الموسيقار «أمين الخياط».. صاحبُ الرحلة الأطول في مسيرة الأغنيّة السوريّة

تشرين- سامر الشغري:

الموسيقار الراحل أمين الخياط هو بلا شك، صاحب المشوار الأطول في مسيرة الغناء السوري المعاصر، وآخر حبات عقد الملحنين الكبار في سورية الذين أضاؤوا درب الحياة الفنية منذ منتصف القرن الماضي.

وامتد العمر بالخياط، فأصبح شيخ الملحنين السوريين بلا منازع، وعمّر أكثر من بقية زملائه الذين رحلوا في سنوات سابقة، من سهيل عرفة وعبد الفتاح سكر وسعيد قطب وسليم سروة ومحمد محسن وآخرين، ولأنه بدأ في سن مبكرة وهو شاب صغير في الخمسينيات، فقد عايش، واشتغل مع كل رموز الغناء في سورية وخارجها، وصار بحق ذاكرة متنقلة للفن السوري.

تنوع المشارب التي نهل منها الخياط جعل منه فناناً شاملاً بحق، فوالده عبد العزيز الخياط عازف الإيقاع كان يقيم حفلات ولقاءات موسيقية ودورية في منزل العائلة بحي العمارة الدمشقي، حيث تعرف أمين الصغير على رفاق أبيه من عتاولة التلحين والعزف في سورية وفلسطين أمثال ميشيل عوض ويحيى السعودي وحليم الرومي وسلامة الأغواني، وكان هؤلاء بمنزلة المدرسة التي تلقى منها أولى علومه، وكانوا أيضاً المحرض الذي دفع أباه ليتعلم ابنه العزف على آلة القانون، والتي صاحبته طوال عمره، وجعلت منه قائداً للفرق الموسيقية.

المدرسة الثانية في حياة الخياط كانت دراسته في المعهد الشرقي للموسيقا التابع لوزارة التربية آنذاك، إذ تتلمذ على يد كبار موسيقيي تلك الحقبة، وشارك في حفلات المعهد الدورية، ومنها تلك الحفلة التي أقيمت على شرف سيدة الغناء العربي أم كلثوم، و عزف أمامها مقطعاً من أغنيتها ذكريات.

وحتى تستقيم تجربته أكثر، أخذ يشارك في حفلات غنائية في الملاهي الليلية، وهناك عزف لسعاد محمد ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية التي علمها الغناء بالعربية، كما قام بتدريس فايزة أحمد وهي في بداية انطلاقتها، قبل أن تسافر إلى مصر لتبدأ حياة فنية جديدة.

وكانت الفرق الموسيقية في إذاعتي دمشق وحلب التي انضوى فيها الخياط هي المدرسة الثالثة التي نمى فيها مقدرته على العزف، إضافة لفرقة خاصة اسمها الأوتار الذهبية ضمت نخبة من كبار عازفي سورية أمثال سمير حلمي تشيلو، وابراهيم جودت عود، وعدنان أبو الشامات كونترباص. وفي العام 1960 أصدرت وزارة الثقافة والإرشاد القومي وقتها قراراً بتعيين الخياط عازفاً للقانون في مديرية المسارح، وآخر باختياره ليكون ضمن الكادر التدريسي للمعهد العربي للموسيقا المشكل حديثاً – صلحي الوادي حالياً – ولكنه ترك كل ذلك وسافر في جولة أوروبية طويلة عزف خلالها في عددٍ من البلدان، قبل أن يختار إسبانيا ليقيم فيها طوال عامين ونصف العام، حيث تلقى ضروب الموسيقا الإسبانية الفريدة ولاسيما الفلامنكو، ولتكون رحلته الأندلسية هي مدرسته الخامسة.

بعد كل هذا التنوع الذي غذى معارف الخياط وتتلمذه لدهاقنة الموسيقا في زمنه، بدأ مشواره الأكثر شمولية من كل أبناء جيله، فلم يكتف بتخصص واحد بل وزع اهتماماته بين اهتمامات شتى، ففي الفرق الموسيقية بعد أن أخفقت محاولته الأولى في تأليف فرقة من المحترفين، أسس فرقة من الهواة الموهوبين أطلق عليها اسم الفجر، والتي أرهقها بالبروفات والتدريبات لتصبح واحدة من أهم الفرق في سورية والدول العربية ولتعزف مع كبار نجوم الطرب، وتخرج منها عازفون كبار أسسوا لاحقا فرقاً أغنت الحياة الموسيقية السورية.

في التلحين، لم يترك الخياط قالباً لم يلحن فيه من الطقطوقة للقصيدة للموشح للإنشاد الديني للموسيقا التصويرية للأغاني والمسلسلات، ومن الأعمال المهمة التي لحنها قصيدة بعد الصبر لفاتن حناوي وموشحات مسلسل الوادي الكبير لصباح فخري ووردة الجزائرية، وأغنية تعيشي يا بلدي لفهد بلان.

وعندما أسست نقابة الفنانين كان الخياط أول نائب للنقيب ثم تولى نقابتها دورتين متتاليتين، وكان ترؤسه للنقابة من الفترات المثمرة جداً لها، فحقق لها عدداً من الإنجازات كقانون التقاعد وإحداث جمعية سكنية ومقصف خاص بها وتخصيص ريعه لها.

وفي التلفزيون عمل المايسترو الخياط فيه منذ تأسيسه حتى أصبح رئيساً لدائرة الموسيقا التي غدت وقتها بمنزلة شركة للإنتاج سعى من خلالها لاستقطاب كل المطربين السوريين وإنتاج أغان خاصة بهم.

وكان الخياط بمنزلة شريك للموسيقار بليغ حمدي في إطلاق مطربة الجيل ميادة الحناوي، فكرس لها فرقته، وعكف في بروفات طويلة عزفت لميادة الروائع من موسيقا ألحان بليغ حمدي.

همّة الخياط العالية أحدثت تطوراً في أي مجال عمل فيه، ونذر له مقدراته العالية الإدارية والموسيقية، لأن مهرجان الأغنية السورية حقق طفرة خلال ترؤسه له في دورته الأخيرة سنة 2004، وأطلق أصواتاً متميزة، وأنتج أغاني حققت المعادلة الصعبة في الجمع بين الجماهيرية والمستوى، وجاء بلجنة تحكيم من موسيقيين ونقاد عرب لتقييم الأعمال المشاركة. قديماً قال نقاد إن الشمولية لا تحقق الإبداع، ولا بد للمبدع من اختيار مجال ليبرز فيه، لكن تجربة الخياط تنسف هذا الرأي، لأنه لولا هذا التنوع والغنى لما حقق هذا المايسترو كل تلك الإنجازات في حياته الفنية التي بدأت قبل سبعين عاماً، واستمرت متدفقة العطاء حتى رحيله.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار