«فوازير» رمضان الغاربة.. توهّج الزمن الجميل
تشرين- حنان علي:
شكّلت (الفوازير) ذاكرة لطيفة لأجيال خلت عبر برامج لا تجاريها وسائل الترفيه المعاصرة ولا المسلسلات الدرامية في استقطاب أفراد الأسرة بأعمارهم المختلفة حول شاشاتها، فما كان يحلو كأس الشاي اللاحق لإفطار رمضان إلا مع «الفوازير» والألغاز المرحة لفك أحجية ما انفكت طقوس عرضها المميزة معلماً مقترناً بالشهر المبارك .
«الفوازير» فنٌّ راق ركز على طرح الأحجية على نحو استعراضيّ، جامعاً الفنون في جعبة واحدة: الشعر والغناء والرقص والتمثيل في سياق حكاية درامية بسيطة، خيالية ، أو واقعية، ما برحت محفزة العقول، راسمة الابتسامة والتساؤلات ، أما ناشر البهجة، بطل أو بطلة «الفوازير» فالتصق بذاكرة المشاهد العربي منذ ستينيات القرن الماضي.. فمن ابتكر فكرة «الفوازير» ؟
في مصر
(من صاحب الصوت؟) (حزورة) إذاعية قدمتها الراحلة آمال فهمي في مصرعام 1955، مستضيفة ممثلاً أو مطرباً مشهوراً يقرأ بصوته صفحة من كتاب تاركاً للمستمعين فرصة تخمين هويته.. كوكب الشرق أمّ كلثوم كانت أحد ضيوف البرنامج فقرأت من كتاب «الأيّام» لطه حسين، الطريف في الأمر؛ أن معظم المستمعين لم يتعرفوا إلى صوتها أثناء الحديث .
الفكرة المبتكرة لاقت نجاحاً وإقبالا، فطورت بالاستعانة بمجموعة من الشعراء لكتابة «فوازير» حقيقيّة على رأسهم الشاعر بيرم التونسيّ تلاه مفيد فوزي وصلاح جاهين وبهاء جاهين.
بعد عام واحد من انطلاقته في مصر عام 1961، التقط التلفزيون الفكرة فظهرت «فوازير» عن الأمثال بعنوان (على رأي المثل) و قدمت على شكل فقرة دراميّة متضمنة أحد الأمثال، ليقوم المتسابقون بإرسال الإجابة الصحيحة عبر بريد البرنامج.
بعد ذلك بسنوات ست قام المخرج أحمد سالم بإرفاق الدراما مع الاستعراض لتقدمها فرقة ثلاثي أضواء المسرح المكونة من الفنانين سمير غانم وجورج سيّدهم والضيف أحمد، ثم كلفت الفنانة نيللي بتقديمها بين أعوام 1975 و 1981 ، و بعد سنة ابتكر فهمي عبد الحميد شخصيّة «فطوطة» للفنّان سمير غانم حتّى عام 1984.
«عجايب صندوق الدنيا» و«أمّ العرّيف» «قيس وليلى» ومن ينسى «فوازير» شريهان في «ألف ليلة وليلة» «حاجات ومحتاجات» و إبداعاتها المذهلة العالقة بذاكرتنا .
«فوازير» عربية
من أداء الفنّان حسن دردير، الممثّل والمنولوجست السعوديّ، ظهرت «فوازير مشقاص» عام 1986، فقد ابتكر هذه الشخصيّة الفنّان لطفي زيني، ليعُرض العمل على تلفزيون المملكة العربيّة السعوديّة والتلفزيون المصريّ. أما التلفزيون السوري فلم يكن بعيداً عن فنّ «الفوازير» فقد عرض على شاشته عام 1998 فوازير «مين وين» من تأليف وتمثيل أيمن رضا وباسم ياخور بمشاركة نورمان أسعد. تناولت «فوازير مين وين» موضوع المهن والمدن العربيّة، ضمن استعراضات راقصة مبتكرة لفتاة تعمل في مكتب السياحة و شابّين يحاولان ملاحقتها فتتهرّب منهما بإعطاء معلومات خاطئة عن المدينة التي تريد السفر إليها.
لماذا غربت «الفوازير» ؟
لعلّ أول الأسباب لفقدان بريق «الفوازير» من وجهة نظر النقاد عائد إلى افتقاد التكامل بين وجود الفنّانة الشاملة الجامعة لمواهب الغناء والاستعراض والتمثيل مع قبول الجمهور ، جنباً إلى جنب مع توفر السيناريو المبتكر ذي الفكرة البسيطة النابضة بالحيويّة . لعل «الفوازير» باتت بالفعل البرامج التقليديّة التي أفلت مع الزمن الجميل، كما يرى عدد من الجمهور الحالي، وحلت محلها بدائل ثورية متجددة في منصات مختلفة ووسائل تواصل اجتماعية لا حصر لها .
ونختتم بقول الإعلامي المصري مفيد فوزي « كتابة الفزورة أشد صعوبة من كتابة التحقيق الصحفي» ، إذ تستلزم الطرافة أثناء تقديم المعلومة أو الأحجية في قالب فني استعراضي جذاب.