8 تريليونات ليرة قيمة الدعم المقدم.. ما الذي يمنع المخابز من إنتاج رغيف جيد؟!

تشرين- بادية الونوس:
لم يسبق لمادة غذائية أن تعرضت لهذا الكم الهائل من الانتقادات كما تعرضت له لقمة خبزنا ، بدءاً من تدنّي الجودة وسوء التصنيع، مروراً بنقص الأرغفة، وليس انتهاء بالسعر الذي يتفاوت بين معتمد وآخر، أو حتى البيع خارج إطار (الذكية).
بالرغم من حجم الدعم الكبير الذي تتحمله الدولة، إلا أن الخلل في الأداء ما زال يغطي على كل هذا الدعم المقدم، لأن النتيجة غير مرضية لمن لم يبق لهم سوى لقمة عيشهم اليومية.
يؤكد أهل الخبرة وجود أسباب رئيسة لتدنّي جودة الرغيف، منها مواصفات فنية، إضافة إلى عدم توفر الدقيق الجيد، ونوعية الخميرة الفعّالة، والتي غالباً ما تكون ضعيفة من المصدر. في هذا الموضوع نتناول الأسباب التي تعرقل إنتاج رغيف جيد، و ماذا عن خطة مؤسسة المخابز لتحسين واقع العمل؟

أهل مكة أدرى بشعابها
ربما يعتقد البعض أن عملية إنتاج الخبز بسيطة، بمعنى (وضعنا المقادير-عجنّا – خبزن..)، ولكن في حقيقة الأمر العملية معقدة جداً وتتطلب عوامل عدة، مثل الموقع الجغرافي – درجات حرارة داخلية و خارجية، توفر مساحة، عملية إنتاج، نوع خميرة، مدة تخمير ..إلخ.
ووفق “أبوعبود” موظف يعمل منذ سنوات طوال في أحد الأفران، تختلف المعاناة في فصل الشتاء عن الصيف، ناهيك بتعبئة الخبز في الصيف، إذ يحتاج لدرجات حرارة مرتفعة ويُترك لساعات بين تجميع ونقل وتوزيع، كما أن الخميرة الجافة كثيراً ما تظهر في الخبز وهو ساخن، وكذلك سماكة الرغيف وقطره ووزنه لها علاقة بالجودة.

مقارنة مجحفة
كثيراً ما نلمس تفاوتاً في جودة الرغيف بين فرن وآخر، علماً أن الدقيق شبه موحد بين مخابز كل محافظة، وكذلك الخميرة شبه موحدة، لكن يبقى الاختلاف بطريقة العجن ونوع خط الإنتاج والعمر الزمني. يضيف أبو عبود: على سبيل المثال المقارنة بين المخبز الآلي والاحتياطي ظالمة بشكل كبير، إذ تختلف النسب والمعايير، والأهم طريقة المحاسبة الضريبية وكل شيء، كما تعدّ الصيانة ومساحة الفرن عاملين مهمين في جودة الرغيف ، فمثلاً الفرن الاحتياطي محصور والحصر يعطي تخميراً مثالياً، إضافة لوجود دارات تبريد مياه (تقوم بتبريد مياه العجن وتعطي نتيجة مذهلة)، في حين أنها غير موجودة في الأفران الآلية، فالعجانة في الآلي على مبدأ “جبّالة” الإسمنت مغلقة، بينما في الفرن الاحتياطي مكشوفة.
أما إذا ما تحدثنا ، والكلام له – عن الراتب، فللحديث طعم آخر، إذ إن يومية العجّان في الفرن الآلي لا تتجاوز (ثمن سندويشة فلافل)، بينما تتجاوز في الاحتياطي 25 ألف ليرة، والمقارنة مجحفة، لكن في المجمل لا يمنع “الآلي” من إنتاج رغيف جيد جداً ومطابق للمواصفات في حال كان هناك (شوية ضمير )!!

