“الكاتب بين العقل والقلب” ختام مهرجان الماغوط المسرحي في سلمية
تشرين – نصار الجرف:
أسدل مهرجان الماغوط المسرحي في سلمية، ستارته مع عرض كوميدي ” الكاتب بين العقل والقلب”، إعداد وإخراج و تمثيل محمد الشعراني، حنان العابد، والموهبة الشابة مرح عرعور، بالتعاون مع فرقة أوركيديا للفنون المسرحية، بحضور جمهور غفير غصت بهم الصالة..
وفكرة العرض المسرحي مأخوذة عن حلقة تلفزيونية “الزائرة” من مسلسل شبابيك، عن نص لبشار حسن، وتمثيل بسام كوسا و سلاف فواخرجي وكاريس بشار.. أما شخوص العرض المسرحي فهي لـ:( محمد الشعراني- الكاتب، حنان عابد – الزوجة، مرح عرعور – الزائرة ” المرأة الوهم”)، بالإضافة إلى فرقة أوركيديا للرقص الشعبي.
تقوم فكرة العرض المسرحي على صراع داخلي بين الكاتب وشخوص رواياته، فيستحضر أحلامه في أشخاص روايته و يلبس لبوس تلك الشخصيات التي يكتبها، وهنا يبدأ الصراع بينه وبين زوجته، صراع بين الحلم والواقع، وفي الختام ينتصر العقل على الأهواء والأحلام.
يقول الفنان محمد الشعراني عن هذا العرض المسرحي: ليست الصعوبة بالحصول على الحب، وإنما بالحفاظ عليه، فتصلنا المقولة الأهم للعرض المسرحي، مقولة ثانية مهمة؛ أننا ندمر أنفسنا بأيدينا، عندما ننحاز إلى الوهم.. مذكراً بأن هذا العرض مأخوذ عن لوحة ” الزائرة ” من مسلسل شبابيك، إخراج ناجي طعمة، عن نص وإعداد بشار حسن.. فيما الرقص التعبيري لفرقة أوركيديا الذي أضاف نكهة مميزة للعرض بلوحات جميلة، وهي من نسيج العمل وتعبّر عن هواجس الشخصيات.
وتذكر الممثلة مرح عرعور: إن العرض هو محاكاة بين القلب والعقل، وأنا مثلت دور المرأة الوهم، التي هي ضمن عقل الكاتب وهواجسه، ولكنه في النهاية اختار العقل وهرب من التخيل والحلم..
من جهته يقول رماح هرموش – ناقد مسرحي :
الإنسانُ.. بين القلب والعقل . وعلى “الكاتب” بقيةُ الكلام .. في ثنائيةِ المدِّ والجَزر وتداخلِ الحقيقةِ بالخيال، يقودنا الحوارُ الهادىءُ الرخيمُ للبحثِ عن نقطةِ التقاءِ الروح والجَسدِ في زاوية الالتحامِ التي لا تتراجعُ عن التغلغلِ في تلافيفِ مخِ الكاتبِ الإنسان، فكلما اقتربَ الكاتبُ من قضايا مُجتمعهِ ومحيطهِ وتَبناها، كُلما نالَ المصداقيةَ والثقةَ والحُضور، وحينما تنتابُه هواجسُ أقرانه ويلتصق بها، يُصبح أكثر إشراقاً وإمتاعاً.. وهذا الكاتبُ، الذي هوَ خلاصة الإنسانِ الشفيفِ الحالمِ بالجمالِ والمثلِ والتحليق، هُوَ ذاته مزيجُ روحٍ وجَسد؛ رغبةٍ وانعتاق ، بردٍ وحرٍ، شمسٍ وظلٍ، تماماً كفصولِ الزمانِ الأربعةِ، فتراه يذوبُ ليصيرَ حبرَ حروفِه ولسانَ كلماتِه في تداخل مع شُخوصه حتى أنَّ المتابع يشعر بها كما لو أنها من لحم ودم .. يدور شريط أفكارٍ وقصٍ جميلٍ للنصِ المسرحي الجديد لمحمد الشعراني في محاولاته التي لا تتوقف عن خلقِ عالمٍ مسرحيٍّ جديد خاصٍ به، وهو يسرقنا (بالخطفِ أمَاما) لروايته التي لا تِجِدُ بُداً من تقمصه عبر سردٍ متداخلٍ لخطاب مركبٍ لصراع الذات الحَقة ونظيرها الظلِ الجريء، عبرَ مناجاةٍ حيناً وعبرَ الخيال والغوصِ في الرغباتِ المكبوتةِ حيناً آخر ..
