دعم المنتج النشط

لم تمنع الحرب بسنواتها السوداء الطويلة، ولا الحصار الخانق، ولا حتى السياسات الاقتصادية الخاطئة، الفلاح من زراعة أرضه، ولا الصناعي من تشغيل معمله، وإن شهدنا عزوفاً وهجرة واضطراراً لإغلاق منشآت صناعية مؤخراً بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج ومنسوب الضغوط المفرملة، فتخيلوا لو لم ترفد الأسواق بمنتجات زراعية وصناعية محلية باستمرار، مع تصدير الفائض إلى الأسواق الخارجية، حتماً سيكون الوضع أسوأ أضعافاً مما هو عليه الآن، عند توسيع قائمة مستوردات المواد الأساسية والاعتماد على منتجات الغير بتأمين لقمة عيشنا، وهو ما لم يحصل ببركة أرضنا ومعاملنا وإن كان داعمو الاستيراد يفعلون ما في وسعهم لتمرير مصالحهم.

استطاع القطاعان الزراعي والصناعي رغم النكبات وصعوبات الإنتاج الكثيرة، إحداث توازن منع انهيار اقتصادنا المحلي المكبل بتركة ثقيلة من تراكمات السياسات الاقتصادية الخاطئة على مدار عقود، فاقمها تعاطي صناع القرار السلبي مع هذين القطاعين، بعد تقليل جرعة الدعم في ظرف مأساوي يفرض مدهما بكل السبل الممكنة لضمان زراعة كل شبر أرض وتشغيل كل معمل وورشة بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي، الذي يعد الحل الوحيد لكسر الحصار وضمان وقوف اقتصادنا على رجليه وإنقاذ معيشتنا حتى لو اضطررنا إلى شد الأحزمة أكثر على البطون لفترة زمنية محددة يعلن عنها بكل شفافية ليقدر المواطن على التحمل ويعرف أن هناك انفراجاً قادماً بالاعتماد على خيرات أرضنا وثرواتنا المحلية المهدورة، التي لو استثمرت كما يجب لتغير حال أريافنا المهملة لقللنا فاتورة المستوردات، ما يتطلب في المرحلة القادمة إعادة بوصلة الدعم نحو القطاعين الزراعي والصناعي وتوجيهه نحو المنتج النشط والاهتمام بالأرياف وتحقيق التنمية الريفية المنشودة، عبر سلة تسهيلات وإعفاءات لتشجيع أهل الريف على إنشاء مشاريع أسرية صغيرة ومتوسطة بدل التفكير بالوظيفة براتبها المحدود، بحيث تصبح الأرياف مولدة لفرص العمل وليس العكس، وخاصة عند الوصول إلى مرحلة التصنيع الزراعي، وأعتقد أن ذلك ممكن عند تقديم الدعم الصحيح وإرساء بيئة مناسبة ومرنة للعمل والإنتاج.

تقليل فاتورة المستوردات المرهقة والخلاص من الواقع المعيشي الصعب يتحقق فقط بالاعتماد على الذات، حتى لو رفض مناصرو الاستيراد هذه الحقيقة المنقذة، التي تفرض الإسراع بإرساء السياسات الاقتصادية الداعمة وإصدار قرارات جريئة تدعم الفلاح والصناعي وتمنع وقوعها في أفخاخ الروتين والفساد، فالوقت في ظل هذه الظروف القاسية مهم جداً، لكن بالمطلق آن الأوان لاتخاذ هذه الخطوة المهمة وتصحيح مسار معوج منذ سنوات، ونأمل أن تسجل الحكومة هدفها الذهبي المنتظر بأقرب وقت على نحو يعيد التوازن إلى اقتصادنا ومعيشتنا وتدوّن إنجازاً نوعياً يعمُّ خيره على الجميع وإن كان غير مرضٍ لأهل المصالح، ويمحو أيضاً آثار قرارات تركت أثراً سلبياً على المواطن والخزينة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار