العزلةُ الموارِبة وحكايةُ السعادة التي هي من نصيب المكتفين بذواتهم

تشرين- علي الرّاعي:
«دون كيشوت: كيف للمرء أن يكون حكيماً يا سانشو؟
سانشو: تقصدُ أن يكونَ مثل لقمان الحكيم يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: ليس بالضرورة مثله تماماً، بل على شاكلته تقريباً.
سانشو: ذلك أمرٌ يتطلبُ أن يلزمَ المرءُ بيتهُ فقط.
دون كيشوت: وهل متى التزم المرءُ بيتهُ، يصبحُ حكيماً يا سانشو ؟!!
سانشو: أجل.».
أميرة نصوص
وبغض النظر عما توصّل إليه دون كيشوت وتابعه سانشو، فإنّ ثمة من يرى في العزلة «سيدة الحكمة وأميرة نصوص الذات الساكنة، فمتى ما انعزلت النفسُ فاضَت..».. وطالما أرّق هذا السؤال المزدوج الكثير من الكُتّاب: «لمَ نكتب ولمن؟ وذلك باعتبار أن الكتابة لا تقتصر على نفسها وحدها كفعل، بل ترتبط بالقراءة بوصفها متمم الصورة ومكملها.. ثنائية السؤال ضرورة لأن طرفي السؤال يرتبط أحدهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً حيث تتضمن الإجابة عن أحدهما إجابة عن الآخر. وسواء كنا نكتب للتوازن مع الذات أو لرأب الصدع بين الممكن والواجب، وبين الواقع والمتخيل، أو نكتب لكي نهزم الموت ونتصالح مع الأبدية، فإن كل هذه الأسباب تقود إلى الاعتراف بأننا نكتب لفردٍ واحد هو ذواتنا، غير أن الذات يمكن أن تحقق نفسها بمجرد كتابة النص وإنجازه.
ولو كانت الكتابة ترمي إلى شفاء صاحبها من قلقه واختلال توازنه فحسب، لكان على الكاتب أن يمزق أوراقه بمجرد الانتهاء من كتابتها، أو يخفيها عن أعين الآخرين.. لأنّ مجرد خروج النص ووقوعه تحت نظرات القراء، هو بمنزلة تأكيد لرغبة الكاتب في الاتصال والتواصل مع الآخرين من جهة، وتأكيد هويته التي تصبح عبر الكتابة مركبة ومركز استقطاب لهويات الآخرين من جهة أخرى.
عزلة الكتابة
أما الذين يتحدثون عن عزلة الكتابة وانقطاعها عن الجماعة، فهم يناقضون أنفسهم بالذات، لأنهم بينما يتحدثون عن العزلة، يتوجهون بالحديث إلى الآخرين المعنيين بالخطاب.. صحيح أن الكتابة تتم في العزلة، لكنها ليست العزلة المنقطعة إلى فراغها، بل الرامية إلى التوحد بعزلات الآخرين، والبحث الضمني عن المناطق المشتركة التي تُشكّل بطريقة من الطرق وجود الكائن الإنساني، وكأن الكاتب ينقّب باللغة والحدس عن المياه الجوفية التي تلتقي مصادرها في نقطة ما من الأعماق، وكلما أوغل الكاتب في عمق ذاته التقى ذوات الآخرين الذين يشبهونه في لهفتهم إلى اكتشاف الحقيقة أو الوصول إليها.
عن الآخر والعزلة
في هذه الحال نحن نكتب للآخر كما نكتب لأنفسنا، وهذا الآخر ليس له وجود خارجي منفصل، بل هو في وجه من الوجوه «آخرنا» نحن، وحين نحاور أنفسنا، فنحن في الواقع نحاور الآخر الذي نستولده من أعماق ظلمتنا الملحة.
هكذا وجدوا في العزلة:
قال غوته: كلُّ واحد منا محكومٌ عليه في نهاية المطاف بأن يكون وحيداً.. بينما أوليفير غولد شميت، فيذكر: في نهاية الرحلة يهجرنا الجميع، ونبقى وحدنا، إما لنصنع سعادتنا، وإما لننطلق بحثاً عنها.. أما أرسطو فربما كان صادقاً حين قال: السعادة من نصيب المكتفين بذواتهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
(وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان أين وصلت عمليات الترميم والتأهيل لمتحف معرة النعمان وماذا عن متحف حماة وقلعتها؟ بسبب العاصفة.. أضرار مختلفة في الشبكة الكهربائية باللاذقية