وينقلنا الكاتبُ في خطابٍ رومانسيٍّ واقعي محببٍ إلى تفاصيلنا المعتادة: المشهد الأول؛ (محمد الشعراني / حنان عابد الثنائي المجتهد والمتناغم ).. وفي المشهد الثاني؛ (محمد الشعراني / فرح عرعور ) حيث يستحضرُ الكاتبُ الخطابَ الخفي الدفينَ لذاتِ الإنسان التجريبية المتمردة، صراع بين ” اللبيدو” وتطابقِ الأنصافِ الفاضلةِ في رحلةِ أحلامٍ رمادية مُشَوشَة يقطعها تفسيرٌ نسائي بَحت لـ( حنان عابد)
وفي المشاهد التالية يزداد التكثيفُ عبر إجاعةِ اللفظِ وإشباع المعنى القصدي، حيث تتواصل الحبكة لتصل الذروة باتساع الرؤية وضيق العبارة – في نهاية مفجعةٍ شكسبيرية تضع حداً لضعف البطل.. فتخونُه الكلمات والعبارات ولا يغير قدَرَه الوضعي سوى رصيده الجماهيري اللصيق الذي يُكافئه باسترجاع الثقةِ والهيبةِ المهدورةِ ولو إلى حين ..
كانت الإضاءةُ عاملاً إيجابياً ومُوفقاً في تسليط الضوء على داخلِ وخارج الشخصيةِ وتجلياتها، كما الموسيقا الرومانسية المتناغمة مع الحدثِ كخلفيةٍ مُقنِعة للوقائع وتداعياتها وخلجات الهوى للنَفس وتعابيرها عبرَ لوحاتٍ راقصةٍ لصبايا من فرقة أوركيديا المسرحية، في تجربةٍ تشاركيةٍ إضافية لتزاوج عناصر الإبداع وإعطاء قيمةٍ مُضافةٍ لخشبةِ المسرح وجذبِ الكثير من الجيل الشاب لسحره..
وبدوره يقول د. باسل الشيخ ياسين – شاعر : المسرحية تعكس حياة كاتب يعيش في عالم رسمه عبر كتاباته، مستقل و منعزل عن حياته الزوجية، حالة صراع تظهر عبر استحضاره إحدى شخصيات روايته التي كان مندمجاً فيها، ومعها يعيش حالة حدية بين الانجراف الذي يخلقه عبر رسمه هذه الشخصية، وفق معايير تبتعد عن المألوف، وبين العزوف عنها، متذرعاً بحبه الكبير لزوجته، لتختلط الأمور وتتعقد، لتفرج عن نهاية مؤداها أن الكاتب يخون زوجته مع تلك الشخصية التي لم تكن إلا جارتهم( الزائرة ).. المسرحية تقفز عن الواقع لتمتزج بخيال الكاتب وتنتهي نهاية تراجيدية تعبر عن حالة الانقسام التي يحياها المبدعون.
خلاصة.. أن تعشقي كاتباً ياعزيزتي، معناه أنك تعبرين حقلاً من الألغام، لا يحق لك الشكوى أبداً، فأنت من اخترت خوض المغامرة منذ البداية.
وأخيراً يقول محمد القصير: لنتحدث عن العمل والصعوبة التي تواجهها مثل هذه الأعمال المنقولة من الدراما التلفزيونية الضيقة في رصد المساحة والقادرة أكثر على إظهار الحالة الشعورية للشخصية أياً كان موقعها، وهذا ما لا يستطيع الفضاء المسرحي الواسع أن يرصده.. هذا من ناحية النص. ولي ملاحظة حول إقحام الرقص التعبيري في تفاصيل هذا النص، إذ كان يمكن للمخرج أن يوظف الرقصات بشكل مباشر مع الشخصية، لا أن تتحول لفاصل بين المشاهد.
واللافت في هذا العرض ثلاثة أمور سلبية؛ أولها: الإضاءة، فلم يوفق المخرج في توظيفها جيداً.
ثانيها: الموسيقا التي شابها بعض الخلل التقني.
وآخرها: الرقصات التي لم تكن معبرة كما يجب عن روح النص.