المشكلة في الإدارة أحياناً
ويؤكد أبو عبود أن المشكلة في الإدارة أنه يتم إجراء تجارب لنسب الخميرة من وراء مكاتبهم، والنتيجة تعمّم على كل مخابز سورية، فكل مئة كيلو طحين يجب أن تنتج 118 كيلو خبز، هذه اسمها ضريبة، علماً أن الضريبة كانت في السابق 121، في المقابل تم إلغاء دقيق الرش ونسبته 5% وهذا يعني خسارة المخبز 2% دقيق، ومن هنا يأتي الغش في الوزن، علماً أن لكل فرن خصوصيته الضريبية، ففي دمشق نسبة الضريبة 118% وكذلك في حمص، بينما في الريف لا تنتج هذه النسبة والفرق سيغرّم به المخبز، لذلك يلجأ الفرن لتصغير الرغيف وإعطائه سماكة حتى (يضبط وزنه).

صفر: الخميرة المستوردة ضعيفة الفعالية وأغلبية المعامل خرجت عن الخدمة

الخميرة ضعيفة الفعالية
يؤكد أمين سر جمعية المخابز محمد صفر أن الخميرة أحياناً تأتي ضعيفة الفعالية من المصدر، علماً أن استيرادها مكلف جداً وتتحمّل الدولة التكاليف ويتم توزيعها على الأفران مجاناً، حيث يتم استيراد الخميرة الجافة لأن أغلبية معامل الخميرة الطريّة خرجت عن الخدمة، منها معمل حرستا وشبعا، وكذلك معامل حلب، لذلك يضطر المخبز لتصغير الرغيف أحياناً لأن التكلفة أكثر من المردود. مضيفاً: إن للخميرة دوراً مهماً في جودة الرغيف، ويتم توزيعها بنسبة متساوية محددة من قبل وزارة التجارة الداخلية وهي 3.3 لكل طن دقيق، وتتفاوت الكمية من مخبز لآخر، ففي فصل الشتاء تستهلك المناطق الجبلية ضعف الكمية كونها مناطق باردة.
دمشق وريفها الأكثر احتياجاً
يبيّن مدير عام المخابز مؤيد الرفاعي أن الاحتياج الحقيقي للقطر من مادة الخبز يومياً يقارب 5.5 مليون ربطة، وتعدّ محافظات دمشق وريفها وحلب الأكثر احتياجاً.

كما يبلغ عدد المخابز المرتبطة بالمؤسسة 209 مخابز، بواقع 271 خطاً، علماً أن نسبة إنتاج المخابز التابعة للمؤسسة تشكل 51 % من كتلة الإنتاج الإجمالية، حيث تنتج مخابز المؤسسة حوالي 2.8 مليون ربطة، وباقي حاجة القطر تؤمنها المخابز الخاصة، ويصل عددها إلى 1500 مخبز، وتنتج ما يقارب 2.7 مليون ربطة يومياً.

عوامل عدة
يتفق مدير عام المخابز مع الآراء السابقة في أهمية المواصفات الفنية للفرن من مساحة وقدم الآليات والعامل البشري، كما أن عدم توفر أكثر من نوع دقيق يؤثر في جودة المنتج، لأن عملية المزج لأكثر من نوع دقيق في العجنة تسهم في تحسين جودة الرغيف، هذه الأسباب مجتمعة تؤدي بالنتيجة إلى وجود تفاوت بنوعية المنتج بين مخبز وآخر.

الرفاعي: ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص العمالة أهم الصعوبات التي تعترض سير العمل

ولم ينفٍ الرفاعي أن التفاوت بالنوعية ينتج أحياناً عن خلل لأداء مدير مخبز هنا أو مشرف مخبز هناك، لكن تبقى هذه الحالات في المخابز العامة فردية ولا يجوز تعميمها، وكل اهتمام الوزارة ينصب على تقديم رغيف خبز لائق ولا تتسامح أبداً مع أي خلل.

كافة الشكاوى تتم معالجتها
حول دور الرقابة ومعالجة الشكاوى يؤكد الرفاعي أن كافة الشكاوى التي ترد تتم معالجتها بشكل فوري، وذلك بالتنسيق مع إدارات الفروع في المحافظات، من خلال تكليف أجهزة الرقابة الداخلية بتحرّي مضمون هذه الشكاوى، والتأكد من صحتها ومحاسبة المسؤولين وتغريمهم بفروقات النقص في حال ثبوت المخالفة وفق أسعار التغريم المعتمدة من الوزارة.

ظروف خارجة عن إرادتنا
ولفت مدير المخابز إلى أن الوزارة تهتم بحلّ مشكلة الازدحام، لكن يوجد ظروف خارجة عن إرادتنا، تساهم في تنامي هذه الظاهرة، منها إقبال المواطن على شراء الخبز التمويني من المخابز التابعة للمؤسسة، إضافة لاستمرارية البيع على مدار اليوم لدى المخابز العامة، كون المخابز الخاصة ينتهي إنتاجها في ساعات الصباح الأولى نتيجة قلة مخصصاتها، كما أن التوقفات الطارئة على المخابز التموينية الخاصة تؤدي إلى زيادة الضغط على المخابز العامة، ولا ننسى تحوّل شريحة كبيرة من مستهلكي الخبز إلى الخبز التمويني، ما يسبّب طلباً إضافياً عليها. مشيراً إلى أن التوطين المكاني أسهم إلى حد كبير في التخفيف من هذه المشكلة من خلال ربط الأسر بمعتمد أو بمنفذ بيع محدد، كما أنه يتم العمل على زيادة عدد المعتمدين لتغطية أقصى توزيع جغرافي ممكن.
صعوبات
ارتفاع تكاليف بعض مدخلات الإنتاج، ولاسيما قطع التبديل وأجور الصيانة، وكذلك عدم توفر الطاقة، أهم الصعوبات التي تعترض سير العمل، وهذا ما فرض على المخابز تشغيل مجموعات توليد كهربائية، علماً أنه يفترض اللجوء إليها بشكل احتياطي، وبموازاة ذلك هناك موضوع نقص العمالة الشديد، ولاسيما في القطاعين الإنتاجي والفني بسبب تسرّب أهل الخبرة، وضعف الأجور مقارنة مع القطاع الخاص.

نعمل للتطوير
وتسعى المؤسسة لتحقيق الخطة الإنتاجية المطلوبة -وفق مدير المخابز- وتطوير أساليب العمل وتحسين الإنتاج، من خلال زيادة نسب التنفيذ وزيادة منافذ البيع، والعمل على تأهيل المخابز المتضررة وتحديث خطوط الإنتاج لتطويرها فيما يسهم بتحسين جودة الرغيف.
ولفت إلى أن انخفاض الدخل لم يؤثّر كباقي القطاعات الاقتصادية على عملية التسويق، لأن الخبز التمويني يباع للمواطن بمبلغ لا يتجاوز 200 ليرة للمدعوم و1200 ليرة للحر والسعر المدعوم لا يشكل أكثر من 4% من تكلفة إنتاجه الحقيقية، وهذا يؤكد حرص الدولة على استمرار دعم مادة الخبز وتأمينها بتكلفة بسيطة رغم ارتفاع حجم الدعم السنوي المقدم لها، والذي تجاوز حدود الـ 8 تريليونات ليرة.
تساؤلات !!
عوامل عدّة تساهم في إنتاج “لقمة” مقبولة، منها المواصفات الفنية لكل مخبز من مساحة، ليأتي الدقيق الجيد والخميرة وفعاليتها، وما إلى ذلك، لكن في الحقيقة كل من تحدثنا إليهم بموضوع الخميرة يتحدثون في حدود التلميح، والأسئلة كثيرة حول هذا الموضوع: لماذا لم يتم تشغيل وإعادة تهيئة مصنع السكر والخميرة الطريّة، علماً أن تكلفة استيراد الخميرة الجافة كافية لإنشاء عشرة مصانع؟
ولمصلحة من عدم استخدام الخميرة الطريّة، وبقاء خط استيراد الجافة كما هو وبأسعار خيالية، وخاصة أن الخميرة الطريّة أفضل صيفاً وشتاءً، وأوفر من حيث الكميات وتعطي للخبز رائحة طبيعية..؟! برسم أهل الشأن..!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار