«روميو وجولييت» اليوم.. و«حكايات من شكسبير»
تشرين- لبنى شاكر:
مجنونٌ أو حرامي؛ هذا ما سيتبادر إلى الذهن سريعاً، لو شاهدنا شاباً يتسلّق بناءً مُؤلفاً من عدة طوابق، لكننا سنصفه بالساذج حُكماً، إذا ما علمنا أنه يقصد شرفةً مُحددة، لإخبار إحداهن بحبه لها، وعلى أن هذا التوصيف ينتقص نوعاً ما، من الشاعرية والرومانسية التي ينطوي عليها المشهد الشهير في مئات الأعمال الفنية والأدبية للعاشقين الأبديين روميو وجولييت، لكنه واردٌ جداً في تقييمات أبناء اليوم، والذين يمتلكون طرقاً كثيرة أكثر سهولةً وأمناً للتعبيرعن مشاعرهم، وبِمثل هذا الفرق مُتعدد الأبعاد، سيبدو الملك لير مُغفلاً، وهو يُقسّم مملكته بين بناته الثلاث، بناءً على قدر محبتهن له، وسيسأل أحدهم تلقائياً، كيف لم يخطر في باله، وهو العجوز الذي اختبر الحياة، أن القدرة على تنميق الكلام، لا تعني مزيداً من الحب، ومن ثم، لماذا لم يلجأ مثلاً إلى اختبارهن بطريقةٍ ما، أكثر جدوى؟..
تساؤلاتٌ تنسحب على العديد من مُؤلفات شكسبير 1616- 1564. . ومعروفٌ أن مسرحياتٍ مثل «هاملت»، و«ماكبث»، و«عطيل»، إضافة إلى ما ذكرناه عن «روميو وجولييت»، و«الملك لير»، كانت أرضاً ومُتكأً لعددٍ غير معروف من الأبحاث والدراسات والأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، إضافة إلى حضورها في عوالم التشكيل والموسيقا والفنون عامةً، لكن محاولات تقريبها من اليافعين أمرٌ مُختلف لأسبابٍ كثيرة، تبدأ مع بداية حديثنا، في اختلاف طرائق التفكير والتعبير، مع ما يستجد على مدار الساعة، في ميادين التكنولوجيا، إلى جانب، تدني نسب القراءة عموماً، وفي سياقها، المتابعة المحدودة للمسرح، بمعنى أن نصوص شكسبير المكتوبة لتّؤدى على الخشبة، بعيدة عن جيل اليوم، في حالتيها النصيّة والبصرية، إذا ما قورنت، بأرقام مشاهدات مقاطع الفيديو وممارسة الألعاب الإلكترونية مثلاً، أو بما يُسمى إدمان الإنترنت باستخدام الموبايل أكثر من 6 ساعات يومياً، واللافت هنا، أن محاولات التقريب بدأت منذ زمنٍ بعيد، تحديداً في كتاب صدر في لندن عام 1809م «حكايات من شكسبير»، وضعه المؤلف البريطاني «تشارلز لامب»، بالشراكة مع أخته «ماري آني».
استعادة الكتاب، جاءت في العدد 712-713، لمجلة المعرفة الشهرية، الصادرة عن وزارة الثقافة، وفيها إشارة إلى أن ترجمة عربية صدرت للكتاب في القاهرة، في ستينيات القرن العشرين، غير أن النسخة الواردة مأخوذة عن طبعة المركز القومي للترجمة في القاهرة عام 2009، للأديب والإعلامي الشريف خاطر، وفيها يُورد مجموعةً من مسرحيات شكسبير، على شكل حكايات بلغة سهلة وواضحة، تستبدل الحوار بالسرد السلس، المُتتابع برشاقة وحيوية، حتى إنها تُشرح الانعطافات والتحولات التي تمر فيها الشخصيات، بما يسمح بالتعاطي مع المآسي فيها، بشيءٍ من التفهّم والتقبّل، وتبتعد بقارئها عن إطلاق الأحكام الجزئية، باتجاه شمولي أكثر، يتعاطى مع الحكاية بكليتها، في زمانٍ ومكانٍ خاصين بها.
الانتباه إلى أهمية إيصال إبداع شكسبيروقدرته التعبيرية الشعرية مع الحس الدرامي العالي، ومحاولات فهم تناقضات النفس وصراعاتها وأسئلتها، يجعل من كتاب الأخوين لامب إنجازاً بمعنى الكلمة، ليس لأسبقيته فحسب، بل لما خاضه كلٌّ منهما من إشكالياتٍ في حياته، إذ تأخذ القراءة لهما منحيين، الأول في فهم شخصيتيهما غير العاديتين، فتشارلز عانى طوال حياته من التلعثم في الكلام، وقضى عدة أشهر في مصحة عقلية، كذلك أمضت أخته سنوات في المصحة أيضاً، بعد أن قتلت والدتها في إحدى نوبات جنونها، ويأتي المنحى الثاني مُتعلقاً بشكسبير نفسه الذي عدّ ولا يزال، واحداً من أعظم الشعراء والكتّاب في العالم، تُرجمت مسرحياته إلى أكثر من 50 لغة، وقُدّمت في أنحاء العالم، ولم تفقد قدرتها على إثارة الاهتمام والنقاش، حتى حين يكون الحديث عنها بشيء من الاستخفاف، وبالتأكيد يُحسب للمعرفة استحضارها للفكرة والكتاب، وتخصيص مساحة لشريحة القراء من اليافعين.