلي.. نحن الآن أمام قطبية عالمية جديدة ترسمها المقاومة بخطاها وقوتها وفيضانها الذي لا يترك ولا يذر.
برأي الكاتب والمحلل السياسي اللبناني الدكتور فيصل مصلح في حديث لـ«تشرين» إن هذه الحرب بدأت تتجاوز بعدها الفلسطيني لتصبح ذات بعد إقليمي ودولي مرخية بظلالها على المشهد السياسي العالمي متجاوزة الحرب الأوكرانية – الروسية والصراع بين أرمينيا وأذربيجان وغيرها من الأحداث الساخنة على الساحة الدولية.
ويرى الدكتور مصلح أن الوقائع تقول إن قوى المقاومة في غزة تمكنت من امتصاص الضربة الأولى العنيفة التي وجهها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، رداً على الاجتياح الميداني لمستوطنات غلاف غزة نهار السبت والأحد الفائت، وتبين من الأحداث الجارية أن قوى المقاومة في غزة ما زالت تمتلك المبادرة والقدرة على تحريك أحداث الميدان حسب توقيتها والقدرة على إطلاق صليات صواريخية بوتيرة منتظمة بل والقدرة على الاستمرار في اختراق المستوطنات براً وبحراً وجواً، والقيام بعمليات أمنية ضد جنود العدو ومعسكراته وحتى القدرة على تبديل المقاتلين بمقاتلين غيرهم وتزويدهم بالأسلحة والعتاد اللازم لاستمرار القتال.
كل هذا يؤشر إلى أن المقاومة في غزة تعمل وفق مخطط مرسوم وواضح دون إرباك ودون أي تشتت في المسار المرسوم مسبقاً وهذا ما يثبت تصريحات الناطقين باسم المقاومة الذين يصرحون على الدوام بأنهم قد تجهزوا لمواجهة كل السيناريوهات.
مصلح: المقاومة في غزة تعمل وفق مخطط مرسوم وواضح دون إرباك ودون أي تشتت
ولا يخفى، كما يؤكد الدكتور مصلح، على أحد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي قد أخذ ضوءاً أخضر من الولايات المتحدة الأميركية ومن التحالف الغربي بتجاوز القانون الدولي الإنساني وتجاوز ما هو محرم دولياً في الحروب وبالتالي حصل على موافقة التحالف الغربي باستعمال القوة الهمجية الغاشمة من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية ومن أجل طرد معظم الفلسطينيين من غزة ونقلهم إلى شبه جزيرة سيناء، والكلام لا يزال للدكتور مصلح، وهنا يقول مصلح: تجدر الإشارة إلى أن نقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء هو مخطط سابق وليس وليد اللحظة وهو كان في سياق صفقة القرن التي كانت تضمن لـ«إسرائيل» أن يكون لها «دولة يهودية صافية على مساحة كل فلسطين» وذلك عبر تهجير فلسطينيي الضفة والداخل الإسرائيلي إلى الأردن وفلسطينيي غزة إلى سيناء.
ويضيف الدكتور مصلح، مما لا شك فيه أن المنطقة باتت تعيش على فوهة بركان وأن مسار الأحداث يدل على تدحرج الأمور نحو مواجهة أوسع وأكبر، خصوصاً مع السخونة الملحوظة على الجبهة الشمالية بين حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية من جهة والعدو الإسرائيلي من جهة أخرى، يمكننا أن نقرأ من الهجمات المتقطعة على الجبهة الشمالية أن الأمور قد تنفجر إلى حرب واسعة في أي لحظة وأن حبس الأنفاس هو سيد الموقف حتى اللحظة كما أن قوى المقاومة في الشمال أظهرت أنه وبمجهود قليل قادرة على تشتيت القوة العسكرية الإسرائيلية وعلى إرباك الجبهة الداخلية وزرع الخوف والرعب لدى سكان المستوطنات الذين يعجزون عن النوم بأمان وهم يتخيلون المقاومين قادمين صوبهم من الأرض والسماء حتى إنهم يشعرون وكأنهم محاطون بالأشباح في كل مكان، وهذه الحالة ليست على مستوى المدنيين فقط بل أيضاً على مستوى الجيش وعناصر الشرطة الذين يطلقون النار على بعضهم من شدة الخوف والرعب.
ويختم مصلح مؤكداً يمكننا القول إن شرق أوسط جديداً قد يولد على وقع هذه الأحداث ولكن ليس كما تشتهيه الولايات المتحدة وحلفاؤها بل كما تشتهيه قوى محور المقاومة من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق وإيران، هذا التغيير الشرق أوسطي القادم الذي سيلاقي التغيير الذي تقوم به روسيا والصين على مستوى الصراع العالمي، سيكون قادراً على التحول من عالم أحادي القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب إلى عالم أكثر عدالة وأكثر سلاماً، الأيام القادمة كفيلة بإيضاح المستور من الأحداث والمفاجآت ولكن ما هو مؤكد أن «إسرائيل» غير قادرة على تحمل حرب طويلة متعددة الجبهات وجيشها ليس بالكفاءة المطلوبة لتحمل أثقال كهذه وهنا يُطرح السؤال المفتوح هل الولايات المتحدة ومعها الغرب الذين يقاتلون روسيا حتى آخر أوكراني، قادرون أن يقاتلوا محور المقاومة حتى آخر إسرائيلي ؟
وفي حوار لـ«تشرين» أيضاً يؤكد المحلل السياسي اللبناني والرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي ومنسق عام الحملة الأهلية لدعم فلسطين معن بشور أن ما يحدث في فلسطين يكشف عن دخول مرحلة تاريخية جديدة على كل المستويات وأن إنجاز أبطال المقاومة يكشف بوضوح تنامي قدراتها و التي تشكل المقاومة الفلسطينية رأس حربتها والتي من الممكن أن تغير كثيراً في واقعنا العربي والإقليمي وحتى الدولي لو اجتمعت كل قوى المقاومة في مواجهة العدو.
