الدراما السورية تنتصر هذا العام للبطل الدرامي
تشرين- سامر الشغري:
أغرقت الدراما السورية في واقعيتها وآمنت أن الفن كالحياة، لا وجود فيه لشر وخير مطلقين، وأن الأبطال الخارقين والناس الكاملين موجودون فقط في الحكايات والقصص القديمة، لذلك كان أبطال هذه الدراما أشخاصاً من لحم ودم لهم هفواتهم وسقطاتهم كما لهم إنجازاتهم.
وظلت الواقعية الشديدة أهم سمات هذه الدراما ربما لتأثرها منذ البدايات بالأدب الأوروبي الشغوف بالبطل التراجيدي، ثم لانتمائها فكرياً في فترات لاحقة لمدرسة ستانسلافسكي والتي لا تؤمن بالبطل المثالي أو الكامل.
ولو عدنا لبدايات الدراما السورية لوجدنا أنها لم تحفل قط بتقديم أو صناعة البطل الإيجابي، فمسلسل مثل حارة القصر، إنتاج سنة 1970 يتقاسم بطولة الشخصية الخيّرة والشريرة شخصيتا التاجر أبو ممدوح والشاب هادي مسلاتي وكلاهما لديهما عيوبهما ونقائصهما، ومسلسل صح النوم إنتاج سنة 1972، نجد أن الصراع على أشده بين حسني البورظان الصحفي الكسول الذي يعتمد على الآخرين للإنفاق عليه وغوار الطوشة الشاب المتهور الطائش صاحب المكائد، وليس فيهما شيء من صفات البطل الذي تحدث عنه أرسطو بأنه أفضل دوماً مما نحن عليه.
وربما نستطيع بقليل من الحذر أن نعتبر البطل في الدراما السوربة هو البطل المأساوي التراجيدي على طريقة (الملك لير أو هاملت)، ذاك أن نهايته مروعة فهو لا ينتصر على أعدائه بل يلقى في النهاية مصيراً مروعاً من: أسعد الوراق والزباء وأبو كامل وأسامة ابن الوهاج ومفيد الوحش والزير سالم وغيرها.
ولكن البطل في الدراما السورية عرف مع هذا العام انعطافة يكاد لم يجدها عبر خمسين سنة، لقد أدرك صناع هذه الدراما ولاسيما الكتّاب أن المفتاح للجماهيرية إنما يكون بصناعة بطل درامي بمواصفات خارقة على المذهب الأمريكي. وهذا البطل هو الذي سيسلب قلوب الناس ويدفعهم لمتابعة المسلسل ثم تقمص شخصية البطل وهي أعلى درجات التأثير في الدراما.
إن أعمالاً شاهدها جمهور دراما هذا العام مثل عاصي الزند والعربجي ومربى العز، قدمت شخصيات حققت مواصفات البطل السوبر إلى حد بعيد، فعاصي (تيم حسن)، وعبد العربجي (باسم ياخور) ومناع (محمد نصر)، جميعهم اتصفوا بالوسامة والشجاعة والقوة البدنية الخارقة.
هؤلاء الثلاثة أيضاً كان لديهم أعداء يتآمرون عليهم منذ الأزل، وكلهم فقد والديه او أحدهما، وظلوا رغم ذلك مفرطين في ثقتهم بأنفسهم معتدين بها وهذه بدورها أخلص صفات البطل.
لقد وجد صناع الدراما السورية أن عليهم البحث عن ركائز مختلفة غير التي عملوا عليها سابقاً، ولقد رأوا أن استمرار إعادة تدوير عوامل نجاح عمل درامي سوف يجعل الجمهور ينفض عنه، عندما يجد أن الدراما في كل العالم تتطور عاماً إثر عام، ودراما بلاده تميل إلى التكرار وتتجنب التجديد، ولعل البطل الدرامي رافعة أعطت درامانا مكانة كادت تغيب عنها، وجعلت أعمالها في مصاف الأكثر جماهيرية، وأنقذتها من براثن الانكماش التي ضربت مثيلاتها في لبنان والأردن ومصر.