المنازل الخشبية ” تريند” فيسبوكي يبحث عن بوّابة للنفاذ إلى البيئة السورية..حلّ رشيق لأزمة السكن بانتظار الدراسة الجادّة
تشرين- زينب خليل:
تداول البعض على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي منذ مُدة، شائعات عن مشروعات المساكن الخشبية وإمكانية تنفيذها في سورية بأسعارٍ مناسبة لمن يرغب بها، وانتشرت الإعلانات والصورُ بشكلٍ واسع ولاقت فكرةُ المنزلِ الخشبي إعجابَ الكثيرين ممن يعانونَ الحصول على منزل، وكانت مؤسسة الإنشاءات العسكرية قد نفذت فيما مضى مشروعات مشابهة في بعض المناطق، وكان تنفيذها بمنزلةِ إنجازٍ كبيرٍ ساهم بتوفير منازل خشبية لشريحةٍ واسعة ممن ليست لديهم القدرة على اقتناء شقة أو منزل إسمنتي بمواصفاتٍ قياسية.
ماهيتها
فما أصل هذه الشائعات؟ هل هي مشروعات للتخفيف من أزمة السكن ولم تُبصر النور، أم دراسةٌ للسوق من القطاعِ الخاص لمعرفةِ مدى رغبة العملاء بهذه النوعية من المنازل، أم مجرد “بوستات” لجمعِ “اللايكات” على المواقع؟
د. اليوسف: غير قابل للتحقيق وغير مجدٍ اقتصادياً لعدةِ أسباب
الجميع بات يعلم أنه ليست المناطق الراقية في المدنِ وحدها من تتفرد بأسعارٍ باهظةٍ منافسةٍ لأسعارِ العقاراتِ في دول أوروبا، بل حتى الضواحي دخلتْ على خطِ ماراثونِ الارتفاع، فقد وصلَ سعر منزلٍ -ذي إكساء متوسط- في إحدى ضواحي مدينةِ دمشق إلى نصف مليار ليرة سورية، وهو مبلغ يُعد ثروةٍ للشباب والموظفين ومحدودي الدخل، الذين يقطِنون في هذه الضواحي، ويرهقهم إيجار المنزلِ الذي يتخطى مليونَاً ونصف مليون ليرة شهرياً، ما يعادل ثلاثةَ أو أربعةَ أضعافِ راتبهم الشهري.
وبدلاً من هذا الإنفاق المبالغِ به على المنازلِ الإسمنتية ذاتِ المساحات الشاسعة والتي لا تُلبي إلا فئةً ضئيلةً جداً من المواطنين، وهذا ما تؤكده أعداد الشققِ الفارغةِ في المدنِ السورية، نتساءل: لماذا لا يتم إنشاء مشروعات سكنية مُنظمة ورسمية في الضواحي والأرياف، كمشروعٍ للسكنِ البديل (السكن الخشبي والمسبق الصنع) أسوةً بباقي دولِ العالم، فمن شأنهِ أن يكونَ رديفاً للمنازلِ الإسمنتيةِ وعلبِ الكبريتِ المتراكمةِ فوقَ بعضها بعضاً، والمخالفاتِ المتناثرةِ حولَ المدن، بتكاليف أقل واستدامةٍ أطولَ، مع إمكانية أن يتحول إلى مشروع وطني يغطي كامل الريف السوري، ويمكن طرحهُ للإيجارِ والتملكِ أمام الشباب والعائلات الصغيرة وتنفيذه حَسب الطلب للأسرِ التي ترغب بشراءِ منزلٍ خشبي كبير؟!
المواطن غير جاهز
الخبير العقاري والاقتصادي الدكتور عمار اليوسف يجيب عن إمكانيةِ تنفيذ المساكنِ الخشبية بأنه مشروع غير قابل للتحقيق وغير مجدٍ اقتصادياً لعدةِ أسباب، أهمها أن العمرَ الزمني للبيت الخشبي قصير نسبياً، وأيضاً أنواع الأخشابِ الموجودة في سورية غير صالحة لبناء المنازل الخشبية أو الاستثمار في هذه المشروعات، ويجب استيراد الأخشاب المناسبة والمقاومة للعوامل الجوية والمعزولة، من خارج القطر، ولكن تكاليف استيرادها عالية جداً، وستنعكسُ بطبيعةِ الحال على أسعارِ المنازل، وننتهي بمنازل خشبية باهظةُ الثمنِ، والمواطن غير جاهز لهذا الترفِ والرفاهيةِ العالية.
