التّعافي السوري في عالم “فاقد المناعة”..
ليس من حلول جاهزة للأزمات، لا في السياسة ولا في الاقتصاد، بما أن عالم اليوم بات “فاقد المناعة” وبالغ الحساسية للعدوى، فإن عطس الغرب أصيب الشرق بالزكام.
ودعونا نعترف أن تماهينا، نحن البشر، مع المتغيرات أبطأ بكثير من تواترها السريع خلال العقد الأخير من الزمن، ولعله السبب الأبرز للإحباطات التي تعتري شعوباً وأقاليم، وكان لنا، نحن في سورية، من ذلك نصيب غير قليل، فالأزمة التي ألمّت بنا بعد سنوات الحرب القاسية على بلدنا تكفي لإحباط قارّة لامجرد بلد صغير.
وربما علينا ألّا نلوم أنفسنا ونحن نضرب مواعيد مع المستقبل القريب والبعيد، ونستبشر خيراً بكل منعطف أو متغير مهما كان صغيراً.. لكن دوماً تبقى حسابات “التعلق بقشة” محدودة المدى، أمام الحقائق الكبرى، بوقعها القاسي والموجع.
أطلقنا العنان لسلسلة آمال طويلة على خلفية انفتاح العرب على بلدنا بعد قمة جدّة، وبحجم آمالنا كانت الصدمة.
واليوم بعد الزيارة الناجحة للرئيس الأسد إلى الصين وماتخللها من حفاوة، استثنائية في الواقع، ومن بناء جديد للمواقف وإعلان حاسم للخيارات، و مفردات بليغة في توصيف العلاقة بين البلدين.. لانظن أنه من الحكمة استعجال نتائج مباشرة على النطاق المحلي هنا، رغم ثقتنا الكبيرة بـ “الشريك الصيني” والتجربةالطيبة معه، فنحن اليوم في خضم حالة، غير مسبوقة بتفاصيلها، من الصراع العالمي العنيف بين قطب يرفض الانكفاء، وآخر جديد صاعد بقوة وإصرار، ونحن بحكم الجغرافيا جزء من هذا الكباش الدولي المحتدم.. وإلا ماذا تفعل القواعد الأميركية المتمركزة في شرق سورية..؟
الواقع أن تجربتنا المريرة مع آثار الحرب والحصار، وكارثة الزلزال، كانت كافية لنتأكد أن مانحتاجه أبعد من مجرّد إغاثة ومساعدات متفرقة، وتعويل وآمال نبنيها على الحلفاء والأصدقاء، بدلاً من الشروع بإعادة بناء الموارد التي تزخر بها سورية.
حلفاء وأصدقاء نعم..لكن هؤلاء ليسوا من يرسم خريطة مستقبل إعادة التنمية في سورية، و ليسوا من سيقلع بتنفيذ خطط وبرامج الحكومة على الأرض..بل نحن من عليه البدء والإقلاع، والصديق عليه أن يدعم، وفق تسلسل استحقاقات تبدأ من الأسهل والأيسر والأكثر إلحاحاً، الأمن الغذائي.. الإنتاج المحلي.. الاستثمار الكثيف للموارد.. وسلسلة ضروريات ليست على الإطلاق في أذهان حلفاء وأصدقاء ينوون التوجه للاستثمار في إعادة إعمار سورية.
نتفهّم أن يطلق مواطن العنان لخاصيّة الأمل، وهي إيجابية أحياناّ، لكن لايمكن فهم أن يفعلها مسؤول تنفيذي، لأن مهمته في اتجاه آخر تماماً.
الصين وباقي الأصدقاء يمكن أن تكسر الحصار وتعطينا تكنولوجيا ومعدات، لكن ليست من عليه أن يبدأ مشروعاً ملحاً لتكرير وتعبئة زيت الزيتون مثلاً، أو أي مشروع تصنيع زراعي آخر، يعفينا من مساوئ تصدير أرزاقنا وإنتاجنا خاماً ليصنعه الآخرون ويعيدوا تصديره إلينا..
نحن من عليه أن يبدأ.. حكومة ورجال أعمال ولا نستثني المواطن ممن لديهم موارد “بالمناسبة بعض المواطنين لم ينتظروا الخطط والإستراتيجيات وشرعوا بتنفيذ مشروعاتهم الصغيرة الناجحة”.
نتوقع ثماراً طيبة بعد الأفق الجديد الذي رسمه الرئيس الأسد مع الشريك الصيني، إلا أنها رهن ظروف دولية أبعد من إقليمية، وعلينا أن نكون إستراتيجيين في رؤيتنا لامحدودين، ففي العلاقات الدولية سياسة وتحالفات واصطفافات ومواقف وتكتلات، هي مايؤسس لما هو اقتصادي تنموي، خصوصاً في زمن لم يعد من اعتراف بالحيادية والانفراد والنأي بالنفس.
الرئيس الأسد اجترح لنا أفقاً جديداً، وعزز الحضور السوري على الخريطة الدولية، وفتح باباً واسعاً في جدار الحصار الخانق، و إكمال الإنجاز بات هنا في الداخل، وهذه مهمة مجتمعية متكاملة.. حكومة.. وقطاع أعمال.. ومواطنون ممثلون بـ “حكوماتهم المحلية”.. لأن “الأمل بالعمل” لا بالاسترخاء وانتظار المجهول.