كما يكشف وحشية العدو من خلال صورة الأيام الدامية التي يقتل فيها المدنيون في قطاع غزة، لا بل يكشف حجم ازدواجية المعايير التي يقع فيها حكام الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والذين لا يرون جرائم الصهاينة بل يسكتون عنها ويشجعونهم على ارتكابها فيما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا أراد الفلسطيني أن يدافع عن نفسه ويستعيد حقوقه ويصون مقدساته.
بشور: هذه المعركة ستجعل الكثيرين يعيدون النظر في مواقفهم سواء في المنطقة والعالم
وبرأي بشور إن هذه المعركة ستجعل الكثيرين يعيدون النظر في مواقفهم سواء في منطقتنا أو على مستوى العالم ولكن المهم أن يرتقي العرب بشكل خاص إلى مستوى هذا الانتصار فتعمد الحكومات المطبعة إلى التغاضي عن تطبيعها وتسعى الدول العربية إلى دعم المقاومة وإعمار ما تهدم من منازل لتعود غزة كما كانت منارة من منارات أمتنا.
وحسب بشور فإنه ينبغي أن تكون المعركة فرصة من أجل إعادة تصويب البوصلة الحقيقية لأمتنا والتي هي فلسطين والتي يجب أن تكون قضيتها قضية شاملة لكل أبناء الأمة من عرب ومسلمين ومسيحيين حول مواجهة العدو الذي لا يمكن الانتصار عليه وتحرير الأرض والمقدسات إلا إذا اجتمعت كلمة العرب وتجاوزوا كثيراً من صراعاتهم وخلافاتهم الضيقة لكي يحققوا لأمتهم ما تستحقه من انتصارات.
ينظر بشور لهذه المعركة التي بدأت كعملية نوعية بأنها ستتحول إلى حرب إقليمية ودولية إلى حد كبير، وخصوصا بعد توارد أنباء عن تطوعات من الدول الغربية للمشاركة في الحرب إلى جانب الكيان الصهيوني.
إن تأثيرات الحرب تتعدى قطاع غزة والفلسطيني نفسه بل يمكن القول إنها تتعدى النطاق العربي والإقليمي فالكيان الذي هزم في «طوفان الاقصى» هو قاعدة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية والاستعمار الغربي وكل هزيمة تلحق به فهي تلحق بالذي أسسه وحماه على جميع المستويات.
تأتي هذه المعركة كما يراها بشور في إطار تحولات دولية كبيرة تشي بقرب قيام نظام متعدد الأقطاب، هذه المعركة لم تكن لتحصل على المستوى الذي حصلت عليه دون اجتماع إرادة المقاومة لدى شعبنا في عملية على جملة مستويات وتحولات على مستوى العالم تشي بقرب انتهاء الهيمنة الأمريكية أحادية القطبية، وفي الوقت نفسه ستترك هذه المعركة التي تحولت إلى حرب آثارها على هذه التحولات الدولية ونجد بكل وضوح المأزق الذي يعيشه العدو أمام هذه البطولات الفلسطينية الخارقة، فهو لا يستطيع تحقيق انتصار دون عملية برية، ولكنه يدرك مخاطر هذه العملية ليس بسبب بطولات المقاومة الفلسطينية وقدرتهم على المواجهة بل بسبب تنامي قوة محور المقاومة المستعد للانخراط في الدفاع عن غزة فيما لو ارتكب الصهاينة هذه الحماقة.
وإضافة لذلك فإن هناك مأزقاً دولياً تعيشه الولايات المتحده بين حربين، حربها مع أوكرانيا والتي نجحت في أن تسيّر وراءها معظم دول أوروبا وقد أخذ بعضها بالتملل من اللحاق بالإدارة الأمريكية التي باتت تشعر أن عليها أن تختار بين وضع جهدها في أوكرانيا حيث تأخذ المعركة طابعاً عالمياً، أو في فلسطين حيث يحتاج الكيان إلى دعمها.
فإذا اختارت القتال في فلسطين فهي تعجل في نهايه مشروعها في أوروبا و بتركيزها على أوكرانيا ستجد نفسها أمام خسارة كبيرة لقاعداتها العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط.
ويختم بشور معلناً أن العالم كله الآن ينتظر خروج الكيان وحليفه الأمريكي من المأزق الذي وضع نفسه فيه، و٧ تشرين الأول 2023 هو امتداد لـ٦ تشرين الأول 1973 والذي نجح من خلاله جيش مصر وسورية وكل القدرات العربية في صنع مرحلة تاريخية جديدة كانت تعطي نتائج أعلى بكثير لولا الجسر الجوي الأمريكي والسياسي للكيان الصهيوني.