ما إن تدخل محلاً لشراء مواد غذائية، حتى تعود من حيث أتيت مكسور الخاطر وفي أكثر الأحيان خالي الوفاض، فالأسعار باتت عصية على الجيوب، والكثير من المواد باتت من المنسيات على الموائد.
بعض المواد يمكن الاستعاضة عنها على مضض ببدائل أخرى، لكن في المقابل هناك مواد لا يمكن الاستغناء عنها لضرورتها وحاجة كل بيت لها، ومنها الحليب والألبان والأجبان ومشتقاتها.
المنتج يشكو من ارتفاع التكاليف وغلاء الأعلاف وندرة موارد الطاقة اللازمة للتربية، والتاجر يتذرّع بارتفاع تكاليف النقل والضرائب والرسوم وأن الأسعار مرتفعة من المنتج الأساس للأسباب المذكورة، أسطوانة مكررة طال سماعها، ويبدو أنه سيطول أكثر، فالتفكير لايزال بالعقلية نفسها والروتين ذاته منذ سنوات، وحلقة مفرغة ندور بها من دون الوصول إلى حلول.
هذا الواقع يطرح تساؤلات عدة ربما يكون فيها جزء كبير من الحل: لماذا لا تلجأ وزارتا الزراعة والتجارة الداخلية في كل المناطق الزراعية إلى التعاقد مع المنتجين وتشجيعهم واستجرار إنتاجهم لتصنيعه في معامل أو ورشات مخصصة تتبع لهما، وهذه المعامل والورشات تكون موزعة في كل منطقة زراعية منتجة لهذا النوع، وتشجّع الفلاحين في تلك المناطق على زراعة المحاصيل العلفية وتقديم التسهيلات اللازمة، كل حسب دورها، لتباع المشتقات الناتجة عن الحليب ضمن صالات خاصة بها، موزعة في كل المحافظات لا أن تبقى حكراً على مناطق محددة، من الممكن عندها أن نحقق عدة أهداف بآن واحد، التشجيع على زراعة الكثير من الحيازات الصغيرة واستثمارها وتشجيع المنتجين على استمرار إنتاجهم بما يحقق حاجة السوق، وتأمين فرص عمل للبعض في تلك الورشات والمعامل، والأهم تحقيق عائد مقبول للفلاح من دون وقوعه في خسائر، وبالتالي تخفيض سعر المنتج على المستهلك النهائي؟
هذه الخطوات إن تمت يمكن أن ترفد الأسواق بكميات جيدة من تلك المواد وبأسعار معقولة ترضي جميع الأطراف، بعيداً عن حلقات الوساطة والسمسرات التي تضاعف الأسعار مراراً بحجج ومبررات تتذرع بها كما درجت العادة وتكون بمنزلة استثمار للجهات المعنية.
ما ينسحب على الحليب ومنتجاته ينسحب على غيره من المحاصيل التي يمكن الاستفادة منها بالتصنيع الزراعي بما يحقق فوائد عدة بآن واحد، فهل سنشهد تطويراً للتصنيع الزراعي في قادمات الأيام، أم إن الأمور ستترك على هواها، وتبقى الصولة للتجار والسماسرة ويبقى الفلاح والمستهلك هما من يدفع الثمن ؟!