قررتُ عن سابق إصرار وتصميم “النزول” إلى السوق لشراء ملابس جديدة على نية إدخال بعض الفرح إلى قلبي في العيد وإزالة آثار نكبة الزلزال، وإن كسرتُ جيوب زوجي، وتحوطتُ بكل ما يلزم لخوض غمار هذا القرار، الذي وصفته بيني وبين نفسي بـ”الجريء” لكوني من ذوي الدخل المحدود، المشفوق عليهم هذه الأيام، لكن الدهشة كغيري من المتسوقين كانت لا تفارق وجهي عند سماع أسعار الألبسة، بحيث لا يكفي راتبي لشراء قطعة واحدة من أسواق العاصمة الاقتصادية الشعبية “حلب”، أما أسواقها الحديثة فلا ينصح بالاقتراب منها إلّا لأصحاب القلوب والجيوب القوية.
غلاء الألبسة في أسواق مدينة حلب، التي كانت معروفة ببضاعتها الرخيصة والجيدة، فاق كل التوقعات، مع ملاحظة أن هناك تراجعاً في النوعية والتصاميم، وقد يقول البعض هنا إن ارتفاع أسعارها طبيعي من جراء ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم توافر مستلزماته في المدينة الصناعية، التي تعاني مشكلات وأزمات عديدة تسببت في تراجع مجمل صناعاتها، وهذا واقع لا يمكن نكرانه، لكن بالمقابل يجب القول إنّ صناعة الألبسة تحديداً نالت نصيباً وافراً من الدعم على حساب الصناعات الأخرى، بهدف تأمينها للمواطنين بأسعار مقبولة، لا نشاهدها، فالأسعار المعروضة في الأسواق الشعبية والحديثة كأنها لمواطنين من بلد آخر، فالعائلة إذا تجرأت وفكرت في كسوة أطفالها تحتاج إلى مبالغ كبيرة من فئة المليون، وللأسف قد لا تكفيهم لعام آخر لكون بعض الألبسة تشترى على مبدأ “لبسة وغسلة” فقط، وهنا تبرز نقطة تحمل مؤشرات سلبية تكمن بمباهاة بعض التجار بعرض ألبسة موردة من العاصمة دمشق أو مهربة من تركيا، كأن المنتج المصنع في معامل حلب هو نخب ثانٍ، كما يشير إلى جزئية ثانية لا تقل خطورة تكمن في خروج بعض المعامل عن دائرة الإنتاج وتوجه بعض الصناعيين إلى التصنيع للسوق الخارجية فقط.
تمكين العائلات من شراء الألبسة أو أقله قطعة واحدة تفرح قلوب أطفالها خلال العيد، يستلزم خطوات جدية تدعم جيوبها بالتوازي مع المنحة التي حركت أسواق حلب الراكدة قليلاً، فما الذي يمنع إبرام “السورية للتجارة” اتفاقاً مع بعض منتجي وتجار الألبسة لتنظيم معارض كبيرة للألبسة في جميع المحافظات بسعر التكلفة وتقديم عروض تخفيض فعلية بالتزامن مع موسم التنزيلات، فهذه الخطوة لو حصلت لكانت حظيت بالترحاب من ذوي الدخل المحدود وتمكن أطفالهم من عيش طقوس العيد، فهل تعجز المؤسسات المعنية والقطاع الخاص عن اتخاذ هذه الخطوة، أم إن التفكير بحصد الأرباح يفرملها كالعادة، ما يحرم أغلب العائلات من مجرد التفكير بشراء ألبسة باتت مخصصة لفئات معينة فقط إلّا للشديد القوي، كما حصل معي، حيث اكتفيتُ بعيش هذه المخاطرة غير الرحيمة، التي لا تناسب إطلاقاً أصحاب الرواتب المحدودة.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات