بصمات الحصار السوداء تظهر في امتدادات عمق المجتمع السوري.. اختصاصيون يرصدون التباين بين أمراض الفقراء والأغنياء.. الأولى طارئة والثانية تقليدية

تشرين- بشرى سمير:
لم تعد الفروق الطبقية التي فرضتها الظروف الاقتصادية تقتصر على الفرق بين نوع الطعام الذي يتناوله الغني والفقير، ولا على مستوى المدارس التي يتعلم فيها أبناء الأغنياء والفقراء، بل تجاوزت كل ما سبق لتظهر فروق في نوعية الأمراض التي يصاب بها الفقراء، فهناك أمراض تعرف بأمراض الفقر وهي الأمراض التي تتفشى بين الفقراء. ويعد الفقر في حالات عديدة عامل الخطر الرئيس لمثل هذه الأمراض، بينما تنتشر عند الأغنياء أمراض من نوع آخر، وتضم على سبيل المثال وليس الحصر: داء السكري، والسمنة، وأمراض القلب، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض المناعة الذاتية، والربو الشعبي، والاكتئاب، وهناك طيف آخر من الأمراض النفسية. وتتميز جميع أمراض الثراء بميزة أساسية، هي كونها أمراضاً غير معدية، أي إنها لا تنتقل من شخص إلى آخر.
أمراض الفقراء
ويشير الدكتور محمد مخلوف اختصاصي أمراض داخلية ومعوية إلى أن أمراض الفقر تتشابك فيما بينها، وغالباً ما تكون ناتجة عن سوء التغذية أو انعدام النظافة وسوء الخدمات بسبب السكن العشوائي، لذلك نرى أن الفقراء هم أكثر عُرضة للأمراض المعدية بسبب عدة عوامل بيئية واجتماعية منها: ظروف المعيشة والعمل، سوء الخدمات الصحية، كما أن العمل لفترات كبيرة وقلة المعرفة وسوء الرعاية الصحية كلها تؤدي إلى إعاقة التقدم والازدهار وتفاقم الأمراض.

الأمراض تتشابك فيما بينها وغالباً ما تكون ناتجة عن سوء التغذية أو انعدام النظافة وسوء الخدمات

وأضاف مخلوف: إن 45% من مسببات وفاة الأطفال من أمراض الفقر ناتجة عن سوء التغذية وانعدام النظافة، ما سبب أمراضاً معوية وإسهالات وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة.
ولفت مخلوف إلى أن ارتفاع أسعار رسوم الأندية الرياضية وعدم قدرة الفقراء على تسجيل أولادهم فيها يجعلان الطفل يلجأ إلى اللعب في الشارع والتعرض لخطر الإصابة بأمراض خطرة بسبب التلوث الموجود في الأزقة والشوارع.

تلوث المياه
ولا ننسى أنه بسبب عدم توفر المياه النظيفة وخاصة في الأرياف البعيدة التي لا تتوفر فيها مياه الشرب النظيفة، وتعاني من سوء الصرف الصحي، هناك الكثير من الأمراض المرتبطة بالفقر كالإسهال وانتشاره والذي يرجع إلى صعوبة الوصول إلى مياه صالحة للشرب، وكذلك أمراض الملاريا واللايشمانيا، ويزيد الأمر سوءاً ضعف الخدمات ولاسيما الصرف الصحي المكشوف، وهناك الأمراض المعوية والتهاب الكبد في مقدمة الأمراض المرتبطة بالفقر.

الضغط العصبي والاكتئاب
من جانبه الدكتور مروان الوني أشار إلى أن من أمراض الفقراء الاكتئاب بسبب الضغط النفسي والشعور بالعجز وعدم القدرة على تأمين المعيشة اللائقة لأهلهم، ما يؤثر في الحالتين النفسية والعقلية، وأضاف: إنّ الفقر له تأثير عميق على الحالة العقلية للفرد. والكثير يُرجع سبب الاكتئاب إلى وجود بطالة، وصعوبات الحياة ومعايشتهم لكثير من حالات العنف ومخالفة القانون، وهذه الأسباب هي الأكثر شيوعاً في عالم الفقراء.

سبب الاكتئاب وجود البطالة وصعوبات الحياة ومعايشة الكثير من حالات العنف ومخالفة القانون

ويشير الدكتور الوني إلى أن الفقر يسبب الشعور بالنقص والدونية وخاصة لدى الشباب الذي يشعر مقارنة بأقرانه من الأغنياء بالإهانة لعدم قدرته على مجاراتهم في كثير من الأمور التي تتطلب وجود المال، وهنا يكون الشعور بالإحباط نتيجة عدم القدرة على إشباع الحاجات وعدم القدرة على تغيير الظروف والشعور بالعجز.
ولفت الوني إلى أنه نتيجة لكل ما سبق قد يلجأ بعض ضعاف النفس من الفقراء إلى العنف الذي يؤدي إلى الجريمة، من سلب ونهب وأحياناً القتل بغرض السرقة، حيث بتنا نسمع عن حوادث من هذا القبيل نتيجة ارتفاع الأسعار وتدني الدخل.
أمراض اجتماعية
في حين أشارت الاختصاصية الاجتماعية عبير كركتلي إلى أن الفقر له انعكاسات على المجتمع، حيث تنتشر الجريمة والتسول والتشرد، وهناك أمراض نفسية يصاب بها الفقراء بشكل كبير منها الاكتئاب والفصام والوسواس القهري والتوحد واضطراب الشخصية المعادي للمجتمع، فضلاً عن أضرار نفسية معينة يسببها تعاطي المخدرات أو الشعور بالصدمة.
بالأرقام
الجدير ذكره أن سورية كانت قبل الحرب المنظمة التي شنّت عليها بعيدة عن أي دراسة يجري نشرها عالمياً بصدد أرقام الفقر والعوز، نظراً للظروف المستقرة والموارد الغنية التي كانت تكفي البلاد، ولم يكن لإحصاءات الفقر أي حضور هنا، رغم المحاولات المتكررة من مختلف الجهات لفبركة أرقام عن متوسط دخل المواطن السوري، وتجاهل الخدمات التي تقدمها الدولة والتي كانت أضعاف متوسط الدخل.
إلا أن الاستهداف والحرب المباشرة ” المتنوعة الحراب” التي جرى شنها على سورية، والحصار والمقاطعة وقوانين “إفقار الشعب السوري”، تركت آثاراً سوداء على الواقع المعيشي والموارد في سورية، لاسيما أن ثروات الشعب السوري يجري نهبها و”قرصنتها” علناً من الاحتلالين الأميركي والتركي، والميليشيات المسلحة التابعة للطرفين.
وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى نتائج كل العوامل السابقة، التي ظهرت تحت عنوان “الفقر في سورية”، طبعاً من دون ذكر الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع.
وجاء في أحد تقارير الأمم المتحدة منذ فترة أن نسبة كبيرة من السكان يعيشون في فقر مدقع، ونتيجة لذلك استنفدت القدرة على التكيف لدى الكثير من الناس في المجتمعات المحلية الأكثر تضرراً في سورية.
وذكر التقرير أن 33% من السكان في سورية يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وقدر أن 11.7 مليون سوري بحاجة لشكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.
إلا أن منظمات مختلفة ركزت على أن أسباب تردي الأوضاع المعيشية في سورية تعود إلى ظروف الحصار الخانق، وكانت دائماً هناك مطالبات إنسانية برفع الحصار الجائر عن الشعب السوري.
واللافت أن أحداً من “حراس الأرقام” الأمميين لم يشر إلى انعكاسات سيطرة الأميركي والتركي على موارد الشعب السوري ونهبها، ما تسبب مباشرة بإفقار أعداد كبيرة من قوام الشعب السوري.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار