الطوفان.. ألم يكن متوقعاً؟

تشين- إدريس هاني:
ما تخفيه سحب المفاهيم التضليلية الجديدة، أنّه بقدر ما تتخلى الأقطار العربية عن قضية، اعتبرتها يوماً ما قضيتها، وخاضت من أجلها حروباً كلاسيكية كبرى، بقدر ما يحدث ذلك بدعوى المصلحة والقضية الأولى، بقدر ما يتشبث الشعب الفلسطيني بقضيته، حيث لن يكون من العدل أن يقال له: حاول أن تتخلّى عن هذا الشعور الجماعي، يصبح القهر مضاعفاً، ولا يمكن تشويه صورة شعب مكافح.
دخلت القضية الفلسطينية في متاهة اللتيا والتي، حين نفتعل تعقيد ما هو بدهي، نصبح بلا آفاق، والقضية الفلسطينية بديهية جداً: قضية احتلال وقضية شعب مكافح.
أمام ملحمة الالتفاف الإقليمي والدولي على قضيته العادلة، أدرك الفلسطيني أنّه هو المعني الأول بمقاومة الاحتلال والتصفية الممانعة لقضيته، ومواجهة العنف اليومي الذي يُغضي العالم عن تفاصيله، كما لو أنّ الفلسطيني بات مخيَّراً بين اثنتين: إمّا التخلي عن حقه تحت طائلة التهديد بالقوة المفرطة، وإمّا الإبادة، هذا هو جوهر القضية، والبقية تفاصيل ليست هي المهمة، التاريخ هو من يختار من يقوم بالفعل، وليس أولئك هم من يصنع التاريخ بالضرورة.
وللأسف، هناك ميل لتكرار التجارب، التلويح بالعنف، واستعادة الهيبة بالإرهاب والفتك بالمدنيين، الخيار الوحيد أمام محتل فقد سلطة الإقناع لمن غرر بهم واستقدمهم من كل حدب وصوب، إنني أتحدث عن ترانسفير معكوس، عن مكر التاريخ، عن انقلاب القوة، وهذه يمكن استشعارها بقانون القصور الذاتي وليس بقواعد الاستشراف والنبوءة.
في موضوع الاحتلال، لا يمكن للبوارج أن تنزع فكرة التحرر من ذهن مقاوم، من يحاول ذلك، هو بأثر رجعي يمنح الاستعمار شرعية، وكأننا أمام استثناء متخيل يقارع منطق الأشياء، هل النظام الدولي يملك الأهلية الكافية لحلّ النزاع؟ هل لعبة الألفاظ تكفي لبلوغ التسوية «العادلة»؟
الذين يأتون ببوارجهم، هم يدافعون عن آخر المكتسبات الإمبريالية، وبعد أن جعلوا الاحتلال قاعدة متقدمة، ها هي باتت عبئاً ثقيلاً، يوحي بأن القوى العظمى ستنتحر بسبب الاحتلال نفسه، هل القوة العظمى مستعدة لحرب عالمية ثالثة من أجل بقايا خزاريا وأحلام دولة الاحتلال المستحيلة؟
كلّ هذه السرديات البلهاء، هي محاولة للالتفاف على التاريخ والجغرافيا واللغة والحقيقة، العالم متواطئ منهجياً لكي يجعل من الفلسطيني هندياً أحمر، يبتلع طعم الاحتلال، وفي المقابل، قد يسمحون له برقصة المطر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار