نسبة العمالة الأنثوية ترتفع بشكل استثنائي.. تغيّر “قاهر” في المفاهيم واختصاصيون يحذِّرون من اختلال الأدوار
تشرين – دينا عبد:
جاء دور المرأة للمشاركة في الحصول على الدخل، فرغم أن كثيراً من النساء يُفضلن الاستقالة من العمل للتركيز على رعاية أسرهن، فإن الزوج لا يستطيع وحده تحمل النفقات المطلوبة، لذا جاء العمل حلاً للنساء في ظل ظروف معيشية صعبة فرضت على الجميع.
تجارب عمل
بعد عودتها من وظيفتها الصباحية تستلم ديالا عملها في محل لبيع النظارات الطبية من الرابعة عصراً وحتى الحادية عشرة ليلاً، مشيرةً إلى أن الظروف المعيشية الصعبة وغلاء الأسعار دفعاها للبحث عن عمل آخر خاصة وإنها تسكن بالإيجار بعد وفاة زوجها؛ علماً أن لديها ثلاثة أبناء أكبرهم بعمر14عاماً وهم بحاجة إلى مصاريف كثيرة.
أما صباح التي تعود من المشفى الذي تعمل به صباحاً لتستلم عيادة طبيب من الساعة الخامسة عصراً وحتى التاسعة والنصف ليلاً وتصف عملها بالمرهق جداً على عكس عملها في المشفى حيث يتواجد معها أكثر من ممرضة لتساعدها؛ أما في العيادة فموجودة وحدها ومضطرة لمساعدة الطبيب في بعض العمليات الإسعافية التي يجريها.
د. القربي: الواقع الاقتصادي أفسح المجال أمام المرأة
لتكريس طاقاتها في ميدان العمل الإنتاجي على كافة الصعد
تتقاضى صباح مبلغ٢٥٠ ألف ليرة ويزداد دخلها حسب عمل العيادة، إلّا أنها كما تقول مضطرة لأن تعمل دواماً آخر لأن دخلها من المشفى بالكاد يكفيها لمدة أسبوع.
أما لينا فتعمل في محل “البياضات” بعد عودتها من عملها وتبين أن عدداً كبيراً من السيدات يعملن أكثر من عمل في سبيل تحسين مدخولهم والتغلب على هذا الغلاء؛ حيث بيّنت أن أولادها في الجامعة وكل واحد بحاجة إلى ٢٠ ألف كلما ذهبوا، وهذا ما يرهق ميزانية الأسرة ويضطرها للعمل أكثر من دوام.
بدورها رهف التي وجدت نفسها تعمل في محل لبيع المكياجات والعطور مقابل دخل شهري يبلغ 300 ألف مقابل العمل لمدة ثماني ساعات من الساعة الثانية ظهراً وحتى العاشرة ليلاً نظراً لضيق حالها ولأنها تدفع إيجار منزلها الذي يبلغ 400 ألف.
خلل اجتماعي
الباحثة الاجتماعية أسمهان زهيرة بينت لـ”تشرين” أن نظرة المجتمع تختلف تجاه عمل المرأة الثاني، فهناك من يعدّه ضرورة ملحة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وبالتالي هو أمر طبيعي مبرر وحاجة أساسية لتحسين دخل الأسرة، ومنهم من يعدّه غير مشروع وخاصة بخروجها وعودتها بأوقات متأخرة من العمل، وما يشاع عن طبيعة هذا العمل ما يحدث خللاً اجتماعياً على نطاق الأسرة والمجتمع، إضافة إلى أن العمل الثاني ساهم في تقليل فرص العمل للرجال المسؤولين عن عائلات أو الشباب الذين يحتاجون لبناء أسرة وتكوين عائلات، والبعض منهم يرى أن عمل المرأة هو رعاية الزوج والأبناء فقط وعلى الزوج رعايتها وتوفير كل متطلباتها ما يحمله عبئاً إضافياً.
باحثة اجتماعية: العمل الإضافي للمرأة ساهم في ابتعادها عن أطفالها وعدم تواجدها معهم
فعلى الرغم من أهمية العمل من حيث الحصول على دخل أكبر للأسرة ويساعد المرأة على تنمية مواهبها وتطوير شخصيتها ومهاراتها الاجتماعية وتحقيق أهدافها ونقل خبراتها في العمل إلى أبنائها وتعلمهم الاستقلال، إلّا أن العمل بدوام إضافي (للمرأة) ساهم في عدم تواجدها بشكل دائم مع أطفالها وأفراد أسرتها ما يسبب خللاً في توازن الأسرة وتأثر سلوك ونفسية الأطفال وزيادة الضغوطات عليها بسبب كثرة المهام داخل وخارج المنزل وعدم حصولها على الراحة الكافية كما تصبح عرضة أكثر للمشاكل الصحية.
واقع اقتصادي
الخبير الاقتصادي فاخر القربي بيّن في حديثه لـ”تشرين” أن مشاركة المرأة في ميدان العمل ما قبل 2010، كانت بنسبة قليلة ولم تكن هناك إحصاءات دقيقة بغض النظر عن أعمالها المنزلية والتنموية والاقتصادية بشكل عام، إلّا أن الحرب على سورية والواقع الاقتصادي أفسح المجال أمام المرأة لتكريس طاقاتها في ميدان العمل الإنتاجي على كافة الصعد وكانت إلى جانب الرجل في كافة الميادين حتى في ميدان دحر الإرهاب والاستشهاد دفاعاً عن الوطن؛ لكن دائماً المرأة كانت أمام إشكالية هي عدم تثمين أعمالها المنزلية والرعائية والإنتاجية التي تجاري الرجل في كثير من الأحيان بغض النظر عن التحديات التي تواجهها في تحقيق ذاتها وإثبات وجودها في ميدان العمل، واليوم المرأة تعمل على عدة جبهات في آن واحد تربوياً ووظيفياً و زراعياً في كثير من الأحيان؛ في حين تلجأ للعمل المزدوج بشكل يومي في سبيل مواجهة الظروف الاقتصادية التي حولتها إلى حاملة المسؤولية الكاملة عن أسرتها في ظل غياب معيل الأسرة.
تحقيق توازن
ولفت القربي خلال حديثه إلى أن المرأة تلعب دوراً هاماً في تحقيق التوازن وتأمين إمكانات العيش لأسرتها من خلال انقضاء معظم وقتها خارج المنزل في سبيل الحصول على أقل متطلبات الحياة؛ هذا يضعنا أمام مسؤولية مجتمعية وأمانة وطنية تتجلى وتتبلور من خلال العمل على برامج التمكين الاقتصادي للمرأة؛ والتفكير بتوسيع المشاريع الإنتاجية للنساء بشكل لا يحملهن أعباء منزلية وعملية؛ إضافة لعملهن كمربيات كي لا تزيد عزلتهن الاجتماعية نتيجة العمل لساعات متواصلة ما يبعدهن عن محيطهن الاجتماعي؛ وتقديم كل المعونة والمشورة للنساء من أجل تمكينهن من تحقيق الأدوات الاقتصادية بشكل متوازن ما بين العمل الإنتاجي والأسري وكذلك إعطاؤهن المجال من أجل ترجمة أفكارهن والنظر إليهن على أنهن شريكات في كل عملية تنمية مستدامة وعدم الاقتصار على النظر إليهن على أنهن بلا عمل.
د. أسعيد: ظروف المعيشة وغلاء الأسعار هو ما دفعها إلى اختيار العمل بوردية ثانية
ومن الضروري بحسب القربي تعزيز دور وزارة الشؤون الاجتماعية والمنظمات المعنية في رعاية المرأة وتدريبها للانخراط في سوق العمل بطريقة هيكلية بدلاً من استغلالها في الأعمال بطريقة عشوائية.
ازياد في عدد النساء العاملات
اختصاصية الصحة النفسية د.غالية أسعيد بيّنت أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد النساء العاملات في مختلف القطاعات ويأتي ذلك عقب حصول المرأة على المؤهلات الأكاديمية التي خولتها لاقتحام نشاطات عملية مختلفة في قطاعات متباينة ما قد يضطر المرأة إلى العمل لساعات طويلة وتأخرها أو إلى استقطاب عمل ثانٍ ما قد يؤدي إلى أسباب نفسية واجتماعية قد لا تكون مرضية أبداً ولكن ظروف المعيشة وغلاء الأسعار هو ما دفعها إلى اختيار العمل بوردية ثانية للتغلب على مصاعب الحياة.
وأشارت إلى أن هناك علماء نفسيين من مركز الأبحاث الاقتصادي والاجتماعي قاموا بتحليل آثار الضغوط النفسية وتأثير ساعات العمل الطويلة على المرأة والرجل وأوضحت الدراسة أن المرأة التي تقضي ساعات طويلة في العمل تشعر بالإرهاق والتعب والخمول في اليوم التالي؛ بينما لا تؤثر ساعات العمل الطويلة على الرجل بشكل سلبي، وكذلك ممارسة الرياضة وتناول كميات من الكافيين أو التدخين .
كما أثبتت دراسات أخرى أن النساء اللواتي يعملن أكثر من 40 ساعة في الأسبوع يكن عرضة لخطر الإصابة بأمراض تهدد حياتهن، مثل خطر الإصابة بالسرطان والسكري والتهاب المفاصل وبعض الاضطرابات النفسية كالوسواس القهري والاكتئاب, كما أنهن أكثر عرضة لمتلازمة الاحتراق الوظيفي بشكل أكبر من الرجال.