السوريون “يناورون” على أزمة الكهرباء.. حولوا الماء من ميت إلى حيٍّ والتبريد ببلاش.. الثراث في خدمة الحداثة وأكثر
تشرين- إلهام عثمان:
تبقى صناعة الفخار، الشاهد الحي على عبقرية الإنسان وارتباطه بالطبيعة، إنّها فنٌ؛ يتنفس عبر الأيدي الماهرة، ليبدع أواني وأعمالاً تجمع بين الجمال والفوائد الصحية، الخالية من سموم الحياة الحديثة، الفخار ليس مجرد تراث؛ بل هو حكاية أبدية تروي للأجيال سرَّ البساطة ونقاء الجذور الثقافية.
شيخ كار صناعة الفخار نبيل سيف الدين أكد من خلال حديثه لـ”تشرين” أن حرفة الفخار تعد ذات قيمة جمالية وصحية أورثنا إياها أجدادنا منذ القديم.
سيف الدين: تكون المياه في الأنابيب الصحية ميتة لكن بمجرد ملامستها الأواني الفخارية تعود للحياة
أم هشام امرأة سبعينية تبين لـ” تشرين” أنها تستخدم في منزلها الأواني الفخارية, وتقول: رغم استمتاعي وأنا أستخدمها، إلّا أنها أكثر من رائعة، وتقوم بـ”ترويب” اللبن فيها فيخرج وكأنه مبستر- وتطبخ الرز والبرغل فيها، لتختتم حديثها أن شرب الماء والقهوة بالفخار لا مثيل له.
الصحة العالمية تفرض الفخار
كما كشف سيف الدين أنّ منظمة الصحة العالمية، أوصت جميع المطاعم في العالم، باستخدام الأواني الفخارية لما تحمله من قيمة صحية، و لخلوها من المواد المسرطنة التي تدخل في صناعات الأواني البلاستيكية والستانلس ستيل.
أما عن آلية تطبيق هذا القرار في سورية، فبين سيف الدين أنّ وزارة الصحة بدأت بتطبيقه بنسبة ٨٠ بالمئة, لافتاً إلى أنه عند دخول المياه عبر الأنابيب الصحية تكون ميتة، لكنها بعد ملامستها الطين بنصف ساعة تعود للحياة، وعن مشاركته في معرض الزهور الذي أقيم مؤخراً في حديقة تشرين, أكد سيف الدين أنه كان هناك إقبال جيد على الجناح من قبل زوار المعرض, ويعود ذلك للمشاركات الخارجية في المعرض مثل “مصر العراق ولبنان”, منوهاً بأن أكثر ما تم طلبه في المعرض هي الأواني الفخارية” ترمس ماء- طناجر – كاسات – شلالات زينة للحدائق، وأيضاً التماثيل المصنوعة من الفخار المنحوت، والتي يتم تشكيلها بمادة اسمها( فايبر كليز) التي تصب بقوالب مخصصة.. لتكون على هذا النحو من الجمال والإتقان.
سيف الدين: “الصحة العالمية” أوصت جميع المطاعم في العالم باستخدام الأواني الفخارية
فوائد متعددة
من جهتها أوضحت خبيرة التغذية لوجين القادر لـ” تشرين”، أنّ فوائد الفخار لا تتوقف عند حدود الجمال وتمتع حواسنا بها، بل تمتد لتشمل مجموعة واسعة من الاستخدامات، وهي صحية وتعدّ الخيار الأفضل للطهو وحفظ الطعام، إذ تحتفظ بقوام ونكهة الأطعمة، وتسمح بعملية طهو بطيئة ومتساوية تخرج أفضل النكهات.
أما على الصعيد البيئي، فنوهت القادر بأنها تعد تلك الصناعة من أقل الصناعات إضراراً بالبيئة, لأنها تعتمد على مواد طبيعية متوفرة بكثرة، ويمكن إعادة تدوير الفخار بسهولة، وهذا يضيف بعداً آخر لجمال هذه الحرفة، حيث تجمع بين الماضي والحاضر في تناغم رائع مع الطبيعة.
القادر: صناعة الفخار تعد من أقل الصناعات إضراراً بالبيئة لاعتمادها على مواد طبيعية متوفرة بكثرة في تصنيعها
دورات للأطفال
هذا وأشار سيف الدين، إلى أن الاتحاد العام للحرفيين يقيم عدة دورات للأطفال لتعليمهم أصول الحرفة، ويعود سبب الإقبال إلى تطور الأدوات المستخدمة في تصنيع الفخار بعد أن كانت بدائية وانتقالها للكهربائية بعد تحديثها، كاشفاً أنّ عدد الحرفيين سابقاً قبل الأزمة كان ٢٠٠ حرفي، أما الآن فلا يتجاوز ٢٠-٢٥ حرفياً فقط, ما يجعلها مهددة بالانقراض.
لمحة عن التصنيع
أوضح سيف الدين، أنه تم افتتاح محرف (شيخ الكار) في أحد أحياء دمشق الشرقية، منذ 25 عاماً، وأنه كان يتم تصدير المنتجات للدول المجاورة إلّا أنّ الحرب أثرت بشكل كبير على ذلك.
القادر: يعد الفخار الخيار الأفضل للطهو وحفظ الطعام ويسمح بعملية طهو بطيئة ومتساوية تخرج أفضل النكهات
مراحل الإنتاج
أما مراحل الإنتاج فيحدثنا سيف الدين أنها تبدأ بنقل التراب “الحراري” الذي يجمع عادة من ضفاف الأنهار، أو من تجويف الأرض أو من الجبال, ويجب أن تكون التربة ناعمة, وهي ذات لون أحمر أو أبيض, وخاصة بالصلصال ومن نوع السيراميك نفسه، نقوم بتنقيته من الشوائب وعن طريق الماء يدخل مرحلة التخمير بعد عجنه بـ(العجانة)، وبعدها يوضع الصلصال على طاولة العمل، لتشكيل القطعة وزخرفتها، ثم تأتي مرحلة الرسم على القطعة وبعدها تأتي مرحلة تجفيف القطعة، أما مرحلة الشوي فهي آخر المراحل حيث يُشوى الفخار في درجة حرارة 950، في حال كانت القطعة (سادة) من دون إضافة مواد لها، أما في حال أضيفت إليها مادة (الكليز) فيجب أن تكون درجة الحرارة 1050، وهذا النوع من القطع في الأغلب هو أوانٍ منزلية “بورسلان”، ويمكن استخدامها كأوعية وأطباق في المطاعم والمتنزهات، وهي آمنة مئة بالمئة”.
وبينما تلامس اليد عجينة الطين، تبدأ حكاية الفخار بالتراقص ما بين الأيادي الماهرة، لجعل هذه الصناعة.. أيقونة تنبض بالحياة، بل سيمفونية من الفن والعراقة، وتحويل الطين المتواضع إلى قطع فنية تحمل بين طياتها عبق التاريخ، لذا لابدّ من تضافر الجهود للحفاظ عليها من الاندثار.