أربعون لوحةً عن فلسطين… تحيةً لِأهلنا المُرابطين في الأقصى المبارك
تشرين- لبنى شاكر:
تحيةٌ لأهلنا المُرابطين في الأقصى المبارك؛ تحت هذا العنوان الباذخ معنىً ووجوداً وقيمة، والحي على شاشات العالم كما كان دائماً، جاء الإعلان عن معرض تشكيلي دعت إليه اللجنة الدائمة ليوم القدس بالتعاون مع الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين ونظرائهم السوريين في صالة الشعب، شارك فيه اثنان وعشرون فناناً، احتفى معظمهم بالرموز الفلسطينية المعروفة كالكوفية وشجر الزيتون والحجارة والبندقية، فيما ذهب آخرون نحو ما هو أوسع، فالتقطوا صوراً للمدينة التاريخية القديمة، وصنعوا توليفاتٍ خاصة للزمان والمكان والحدث المُتجدد رغم ما يبدو عليه أحياناً من سكونٍ ورتابة، لطالما استطاع الفلسطيني تبديدهما.
في المعرض الذي ضمّ أربعين لوحة، برزت لوحة الفنان فريد شنكان بسطحٍ تتزاحم فيه الرموز والمنمنمات بين التشكيل والخط، اتكاءً على خبرته في الأرابيسك والفسيفساء وترميم البيوت التراثية الشامية، إلى جانب مساحةٍ كبرى خصصها للنصف الأعلى من الجسد، ظهرت فيها العباءة والحطة الفلسطينية مع وجهٍ استحالت تفاصيله إلى المسجد الأقصى، وعدا عن أن الفنان يبتعد عن الربط التقليدي للمرأة والمدينة، نحو الرجل هذه المرة، بوصفه أباً أو شيخاً أو وطناً، فهو ينفي الفصل بين الأمس واليوم، ويذهب بهما نحو سيرورة متصلة ستبقى جزئيةً في اللوحة الفلسطينية المُمتدة بموازاة الزمن نفسه.
الاشتغال على السطح حَضَرَ أيضاً في ثلاث لوحات للفنان محمد الركوعي، والذي نجح في التعاطي مع الرمز بانسيابية، لم تنزع عنه قدسيته بقدر ما جعلته أكثر قابلية للاندماج مع الجديد فنياً عربياً وعالمياً، حتى أصبح دلالةً ميّزت مُنتجه الفني ومشواره الحافل، منذ اعتُقِل شاباً بتهمة المشاركة في عملياتٍ عسكريةٍ فدائية ضد “إسرائيل”، أصدرت بموجبها أحكاماً بسجنه مدى الحياة، أمضى منها 13عاماً في مُعتقلاتها، رسم خلالها 400 لوحة على وجوه المَخَدات، هرّب الكثير منها إلى عائلته وأصدقائه في الضفة الغربية وغزة، قبل أن يُطلق سراحه في عملية تبادل الأسرى عام 1985م (عملية الجليل).
الالتزام باللوحة فلسطينية الهوى، رافق أيضاً الفنان معتز العمري في كثيرٍ من معارضه، التي اشتغل فيها ولا يزال على الغرافيك والشاشة الحريرية، حيث كانت بداياته في الحفر على الخشب، ثم طوّر أسلوبه مستفيداً من تعدد أشكاله كالمعدن والحجر، لِيقدم لاحقاً الشاشة الحريرية مُستفيداً من تأثيراتها مع الإكريليك، مُحاولاً تطويع التقنيتين معاً لتلبية مقولاته، وفي هذا المعرض قدّم أربعة أعمال طباعية غلبت عليها الألوان الزيتية، في إحداها رسمٌ يمزج بين المسجد الأقصى وعدة قبب مع إيحاءاتٍ بأجسادٍ تُشبه ما رسمه الإنسان القديم على جدران الكهوف والمغاور، وفي لوحة ثانية استحالت الأجساد إلى خطوطٍ وانحناءاتٍ وأشكالٍ بلا هيئاتٍ واضحة، إشارةً إلى الضياع وفقدان القدرة على التحكم بالمصير، وهو ما يختبره الجميع من البشر في لحظةٍ ما.
بدورها الفنانة رندة تفاحة عرضت لوحة من معرضها السابق “مفاتيح من الذاكرة”، والتي يحضر فيها مفتاح العودة، وعلى حد تعبيرها، العودة إلى فلسطين والعودة أيضاً إلى الحياة الماضية السعيدة في سورية قبل الحرب عليها. وترى تفاحة أن لوحتها وإن كانت عن الطبيعة الصامتة كما تُسمى، إلا أنها مُتحركة بنورها وإضاءتها وموضوعها، وهي ليست فقط ثلاثة عناصر مُوزّعة بشكلٍ مُعين، بل إشارات تعبر عن الإنسان الذي يستميت نضالاً في سبيل حريته وماضيه الجميل، تقول أيضاً: “اللوحات رسائل تشرح أفكارنا وآراءنا في قضايانا وقضايا المنطقة، أنا ابنة هذا المجتمع وهذه الحروب، لا يمكنني أن أقف متفرجة دون أن يكون لي كلمة”.
من المشاركين في المعرض، الفنانون: محمود خليلي، علي جروان، محمود عبد الله، أسامة دياب، عبد المجيد نوفل، أحمد الخطيب، محمد طنجي، كمال شرف، سليم خطاب، حنان محمد، أحمد علي.