د. اليوسف: أنواع الأخشابِ الموجودة في سورية غير صالحة لبناء المنازل الخشبية أو الاستثمار في هذه المشروعات
أما بالنسبة للبيوت البيتونية المُسبقة الصنع، فهي مقبولة أكثر من الخشبية، بشرطِ استيراد آليةِ الإنتاجِ، أي أن يتم استيراد المعاملِ لإنشاءِ مسبقِ الصنع وليس استيراد مسبق الصنع مبنياً وجاهزاً.
مشكلة التضخم
وأضاف د. اليوسف: سَنواجه مشكلات في كل الخيارات، لأننا نواجه مشكلة التضخم وانخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية، أيضاً عدم توفر حوامل الطاقة، هذه المشكلة التي من شأنها أن تُجهض كل المشروعات والحلول.
د. البريدي: المنزل الخشبي أرخص من الإسمنتي لكن الديمومة أقصر وبحاجة لصيانة مستمرة
وكان الدكتور اليوسف قدم مشروع الإسكان القومي “مدينة النسر السوري”، وهو مشروع مخصص لمحدودي الدخل كحل لأزمة السكن العشوائي، والهدف منه تأمين السكن الرخيص والنظامي والمقبول لكل فئات الشعب، بعيداً عن العشوائيات وأحزمة الفقر التي تحيط بالمدن.
ديمومتها أقصر
ويشرح دكتور الهندسة المعمارية د. عبيدة البريدي تخصص تخطيط عمراني وبناء في جامعة دمشق، بقوله: “صحيح أن المنزل الخشبي أرخص من الإسمنتي، لكن المنازل ذات الهياكل الخشبية ديمومتها أقصر من المنازل المبنية بمواد بناء أخرى كالإسمنت والبيتون وغيرهما، وهي بحاجة لصيانة مستمرة، نظراً لأنها بُنيت من مواد طبيعية قابلةٍ للفك والتركيب والتلف بسرعة، أي إن عمرها محدود كمواد بناء، أما بالنسبة لمقاومتها للزلازل فبالتأكيد عندما نقول “بيت خشبي”، فإنه مكون من طابق واحد وكتلته صغيرة وبسيطة نسبياً، حكماً ستكون مقاومته للزلازل أكبر من البيوت الطابقية التي بنيت من دون مراعاة البنية الإنشائية المقاومة للزلازل في بنائها، مضيفاً: إننا في سورية ليس لدينا احتراف في مجال بناء المنازل الخشبية، نحن بحاجة لشركات متخصصة في الأبنية المسبقة الصنع، سواء الخشبية أم البيتونية أو غيرها.
د. البريدي: ليس لدينا احتراف في مجال بناء المنازل الخشبية
خطة مشروع سكني
وطرح د. البريدي خطة مشروع سكني من شأنها أن تحل كارثة المخالفات وتكاليف السكن المرتفعة، وهي أن تؤمن الحكومة أراضٍ من الملكية العامة للدولة وقريبة من المدن وتقوم بتخديمها من شوارع وصرف صحي ووضع مخططات نظامية ورسمية، ومن ثم يتم الاكتتاب على هذه الأراضي، وتسمح للمواطنين بالبناء فوقها، بحيث يكون المكتتب هو من يبني منزله من ادخاره الشخصي وفق الشروط والمخطط الذي وضعته المحافظة أو الجهة المعنية، بدلاً من شراء قطعة أرض رخيصة في العشوائيات والانتهاء ببناء مخالف وغير نظامي، وقد نفذت هذه المشروعات في العديد من الدول، منها المغرب وتونس، ولاقت نجاحاً واضحاً بالابتعادِ عن البناء بشكلٍ مخالف وعشوائي.
اقتراح أن تؤمن الحكومة أراضي من الملكية العامة للدولة وقريبة من المدن وتقوم بتخديمها من شوارع وصرف صحي ووضع مخططات نظامية ورسمية.. ومن ثم يتم الاكتتاب على هذه الأراضي وتسمح للمواطنين بالبناء فوقه
وختاماً، مهما كان أصل الشائعاتِ، فإن أزمةَ السكن ليست شائعة، وإنما هي واقع أرّقَ ومازال يؤرّق تفكيرَ الشبابِ ومحدودي الدخل في سورية، آملين أن تنتشرَ ثقافة السكنِ البديل أو أن يتحولَ أحد الحلولِ والمشروعات، التي ذُكرت في مقالنا اليوم، إلى حقيقة على أرضِ الواقع في قادمِ الأيام، وتكون الحلَ الملائمَ لكابوسِ امتلاكِ المنزلِ الخرساني أو حتى استئجاره.