(يوميات رجل مُخان) لـ بير دريو لاروشيل.. والبحث عن إجابة لسؤال: ما هو الحب الحقيقي؟!
تشرين- راوية زاهر:
في مقدمة ترجمته لهذه (النوفيلا) للكاتب الفرنسي بير دريو لاروشيل؛ يذكر المترجم والشاعر اللبناني إسكندر حبش أنه “لا يمكننا القول: إنّ من لم يقرأ (يوميّات رجل مُخان) لا يمكن اعتبار أنه يعرف أدب لاروشيل جيداً، مع إضافة كتابين آخرين وهما :” ملاحظات عن رواية الحياة الجنسية، والرجل المُغطى بالنساء”.. كتب تشترك في طرح سؤال كبير: ما هو الحبّ اليوم، بعد العاصفة الجسدية في الأيام الأولى؟ وماذا يعرف الرجال والنساء الذين لا يفكرون إلا بالفتوحات والأخذ والسرقة عن الحب؟.. في مؤلفاته البديعة هذه يُصوّر بيير دريو بطريقة فجة حقيقة الحب في فترة ما بين الحربين العالميتين، كتابة تبدو نابعة عن عالم اجتماع الأعراف، ومن متابع لعلم الاجتماع التشاركي.. كتابة تتلخص في هذا السؤال: ما هو الحب الحقيقي؟!
و(يوميات رجل مُخان) عملٌ روائيّ قصير للكاتب الفرنسي بيير دريو لاروشيل ترجمة وتقديم إسكندر حبش، صادر عن دار دلمون الجديدة في دمشق.. بدأ المترجم الكتاب بمقتطفات عن سيرة (لاروشيل) واصفاً إيّاه أنه كاتبٌ ضدَّ عصره، وقد تمَّ تجاهله في العصر الحديث، وذلك بسبب تعاونه مع الألمان ووقوفه مع النازية ضد فرنسا، وفي العمق ما كان تطرفه هذا إلا معاداة لليهود كما الكثير من الفرنسيين.. وما عُرف عن أدب (لاروشيل)؛ يجمع بين طياته بعض الثيمات التي لم يتخلّ عنها طيلة فترة حياته القصيرة نسبياً، وهي انهيار بعض القيم البرجوازية، والتزام الكاتب بقضايا عصره، وقد جاءت هذه الموضوعات عبر الوهم الوجداني والقسوة اليائسة، ما يقود الكائن إلى الانتحار للتطهر من هذا العالم، وهذه هي الموضوعات التي نجدها في كتبه الكبيرة.
فـ(يوميات رجل مُخان)، عنوانٌ للعمل الروائي، الذي يختصر عمق الواقع المُعاش، في عالمٍ برجوازي في الحقبة الفاصلة بين الحربين العالميتين، كان على هيئة قصاصات ورقية مرقمة بتقويم يومي وبشهر ميلادي واضح، فالرواية أشبه بسيرة ذاتية تختصرُ حكاية رجلٍ يعيشُ غواية الجسد بكلِّ أبعادها، ويميل إلى فكرة الزواج مع رفض الطرف الآخر له كحالةٍ ربما من الاستحواذ..
تقوم هذه المجموعة على وصف إخفاقات وصعوبات الحب لشخصياتٍ مختلفة مستوحاة من أولئك الذين يقابلهم من العالم البرجوازي والاجتماعي كما أسلفنا في فترة ما بين العالميتين، وهي مجموعة من الأخبار الممتعة عن العلاقات بين الرجل والمرأة.. عن مشاعر الحب والغيرة الموصوفة بدقة، مع قدرٍ معيّن من خيبة الأمل أيضاً، إذ علينا أن لا ننسى هذا الرجل المعذّب الذي كتبها، والذي كان ضد عصره.. من هنا فـ(يوميات رجل مُخان) تتناول أسئلة ميتافيزيقية حول الجنس، وكل هذه الأسئلة تتلخصُ في الإجابة عن هذا السؤال الكبير: ما هو الحبّ الحقيقي؟! فالرواية بيومياتها التي بدأت في الأول من تموز وتحت عبارة قصيرة :”إنني راحلٌ كتبتُ في ٩تموز “.. وفي العاشر من تموز كتب:
سأسافر:
أشعر بالحرارة، خمود، رخاء
ما من ماضٍ ما من مستقبل
أنسى الآخرين وأنسى نفسي.
وفي الحادي عشر من تموز كتب أيضاً:
ذاهبٌ من دون هدف
لا أحد يعرف أين مكاني
إنني وحيدٌ
إنني حجر يتدحرجُ ويتعرى من طحالبه.
كل ما أتى به (لاروشيل) في أدبه يوحي بالانتحار، وبالفعل فقد اختار الكاتب الانتحار كحالةٍ من التطهر من عالم غير راضٍ عنه.
فمن تموز إلى أيلول كانت الخاتمة المدهشة التي دحضت كل احتمالات الخيانة لدى (نيللي) ابنة الستة والعشرين عاماً، عشيقة الكاتب الأقرب إلى كيانه من بين العديدات والتي عاش وهم حبها الروحي والجسدي، متشظية بين ثلاث علاقات تكمل بعضها البعض، (جاك الحنون)، صاحب الصدر الناصع، والأصغر سناً العفيف، غير الراغب بالزواج منها.. و(الكاتب) الساعي إليها والراغب بالزواج منها، وغير الراغبة به زوجاً.. و(الآخر) الذي تزوجته طمعاً بحالةٍ اجتماعية ترغب بها معظم النساء.. فقد فصّل (الرجل المخان) في الحديث عن رومانسياته وعلاقاته النسائية وكيفية رحيل كل واحدة، سادي تارة، غيور، ومغامر وعاشق لا يطاق أحياناً أخرى.. لتكون الخاتمة في قصاصة العاشر من أيلول، بعد وهم يوميّةِ ٢١ تموز والذي قالت فيها (برالين) عن علاقة جسدية تربط نيللي بجاك…
تنتهي الرواية في التشكيك بخبرية برالين.. فكتب: “في نهاية المطاف، ربما كذبت برالين ولم تكن نيللي عشيقة جاك” .. ليوقعك في مصيدة الشك والدّهشة والعودة بالرّواية إلى المربع الأوّل، وفتح باب الأفق على الوهم من جديد.