الذهب الأخضر كنز المزارعين في الصيف… مدير الحراج: سورية تنتج 4 آلاف طن من القبار
تشرين- نور ملحم:
بسرعة كبيرة، تجمع امرأة ريفية وأطفالها في ريف حمص ما تبقى من ثمار” القبار” الخضراء إلى داخل علب صغيرة أوشكت على الامتلاء، حثّتها حرارة الشمس في فترة الصباح لتعود أدراجها نحو بيتها مكملة عملها بفرز الثمار قبل تسليمها لأحد التجار في القرية.
باتت هذه الأرض القاحلة، بعد أن قادتها قدماها إليها، أشبه بالكنز بالنسبة للوضع المعيشي والاقتصادي الصعب الذي يعم معظم العائلات الريفية في سورية
البحث على أطراف الطرق…
شجيرات” القبار” المتناثرة في تلك الأرضي، كفيلة بإدخال الفرح والسرور على قلب العاملين بها فور مشاهدتهم ثمارها رغم أن قطفها يؤذي الأيدي ويسبب الجروح والندوب والحساسية للبعض بحكم أن هذه النبتة تعد من إحدى الشجيرات الشائكة وهي زاحفة دائمة الخضرة تنمو في المناطق ذات البيئة الجافة، يتطلب نموها التعرض لأشعة الشمس، و تتميز بفروعها الكثيفة والمتشعبة ذات اللون النبفسجي وأزهارها البيضاء الوافرة.
تبحث “أم لؤي” وعائلتها بين الحقول والبيادر والبساتين وعلى أطراف الطرق الترابية وهي أكثر الأماكن التي يزهر (القبار) فيها.
تغادر تلك العائلة منزلها مع بزوغ أول إشراقات ضوء الفجر على أمل اقتناص أكبر كمٍّ من الثمار فهي فرصة عمل موسمي، بعد أن ضاقت أحوالهم وجار زمن الحرب عليهم.
فتجد الخمسينية هذه الأشهر فرصة عمل تكسب بها لقمة عيشها وأسرتها، تقول لـ” تشرين” أعمل أنا وزوجي وأولادي على قطف هذه الثمار وتجميعها وفرزها وتسليمها لأحد الأشخاص الذي يشرف على مجموعات أخرى في عدد من القرى”.
وتضيف، طريقة القطاف صعبة جداً ومرهقة بسبب انتشار الأشواك ضمن هذه الشجيرة بالإضافة للحر الشديد ويستغرق الوقت أحياناً ثلاث ساعات لقطاف كيلو واحد فقط.
أمّ لؤي وغيرها من العاملات في منطقة ريف حمص مرتبطات بمشرفين على قطف موسم ” القبار” الصيفي المنتظر كل عام ، فهن يسعَين لجمع أكبر كمية من” القبار” ليتم تسليمه للتاجر بعد فرزه بحسب حجم الحبة وليكون ثمن جمع الثمار مبلغاً يقارب ما بين 10- 12 ألف ليرة سورية للكيلو غرام .
فك الشيفرة الغذائية
يؤكّد أبو منيب من ريف حمص لـ” تشرين” أن المزارعين في السابق، كانوا يحرقون هذه النبتة البعلية، لاعتقادهم بأنها تضر بمزروعاتهم، لكن سرعان ما تبدل الحال حين اكتشفوا ما لها من فوائد طبية وغذائية، وهذا ما دفعهم إلى المحافظة عليها وقد حققت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة، لأنها تدخل في الصناعات الغذائية، وفي توفير منتج يصدّر إلى الخارج
منبهاً، إلى أن نبات القبار يعدّ المأوى المفضّل للأفاعي، بسبب غزارة وكثافة أوراقه، لذلك يجب توخّي الحذرَ عند الاقتراب منه.
وتعد ذروة قطاف ثمرة القبار ما بين منتصف شهر آيار حتى أواخر آب، وعلى مدى عقدين من الزمن بقي القبار حبيس أسرار المهربين والتجار، ولم يتمكن السوريون من فك شيفرات النبتة أو الانتباه إلى ما تحمله من قيمة عالية والاستفادة منها، عدا قلّة من الشركات الغذائية تنبّهت لطعم الثمرة اللذيذ مع الطعام وما تحويه من نكهة طيبة، ويمتد المشرفون على العمل خلال قطاف الموسم البري ما بين ريفي حمص وحماة حيث تكثر فيه هذه النبتة.
وأطلق الأوروبيون تسمية الذهب الأخضر على نبات القبار، الذي تباع منتجاته لديهم ومنها المخلل بسعر يتراوح بين 25و30 دولاراً أي أن التاجر المصدّر يكسب أكثر من 10 أضعاف للكيلو الواحد، كما أن السعر يتضاعف مرتين بعد التخليل والتعبئة بحسب ما أكده أحد المشرفين على العمل في ريف حمص.
ويلجأ البعض لحفظ القبار ضمن أوعية وبراميل بلاستيكية كبيرة، ويضاف له الملح والماء للحفاظ على خواصه، ويباع في فصل الشتاء بأسعار مرتفعة تصل لحوالي 25 ألف ليرة للكيلو الواحد، بدلاً من بيعه كموسم كامل للتجار.
آلاف الأطنان …
رغم أن موسم القبار يحيطه الخطر والمشقة، إلّا أنّ ريفي حمص وحماة الشرقيين ينتجان سنوياً عشرات الأطنان من براعم القبار، يتم تصديرها بالكامل إلى الأسواق الخارجية ونادراً ما يتم استخدامه محلياً.
يشير مدير الحراج في وزارعة الزراعة الدكتور علي ثابت إلى انتشار القبار بشكل كبير في ريفي حمص (منطقة المخرم) وإدلب (منطقة معرة النعمان) ومنطقة جبل الحص جنوب شرق مدينة حلب فضلاً عن شمال حلب (منبج) وفي محافظة الرقة و وادي الفرات وكذلك في منطقة السلمية.
لافتاً في تصريح لـ ” تشرين ” إلى أنّ الإنتاج يقدر بشكل سنوي ما يقارب 4 آلاف طن ويتم تصديره للخارج، بالمقابل قدّر الإنتاج العالمي بـ 10 آلاف طن، ما يشير إلى الميزة الإنتاجية المطلقة التي تتمتع بها سورية في مجال إنتاج القبار عالمياً.
وأضاف ثابت: يبلغ ثمن كيلو القبار الجاهز في السوق الأمريكية 25 دولار تقريباً، بينما يباع الكيلو في الحقل بـ 5 دولارات ويباع كيلو القبار الجاهز (مخلل قبار) بـ 45 دولاراً كسعر استهلاكي.
مبيناً أن الوحدات التنظيمية “الحراجية” في محافظات جني ثمار القبار تقوم بالكشف الحسي على محصول القبار المتواجد في المستودعات الحراجية والمنشأة المرخصة وتدون الكميات في سجلاتها، ثم يتم منح الرخص لنقل الحاصلات الحراجية أصولاً لبقية المحافظات.